سيدنا كلثوم بن الهدم (بكسر الهاء وسكون الدال)، والمتوفي في السنة الثانية من الهجرة، صحابي جليل من الأنصار من بني عبيد بن زيد من الأوس أسلم قبل قدوم النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة. ويقال أنه توفي قبل معركة بدر بفترة قصيرة، وقال الطبري أن كلثوم بن الهدم رضى الله عنه، هو أول من مات من الأنصار بعد مجيء النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة.
طريق الهجرة النبوية
كانت الهجرة عام 14 للبعثة، الموافق لـ 622م، وتم اتخاذ الهجرة النبوية بداية للتقويم الهجري، بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب بعد استشارته بقية الصحابة في زمن خلافته.
واستمرت هجرة من يدخل في الإسلام إلى المدينة المنورة، حيث كانت الهجرة إلى المدينة واجبة على المسلمين، ونزلت الكثير من الآيات تحث المسلمين على الهجرة، حتى فتح مكة عام 8 هـ.
ويقصد بالهجرة هجرة النبي محمد وأصحابه من مكة إلى يثرب والتي سُميت بعد ذلك بالمدينة المنورة، بسبب ما كانوا يلاقونه من أذى وعذاب من زعماء قريش، خاصة بعد وفاة أبي طالب. ولكن ماهو المكان أو الوجهة التي دخل منها رسول الله ﷺ المدينة؟ فلما وصل نبي الله محمد المدينة بعدما اتخذ طريق الساحل وضلل أهل قريش حتى لا يتعقبوا أثره، إذ نزل في غار ثور، حتى موه على المشركين وابتعدوا عن سبيله.
من هو الصحابي كلثوم بن الهدم؟
هو الصحابي الجليل كلثوم بن الهدم -رضي الله عنه- بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي، من قبيلة أوس، أي أنه من الأنصار. وهم الذين نصروا النبي محمد -ﷺ-، وقاموا بحمايته.
وكان كلثوم يسكن في منطقة قباء، قبل مجيء النبي محمد -ﷺ- والصحابي الجليل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، والمسلمون أيضاً من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. وقد قيل أن الصحابي الجليل كلثوم بن هدم -رضي الله عنه- كان أحد رجال بني زيد بن مالك، وقيل أنه أحد رجال بني عبيد، وقد كان يسكن بقباء وعليه نزل النبي محمد -ﷺ- في قباء، في بني عمرو بن عوف.
وكان يُعرف الصحابي الجليل كلثوم بن الهدم -رضي الله عنه-، بصاحب الرسول محمد -ﷺ-، وقد كان رجلاً كبيراً في السن، أسلم قبل وصول النبي محمد -ﷺ- إلى المدينة المنورة.
نزول النبي عند كلثوم بن الهدم
عند وصول النبي محمد -ﷺ-، والصحابي الجليل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، صاح الصحابي الجليل كلثوم بن هدم -رضي الله عنه- بغلام له فقال: يا نجيح، وعندما سمعه النبي محمد -ﷺ- والصحابي الجليل أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-؛ قال رسول الله -ﷺ- للصحابي أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: “أنجحت يا أبا بكر”.
ومكث النبي -ﷺ- عنده مدة من الزمن، وهي قُرابة أربع أيام، وقد كان النبي -ﷺ- بسبب مكوثه مدة من الزمن في بيت الصحابي الجليل كلثوم بن هدم -رضي الله عنه- كان يجلب الناس في بيت الصحابي سعد بن خيثمة ويتحدث معهم، عندما يخرج من بيت كلثوم بن هدم.
ونزل على كلثوم أيضًا جماعة من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، منهم أبو عُبيدة بن الجرّاح، والمقداد بن عمرو، وخَبّاب بن الأرَتّ، وسُهيل وصَفوان ابنا بيضاء، وعياض بن زهير، وعبد الله بن مَخْرَمة، ووهب بن سعد بن أبي سَرْح، ومعمر بن أبي سرح، وعمرو بن أبي عمرو من بني محارب بن فهر، وعُمير بن عوف مولى سُهيل بن عمرو. وكلّ هؤلاء قد شهدوا بدرًا، ثمّ لم يلبث كلثوم بن الهِدْم بعد قدوم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، المدينة إلاّ يسيرًا حتى تُوفّي وذلك قبل أن يخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلى بدر بيسير، وكان غير مغموص عليه في إسلامه، وكان رجلًا صالحًا.
في”بستان المستظل”
عندما وصل رسول الله ﷺ المدينة، نزل في “بستان المستظل” ذلك الاسم الذي سطر في التاريخ ليس إلا لأن رسول الله محمد وطئ هذا البستان بقدميه الشريفتين، وفيه بئر عذق وهنا كان يوجد رسول الله. فقد نزل الرسول ﷺ ضيفا في هذا البستان عند كبير الأوس أو كبير بني عمرو بن عوف من الأوس وهو سيدنا كلثوم بن الهدم. وهو من أصحاب الرسول محمد.
وصل النبي محمد قباء يوم الاثنين 8 ربيع الأول، فنزل على كلثوم بن الهدم، وجاءه المسلمون يسلمون عليه، ونزل أبو بكر على خبيب بن إساف. وأقام علي بن أبي طالب بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدّى الودائع التي كانت عند محمد للناس، حتى إذا فرغ منها لحق بمحمد فنزل معه على كلثوم بن هدم.
وبقي محمد وأصحابه في قباء عند بني عمرو بن عوف 4 أيام، وقد أسس مسجد قباء لهم، ثم انتقل إلى المدينة المنورة فدخلها يوم الجمعة 12 ربيع الأول، سنة 1 هـ الموافق 27 سبتمبر سنة 622م، وعمره يومئذٍ 53 سنة. ومن ذلك اليوم سُميت بمدينة الرسول ﷺ، بعدما كانت تُسمى يثرب.
كيف استُقبل النبي في يثرب؟
كان الأنصار يخرجون كل يوم إلى الحرة ينتظرون النبي، فإذا اشتد حر الشمس رجعوا إلى منازلهم، فلما كان يوم 12 ربيع الأول خرجوا على عادتهم فلما حمي الشمس رجعوا.
فصعد رجل من اليهود على جبل من جبال المدينة، فرأى النبي محمد وأصحابه فقال: “يا بني قيلة! هذا صاحبكم قد جاء هذا جدكم الذي تنتظرونه” فثار الأنصار إلى السلاح ليستقبلوا النبي. وبقي رسول الله ﷺ في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله ﷺ، ثم ركب راحلته وسار يمشي معه الناسُ حتى بركت عند مسجد رسول الله ﷺ بالمدينة.
وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربداً للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة، فقال رسول الله ﷺ حين بركت به راحلته: “هذا إن شاء الله المنزل”، ثم عاد رسول الله ﷺ الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً، فقالا: “بل نهبه لك يا رسول الله”.
وحينما جاء النبي إلى المدينة استقبله كلثوم سيد بني عمرو بن عوف وجلس النبي عنده أكثر من خمسة عشر يوما، وحصلت في هذا البستان الحادثة المشهورة في كتب السيرة بين الرسول محمد ﷺ وصاحبه أبي بكر رضل الله عنه. ووقتما نزل الرسول محمد في البستان وارتفعت الشمس وكان الجو صيفا وكانت القائظة، قام سيدنا أبو بكر فظلل رسول الله محمدا ﷺ بقميصه.
ثم أن البيت الذي في البستان هو بيت سيدنا كلثوم الأوسي بن الهدم الصحابي الجليل من بني عمرو بن عوف، وفي هذا البيت نزل النبي ضيفا لمدة 15 يوما تقريبا، وفي هذا البستان كان النبي يتوضأ من بئر عذق وكان يشرب منه ويصلي.
بئر عذق وبركة أم جرذان
احتوت المدينة المنورة على آبار اشتهرت في التاريخ الإسلامي بارتباطها بالسيرة النبوية، ومن هذه الآبار ما شرب منها الرسول أو عقدت عندها الجيوش أو خرج إليها المسلمون في مناسباتهم.
كانت المدينة المنورة تشرب من آبار متفرقة في العهد الجاهلي كما أنها هي مصدر الماء في عهد رسول الله ﷺ. وقد أطلق مسمى آبار النبي ﷺ على سبع آبار، لأنه ﷺ كان يستعذب ماءها وهي: بئر أريس أو بئر الخاتم وبئر حاء وبئر رومة أو بئر عثمان وبئر غرس وبئر البصة أو بئر البوصة وبئر بضاعة وبئر العهن.
ولا يمكن الحديث عن الصحابي كلثوم بن الهدم من دون الحديث عن “بئر عذق”، الذي يعتبر أحد آبار المدينة المنورة، بالقرب منه استقبل أهل المدينة الرسول ﷺ عند قدومه إلى المدينة المنورة، ويقع غربي مسجد قباء.
وبئر عذق ليست مردومة حاليا، وإنما تعمل وفيها مضخة ماء لمن أراد أن يتوضأ ويشرب منها كما كان يفعل أشرف الخلق ﷺ. والبستان ترك على حاله والمملكة العربية السعودية تحفظ هذا المكان كما كان وهو متاح للزيارة لعوام الناس.
ويقع بئر “عذق” غرب مسجد قباء تميل نحو الجنوب نوعا ما ومكانها كانت تقع منازل بنى عمرو بن عوف الأوسيين، ومن حينها أصبحت هذه البئر مباركة، ومن الآبار النبوية الشريفة في المدينة المنورة التي وثقها أهل المدينة والمؤرخون ومعروفة حتى يومنا هذا.
وتروي كتب السيرة النبوية المطهرة والتاريخ ومنه كتاب “وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى” للإمام السمهودي، أن أهل المدينة المنورة الأنصال لما علموا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج مهاجرًا إلى المدينة كانوا يخرجون كل يوم إلى منطقة تسمى الحرة منذ بداية النهارة ويظلون كذلك حتى تتعبهم الشمس فيعودون إلى بيوتهم.
ووقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو وسيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليستريحا في بستان يعرف ببستان المستظل، وذلك بجانب بئر “عذق” الموجود داخل البستان،حيث رفع سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه رداءه ليظل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليظله من أشعة الشمس الشديدة، ولكي يعرفه الأنصار فيسلموا عليه ويصافحوه، وجاءوه بالرطب والماء من أم جرذان، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما هذا؟ قال: عذق أم جرذان، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اللهم بارك في أم جرذان، فدعا هناك بالبركة.
وفاة كلثوم بن هدم رضي الله عنه
قيل أن الصحابي الجليل كلثوم بن الهدم -رضي الله عنه- توفي قبل غزوة بدر الكبرى، والتي حدثت في السنة الثانية للهجرة بوقت قليل، فلم يشارك في الغزوات، والتي خاضها الرسول محمد -ﷺ- والمسلمين، ضد المشركين والكفار واليهود، بسبب وفاته.
وذكر الطبري أن كلثوم بْن الهدم أول من مات من الأنصار بعد قدوم رَسُول الله -ﷺ- المدينة، مات بعد قدومه بأيام فِي حين ابتداء بنيان مسجده وبيوته، وكان موته قبل موت أَبِي أمامة أسعد بْن زرارة بأيام، ولم يلبث بعد مقدمه إلا يسيرا حتى مات، ثم توفي بعده أسعد بْن زرارة، وقد كان رجلاً صالحاً، ويتصف بالأخلاق الفاضلة.