” إن الرجل هو الرأس، لكن المرأة تديره” – الشاعر الألماني فريدريش شيللر.
في خليج فنلندا قامت سيدة الأعمال الأمريكية كريستينا روث باقتناء جزيرة أطلقت عليها اسم “super-she” أو “جنة الجنس اللطيف”. وكان الغرض هو إنشاء أو ل تجمع نسوي تطبق فيه ممنوعات ثلاث: السجائر، والكحول، وطبعا الرجال.
يعِدُ هذا الفضاء المرأة بأن تعيد اكتشاف نفسها وتجدد حيويتها بعيدا عن أعين الرجال، من خلال برنامج ترفيهي يتضمن جلسات تدليك، وحمامات ساونا، ووجبات صحية لإنقاص الوزن. غير أنه لم يكن متاحا للنساء جميعا بسبب تكلفته الباهظة، إذ يتعين على كل امرأة دفع مبلغ يفوق ثلاثة آلاف دولار للأسبوع الواحد، عدا عن إجراء مقابلات واختبارات دقيقة لحجز حوالي مئة وأربعين مقصورة لمدة ثلاثة أشهر.
عبّرت بعض النساء عن استيائهن من شروط هذا المنتجع الذي بدا كأنه يخدم الثريات منهن فقط. لكن الطريف في الأمر أن صاحب الفكرة ومصدر تمويلها عو خطيب كريستينا الذي تملك عائلته جزرا قريبة من المنتجع؛ بل إنه المشرف على تصميم المكان، وكأن الرسالة المبثوثة عبر سوبر شي هي: أنت بحاجة للرجل كي تتخلصي منه!
لم تكن جنة كريستينا المحرمة على الرجال فكرة عبقرية، ففي الحكايات القديمة المتوارثة أسطورة مشابهة، تدور أحداثها حول جزيرة للنساء ترابها ذهب لكن لا أحد يهتم به. وفيها صنف من الأشجار تأكل منه النساء فيحملن ويلدن نساء مثلهن، ولو حدث أن اقترب رجل من الجزيرة فسيتعرض للقتل. ويحكى أن مسافرا وصل إلى تلك الجزيرة فأرادت النساء قتله، إلا أن إحداهن رقّت لحاله فوضعته على خشبة وألقت به في البحر.
فهل يمكن حقا للمرأة أن تتخلص من الرجل، أم أنها تعبر عن احتياجها له بشيء من الغموض؟
ولماذا تريد من الرجل أن يشبهها لتشعر بالراحة؟ أليس في الاختلاف بين الطرفين معنى للحياة؟
من المسلم به اليوم الحديث عن اختلافات فسيولوجية تميز الرجل عن المرأة. اختلافات في الجسم وطبقة الجلد ونبرة الصوت، وفي العضلات وتركيب العظام وغيرها. ويستتبع ذلك أيضا اختلاف في الجانب النفسي، ثم أسلوب التربية والمجتمع. لكن هناك معلومة أخرى يقررها العلم الحديث وهي أن كلا من الرجل والمرأة يحملان بداخلهما صفات الذكورة والأنوثة معا، بمعنى عندما يتصرف الرجل بأنانية ولا تهمه سوى مصلحته، فإن قوى الذكورة تطغى على تصرفاته، أما حين ينتبه للآخرين ويهتم بهم وبمشاكلهم، فإنه يبدأ في تلك اللحظة اتصالٌ بقواه الأنثوية. ولا يتحقق هذا الاتصال إلا حين ينجذب الرجل للمرأة، وتنجذب المرأة للرجل.
ومن حيث وظائف الدماغ فإن ما يميز دماغ الرجل هو صفة التخصص، بحيث لا يمكن للجزء الأيمن أن يؤدي وظائف الجزء الأيسر. أما دماغ المرأة فيتميز بصفة التعميم، بمعنى أن كلا الجزأين يعملان بنفس القدر. هذه الحقيقة العلمية تفسر لماذا يُركز الرجل عند أداء مهمة واحدة، بينما يمكن للمرأة أن تؤدي عدة مهام في نفس الوقت.
تلك الطبيعة التركيزية توضح سبب بعض المشاكل بين الأزواج، فقد تغضب المرأة حين تتحدث إلى زوجها وهو يقود السيارة فلا يجيبها، لأنها تجهل أن جل تركيزه منصب على الطريق وعلى السيارات الأخرى، ولا يمكنه أن يُحول انتباهه إليها بسرعة البرق. ويتكرر نفس الشيء تقريبا حين تُحدثه وهو يُجري مكالمة هاتفية فتعتقد أنه يتجاهلها، لكن الحقيقة أن الرجل لا يمكنه التركيز على موضوعين في آن واحد.
ويختلف الرجل أيضا في مسألة الاحتياج العاطفي، فبينما تبحث المرأة عن الاهتمام والرعاية والاحترام، يفتش الرجل في الحب عن الإعجاب والتقدير والثقة. لذا عندما يُبدي رغبته بالمرأة ومشاعرها فهو يتوقع أن تُبادله الإعجاب والارتياح، وتمنحه التقدير الذي يستحقه، وتؤكد قبوله كما هو دون إدخال تعديلات؛ آنذاك يبذل كل جهده لإسعادها.
اقرأ أيضا :
من أجل أسرتي
غير أن المرأة لا تنتبه إلى هذا الاختلاف فتجد في الاعتراف بالحب مناسبة لتشكيل لجنة تطوير، تنتهي أشغالها عادة بالنفور والمشاكل. فعلى سبيل المثال يحتاج الرجل في فترة الخطوبة إلى التعرف على خطيبته، وبث أشواقه وعواطفه لتحقيق الانسجام والتفاهم، بينما تُبدي هي ملاحظاتها على تسريحة شعره، وطريقته في اللبس والأكل. وتستمر التعديلات التي تثير استياءه، وتدفعه للتساؤل عن سبب إعجابها به منذ البداية.
حسب تقريره أعده موقع “هير بيوتي” عن الصفات العشر التي يفضلها الرجل في المرأة، تشكل الثقة والتفهم وتقبل العيوب مزايا أساسية يبحث عنها الرجل في شريك حياته، لأن الحياة المعاصرة تضج بالتحديات والضغوطات التي يحتاج معها الرجل إلى رقة ودفء وتفهم لصراعه اليومي، كما تتطلب قدرا من الثقة وتقبل العيوب لضمان استقرار على المدى الطويل.
ومن صفات الرجل التي تسبب للمرأة قلقا وحيرة هي حالة الصمت التي تنتابه، وتجنبه سماع تفاصيل مطولة. فالكلام بالنسبة لها عملية اكتشاف ومشاركة، لأنها تحب التفكير بصوت مسموع؛ بينما يتحول الكلام عنده إلى مصدر إزعاج. وهنا نستحضر مرة أخرى طبيعته التركيزية، فحين يقع الرجل تحت ضغط العمل مثلا تزداد قوة تركيزه، ويبدو كأنه شارد البال ولا يهتم لوجود أحد؛ والحقيقة أنه في وضعية تفكير صامت، يبحث عن حلول لمشاكله. والمرأة هنا بحاجة إلى مهارات لإخراجه من حالة الانسحاب إلى الجو العام. أما حين تجهل هذا المفتاح لشخصيته فإن جو البيت يتكهرب بشكل يومي. يتعامل هو مع الجهد والتعب بأن ينسحب ويفكر في صمت وهدوء، بينما يشكل الاهتمام طبيعتها الأساسية. لذا تتخلص من الإجهاد بالكلام الذي يُشعرها بالراحة، حتى وإن أثار أعصابه.
حين وجه مركز الأبحاث بولاية مانهاتن الأمريكية سؤالا لحوالي 1900 رجل مفاده: ماذا تكره في المرأة؟ جاء الهوس بالتسوق في المرتبة الأولى، يليه النكد ثم الثرثرة. هل هذا يعني أن الرجل لا يحب الكلام؟
إن العكس هو الصحيح، فالظاهرة مشتركة بين الاثنين، لكنه يفضل المرأة التي تمنحه الشعور بأنها مسيطرة على مجرى الحديث، ستضيف شيئا جديدا وقيّما. يقول الشاعر الألماني فرِيدريش شيلر: إن الرجل هو الرأس، ولكن المرأة تُديره!
وتبقى الصفة التي يُحذر خبراء علم النفس من ضررها على الحياة الزوجية هي الجدل، والنقاش المنفعل والمشحون بالغضب. إن ما يزعج في الجدل هو طريقة الكلام وليس الكلام بحد ذاته، فالمرأة تشتكي وتتحدى وتوجه النصائح، بينما يرفض هو سماع شيء لأن ذلك برأيه يعني عدم ثقتها وتقديرها لأدواره ومسؤولياته.
إن غيابه خارج البيت على غير العادة يُشعرها بالقلق وعدم الراحة، وقد تُعبّر عن ذلك بأسئلة عادية فيها عنف وعصبية، فيتحول السؤال العادي إلى استجواب، واتهام بعدم المسؤولية. لذا فالثقافة الزوجية بحاجة إلى تعلم فن الإنصات والحوار الهادئ. نتذكر هنا حكاية الريح والشمس حين اختلفتا أيهما يستطيع تجريد الإنسان من لباسه. هبّت الريح بشدة لكن الإنسان تمسك جيدا بملابسه، وتكور على نفسه حتى هدأت. أما الشمس فأشرقت بهدوء مرسلة أشعتها الدافئة، مما اضطره لخلع ملابسه بكل طواعية.
يقودنا النبش في تاريخ الرجل إلى الوقوف على ما يحمله في نفسه من سجلات الحروب والصراعات، والمغامرات الحادة والمخيفة، وما يفرضه ذلك من إظهار الشجاعة. وبينما تسأل المرأة نفسها في عدة مناطق من العالم: ” لماذا لا يستطيع أن يُظهر لي مشاعره ببساطة؟” فإن المجتمع والعادات يُقوّيان فيه سلوك الحذر والمنافسة والتحدي. عليه أن يخفي مشاعره ليظل سيد الموقف، ويتألم في صمت لأن الرجال، كما نفثت في روعهم صروف الدهر، لا يبكون.
تُظهر قاعدة البيانات لكل عام في كافة الدول أن متوسط أعمار النساء يتجاوز الرجال. ففي أمريكا مثلا تخطى أربع وخمسون ألف شخص سن المئة عام، بينهم حوالي عشرة آلاف من الرجال مقابل أربع وأربعين ألف امرأة. ويتحمل هرمون التيستوستيرون برأي الباحثين، مسؤولية هذا الفارق المهول باعتباره هرمون البلوغ الذي يمنح الفتيان شعورا بالقوة، فينغمسون في أنشطة مرتفعة المخاطر، كالاقتتال وقيادة الدراجات والسيارات بسرعات جنونية، وتعاطي السجائر والكحول، فضلا عن الانتحار.
نفس الهرمون يمنح الرجل شعورا بأنه سند لحواء في مواجهة المخاوف، وضغوط الحياة اليومية. لذا حين سمع أحد حكام الصين بقصة جزيرة النساء، وجّه سفنه للبحث عنها في أرجاء المحيط، لكنه لم يجد لها أثرا، لتبقى الجزيرة عنوانا على غربة حواء بلا سند!