عني المصنفون العرب الأوائل بعجائب المخلوقات والبلدان والأحبار اعتناء زائدا، وسجلوا كل ما وصلهم في هذا الشأن، وتوسعوا فيه حتى أفردوا له مصنفات خاصة، وقد نشط هذا النوع من التأليف منذ بدايات عصر التدوين، وفي السطور التالية أتطرق إلى أهم كتب القوم في هذا المجال، وأبين دواعي انتشاره وكيفية تصنيفه .
كتب العجائب: نشأتها وتقسيماتها
كان انتشار الإسلام في الأمصار البعيدة من خلال حركة الفتوح الإسلامية واتساع دائرة التبادل التجاري بين المسلمين وبين الأمم المجاورة، وازدياد الرحلات إلى المناطق المعروفة والمجهولة كلها عوامل ساعدت على بروز كتابات العجائب، وهي لون جديد من ألوان التصنيف لم يكن معروفا قبل ظهور الإسلام، ذلك أن الأقاليم الجديدة أخذت تستهوي الحالمين والرحالة المغامرين والتجار الذين أقبلوا على تدوين ما شاهدوه من أخبارها ووقائعها، واختلطت بها قصص واقعية أو خرافية وكانت حصيلة هذه الأخبار ما عرف بعد باسم كتب “غرائب البلدان”، وقد أخذت هذه القصص والوقائع طريقها إلى قصور الأمراء وصارت أساسا لمجالس الأدب والسمر في العصرين الأموي وصدر العصر العباسي.
وقد تطور هذا النوع من التأليف وتعددت أغراضه بمضي الوقت، ذلك أنه بمضي الوقت لم يعد لونا ترفيهيا وأدبيا وإنما صار وسيلة تربوية يستخدمها بعض العلماء للتدليل على عظمة الخالق ووجوب الإيمان به، وهو ما نجده لدى الغزالي الذي كتب ” عجائب خلق الله” أو ” الحكمة في مخلوقات الله”، ولدى ابن القيم في كتابه (مفتاح دار السعادة) الذي حوى فصولا عن : التفكر في الأرض، التفكر في الرياح والمطر، التفكر في الليل والنهار، التفكر في البحار، التفكر في الحيوان، وكلها تناقش غرائب صنع الله في هذه المخلوقات.
وتأسيسا على هذا تضم المكتبة التراثية عددا وافرا من المصنفات في العجائب، بعضها تم تناوله ضمن موضوعات أخرى ومن أمثلتها، (إحياء علوم الدين) للغزالي” الذي تحدث في كتاب المراقبة والمحاسبة عن عجائب الأرض وعجائب البحار وغيرها، وكتاب (مفيد العلوم ومبيد الهموم) لأبي بكر الخوارزمي الذي خصص فيه بضع أبواب للحديث عن: عجائب الدنيا، عجائب البحار، عجائب الحيوانات، عجائب الأحجار، وكذلك دون ابن كثير في (البداية والنهاية) بعض عجائب الطبيعة التي وقعت في عصره، والبعض الآخر أفرد لها كتابا بأسره- وهي التي تعنينا في هذا المقام-، وإذا كان الأستاذ باقر علوان أحصى في مقال له بدورية المورد العراقية نشر عام 1974 ما يربو قليلا عن عشرين مصنفا في العجائب، إلا أننا أحصينا عشرات المصنفات وذلك بفضل التوسع الكبير في إتاحة كتب الفهارس والببلوغرافيات التراثية وسهولة البحث فيها.
وعلى هذا يمكن تصنيف كتب الغرائب حسب موضوعها على النحو التالي:
- كتب غرائب القرآن، وتتناول إعجاز القرآن وغريبه ومن أمثلتها: عجائب علوم القرآن، لمحمد بن أبي القاسم بن محمد الأنباري وتكلم فيه عن فضائل القرآن، ونزوله على سبعة أحرف، و(العجائب في تفسير القرآن) للكرماني (ت: 505 ه) وذكر في عدد من القصص الخيالية ولذلك ضعفه طاشكبري زادة، و(فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن)، لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، (ت597هـ). وتفسير (غرائب القرآن ورغائب الفرقان) لمؤلفه الحسن النيسابوري (ت: 850ه).
- كتب عجائب البحر، وتتناول صفة البحار ومخلوقاته العجيبة التي لا عهد للعرب بها، ويبدو أنها كانت تلقى رواجا كبيرا لأنهم عاشوا في الصحاري ولم يشاهدوا البحار ولم يعرفوها، ومن أمثلتها؛ كتاب (عجائب البحر) لهشام بن سائب الكلبي (ت: 206ه) وهو مفقود ويعتبر من أوائل الكتب في مجاله، وكتاب (عجائب البحر) لابن ميناس، وكتاب (عجائب البحر) لابن شاه الظاهري، و(نخبه الدهر في عجائب البر والبحر) لشيخ الربوة (ت:727ه)
- كتب عجائب الكون والبرية، وهي كثيرة ومنها؛ (عجائب الأرض ومواضعها وطلسماته) لمؤلف مجهول، و(الدرر المضية في عجائب البرية) وهو مخطوط بالمتحف البريطاني، و(الملكوت الباحث عن عجائب صنع الله تعالى) لمحمد الثواني، و(الدر المنضود في عجائب الوجود) للقزويني و(عجائب الدنيا) لابن وصيف شاه (ت: 596 ه) قال عنه حاجي خليفة ” ذكر فيه أسرار الطبائع، وأنواع الخلق وغرائب ما صنعوا”، ومن الكتب المتأخرة (ميزان الجواهر في عجائب هذا الكون الباهر) للشيخ طنطاوي جوهري.
- كتب عجائب البلدان والأمصار، وتتناول طرفا من عادات البلاد المعروفة أو المجهولة وجلها يندرج ضمن علم الجغرافيا ومن أمثلتها: (عجائب البلدان بما حدث به أبو العجائب العراقي) لأحمد بن محمد بن خلف الأنصاري، وكتاب (عجائب البلدان) للقزويني، و(نشق الازهار في عجائب الأمصار) لابن إياس، وكتاب (المغرب عن بعض عجائب البلدان) لمحمد بن عبد الرحيم بن سليمان المازني (ت: 565)، و (البستان في عجائب الأرض والبلدان) لمؤلفه سلامش بن كندغري، و(عجائب واسط) لابن المهذب.
- كتب عجائب المخلوقات، وتندرج ضمن فئة العلوم الطبيعية، وهي تدرس أنواع الحيوانات وصفاتها وما إلى ذلك، كما تدرس عالم الفلك وتحلل مكوناته مثل الكواكب والقمر، ومنها كتاب (عجائب المخلوقات) لزكريا القزويني وهو ذائع ومتداول، و(مجالس في عجائب المخلوقات) لمحمود الحنفي وهو مخطوط بمكتبة برنستون، وعجائب المخلوقات لابن الأثير (ت: 630 ه).
- و(الملتقط من عجائب المخلوقات وحياة الحيوان) لمؤلفه محمد بن عبد الكريم الصفدي (ت:896 ه).
تطور حركة التأليف
تحتوي كتب العجائب على مادة مهمة وفريدة في القصص والروايات إضافة إلى الجانب العلمي والتاريخي والجغرافي الذي نحن بصدده، ويفهم مما ذكره ابن النديم في (الفهرست) أن حركة التأليف في العجائب بدأت في أواخر القرن الثاني وأسفرت عن ظهور بضع كتب في عجائب البحر وكان يغلب عليها الطابع القصصي ولذلك عرفت طريقها إلى بلاط الخلفاء وقصور الأمراء والأثرياء، وذكر بضع كتب في ذلك ومنه كتاب عجائب البحر لصاحبه (صخر المغربي) ويحتوي على ثلاثين حديثا عشرة في عجائب البر وعشرة في عجائب الشجرة وعشرة في عجائب البحر، ولا يعرف مصير هذا الكتاب، وتبعه آخرون مثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت: 204 ه) حيث ألف كتابين أحدهما (العجائب الأربعة) والآخر (عجائب البحر) وكلاهما مفقود.
أما أقدم كتاب وصلنا في العجائب فهو كتاب أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم الأخميمي المصري المعروف بذي النون المصري (ت: 245 ه) الموسوم بـ (كتاب العجائب) وهو يقع في 83 ورقة وتوجد منه نسخة في دار الكتب المصرية.
وكما يبدو تزايد الإقبال على هذا النمط من التأليف خلال القرن الثالث لوجود عدد كبير من المصنفات التي ذكرها الببلوغرافيون؛ ويظهر أن التصنيف في (عجائب البحر) استهوي المصنفين الأوائل حيث وجد ثلاثة كتب على الأقل بهذا العنوان؛ الأول منسوب لأبي العنبس الصميري، والثاني لعلي بن عيسى الحراني، والثالث لابن شاه الظاهري وهو قاص وجماعة للأخبار وهو ما يشير أن كتب العجائب كانت تعد حتى ذلك الحين من مصنفات الأدب، ولم تصبح علما بعد، ويدعم هذا أن ابن النديم صنف كتاب (عجائب البحر) للكلبي ضمن فئة (الأسمار والأخبار).
تواصل التصنيف في العجائب خلال القرنين التاليين وفيهما بدأت تلوح كتب عجائب العالم والبلدان وتتخذ موقعها الفريد إذ كتب المؤرخ المعروف المسعودي كتابا بعنوان (عجائب الدنيا) ولا يعرف ما حل به، وكتب أحمد بن إبراهيم المعلى وهو جماعة للقصص والأخبار (عجائب العالم)، كما وصلنا كتاب (عجائب الهند) وهو من وضع البحار الفارسي الرامهرمزي وقد نشر بالقاهرة وترجم إلى الفرنسية، كما كتب الإمام الغزالي كتاب (عجائب صنع الله) ومن المرجح أن يكون هو (الحكمة في مخلوقات الله).
وانطلاقا من القرن السادس أخذت كتب (غرائب المخلوقات) تحتل مكانتها المتميزة، فكتب محمد ابن محمود السليماني (ت: 555 ه) كتاب أسماه (عجائب المخلوقات) وكذلك ابن أبي الربيع الغرناطي (ت” 565 ه) كتاب آخر (عجائب المخلوقات) وهو ما يعني أن التصنيف بدأ قبيل القزويني بأكثر من قرن، وأنه حين كتب زكريا بن محمد القزويني (682) كتابه العظيم الذي طبع وحُقق مرار وترجم إلى بضع لغات أوروبية كان هذا الفن بلغ أوجه لدى المسلمين وتخلص من الطابع الأدبي وأصبح ينتمي إلى علوم الحيوان.
وقد تابع المسلمون التصنيف في القرون التالية في عجائب المخلوقات حيث وضع الصفدي (من أهل القرن التاسع) كتابه (الملتقط من عجائب المخلوقات وحياة الحيوان)، كما كتب شهاب الدين الحموي (ت: 1098) كتابا في عجائب المخلوقات لا نعرف عنوانه ولا ما حل به، والمرجح كون التصنيف امتد إلى القرون التالية إذ تضم مكتبة برنستون مخطوطا بعنوان (مجالس في عجائب المخطوطات) لمؤلفه محمود الحنفي، كما كتب الشيخ طنطاوي جوهري في مفتتح القرن الثالث عشر (ميزان الجواهر في عجائب هذا الكون الباهر).
خلاصة القول إن التصنيف في العجائب انطلق منذ عهد التدوين واستمر حتى مطالع الحداثة، وانتقل من كونه فنا أدبيا إلى كونه علما يرتبط بعلوم الكون الطبيعية، وكان مبعثه التفكر في خلق الله بحثا عن الهداية واليقين.