ربما أخبرك معلم مادة الرياضيات في المرحلة الابتدائية بأن التفوق في الحساب سيكون له تبعات هامة على مستقبلك ، إلا أنك لم تأخذ كلامه في ذلك الوقت على محمل الجد. اليوم تظهر الدراسات أن معلمك كان على صواب.

درس باحثان هما بار بايلكيلبرينج أستاذ علم النفس بجامعة غوتنبرج بالسويد ، وإيلين بيترز مديرة مركز أبحاث علوم الاتصال بجامعة أوريجون بالولايات المتحدة عملية صنع القرار وكيفية ارتباطها بالثروة والسعادة وبينت دراستهما – نشرت في نوفمبر 2021 – أن الأشخاص المجيدين لمهارات الحساب والرياضيات بشكل عام يهتمون بكسب مزيد من المال مما يزيد مشاعر الرضا عن الحياة أكثر من غيرهم، لكن للأمر إيجابيته وسلبياته فمن المحتمل أن يزيد شعورهم بالرضا كلما ارتفع دخلهم ، وفي المقابل قد يمسون من أكثر الأشخاص شعورا بالاستياء عندما تقل عوائدهم المالية ، ويتضح ذلك أكثر عندما نقارن مشاعر الرضا لديهم بأولئك الذين لا يجيدون المهارات الرياضية والأقل دخلا.

وفسر عدد من الباحثين ذلك في دراسات سابقة أن تأثير زيادة المال ينعكس بارتفاع مستوى الرضا والسعادة عن الحياة إلى مرحلة معينة ، لكن الدراسة الحديثة للباحثين بار بايلكيلبرينج وإيلين بيترز عدلت هذه الفكرة من خلال إظهار أن الرضا الناتج عن الدخل يرتبط  بمدى مهارة الشخص في الحسابات الرياضية.

اختبار الرياضيات والسعادة

عملت الدراسة الجديدة على التحقيق في العلاقة بين المهارة الرياضية والدخل والرضا عن الحياة، باستخدام استطلاعات للرأي شارك فيها 5748 شخصا متنوعا، وانطلقت الدراسة من سؤالين واختبار واحد ذا صلة بموضوع الدراسة الجديدة.

يطرح الاختبار سؤالا عن الدخل السنوي للأسرة ، ويطلب أيضا من المشاركين تقييم مدى رضاهم عن حياتهم بمقياس يتراوح من صفر إلى 10. ويجيب المشاركون في نهاية الاستطلاع على 8 أسئلة متنوعة ومتفاوتة الصعوبة بهدف معرفة مستوى المشارك في الرياضيات .

على سبيل المثال، أحد الأسئلة الواردة في الاختبار: “تلقى جيري العلامة الـ 15 والعلامة الـ 15 الأدنى في الصف. كم عدد الطلاب في الصف؟  الجواب الصحيح هو 29 طالبا .

وبعد الانتهاء من الاستطلاع جمعت الإجابات حتى تربط ببعضها ، وأفرز تحليل هذه البيانات عن ارتباط مهارات الرياضيات والدخل بمستوى التعليم ، ولذلك ركز البحث على عوامل التعليم والذكاء الخطابي أو اللفظي والصفات الشخصية والتركيبة الديموغرافية.

المهارة الرياضية والدخل والرضا

بالاطلاع على نتائج الاختبار سنجد أنه كلما ارتفعمعدل الإجابات الصحيحة في الرياضيات ستزيد فرص تحقيق مكاسب مالية. فمقابل كل إجابة صحيحة إضافية في اختبار الرياضيات ، كان متوسط الدخل السنوي للمشاركين 4062 دولارا.

من باب الافتراض، إذا عقدت مقارنة بين إجابة شخصين لهما نفس المستوى من التعليم، الأول لم يجب على أي من أسئلة الرياضيات بشكل صحيح والآخر أجاب عليها جميعا بشكل صحيح، فبناء على الدراسة الجديدة فإن الشخص الأول سيكسب حوالي 30,000 دولار إضافي كل عام.

كما أظهر الاستطلاع أن معدل الأشخاص الماهرين في الرياضيات هم أكثر سعادة من أولئك الذين لديهم قدرات أقل، وتتفق هذه النتيجة مع بحوث أخرى أفادت بأن الدخل يؤثر على مستوى الرضا.

ولكن الأبحاث السابقة لم توضح طبيعة العلاقة بين الدخل والرضا مثل فرضية “مزيد من المال يساوي قدرا أعظم من السعادة” ، اتضح أن مدى رضا الشخص عن دخله يعتمد في كثير من الأحيان على ردة فعله عندما يقارن مع الآخرين.

وأظهرت أبحاث أخرى أيضا أن الأشخاص الماهرين في الرياضيات يميلون إلى إجراء مقارنات عددية أكثر من غيرهم. مما دفع فريق بحثنا للنظر في فئة الأشخاص المتقنين للرياضيات ، هل يستمرون في عقد المقارنات للعوائد المالية أكثر؟

 ويبدو أن النتائج تبين ذلك . كلما كان الشخص أفضل في مهارات الرياضيات ، كلما زاد حرصه على  جني مزيد من المال مما يزيد نسب الرضا عن الحياة مع ارتفاع الدخل.

ولكن تفسير حالة الرضا من الدخل يذهب في اتجاهين:

الأول أن حالة الرضا تلاشت مع انخفاض الدخل لفئة المهارات الأعلى في الرياضيات ، فعندما قل دخلهم سجلوا أدنى درجات الرضا عن الحياة .

الثاني بينما لم يشكل الدخل عاملا فارقا لفئة المهارات الأقل في الرياضيات عند قياس حالة الرضا والسعادة.

وبالتالي تم تقييم نفس الدخل بشكل مختلف اعتمادا على مهارات الشخص الحسابية.

المال وشراء السعادة

تفيد معلومة متداولة كثيرا ومدعمة بالدراسات انه بمجرد أن يجني شخص ما حوالي 95000 دولار سنويا ، لا يشكل كسب مزيد من المال فارقا لديه من ناحية الراحة النفسية. ويسمى هذا المفهوم ( إشباع الدخل income satiation ) والدراسة الجديدة ناقضت هذه المعلومة.

من المثير للاهتمام أن الأشخاص البارعين في الرياضيات لا تقف قناعتهم بما يملكون ولا يشعرون بالرضا عن عوائدهم المالية. حالتهم النفسية تتحسن أكثر مع مزيد من العوائد ويصبحون أكثر ارتياحا مع المزيد من الدخل، وليس لديهم أي حد لهذا الطمع .

هذا الأمر لا ينطبق على الأشخاص غير الماهرين أو الموهوبين في الرياضيات. لقد حصلت المجموعة الأقل كفاءة في الرياضيات على رضا أكبر مع دخل يقارب الـ  50,000 دولار فقط . ثم في مرحلة لاحقة زاد مدخول هذه الفئة لكن لم يشكل فرقا لديها.

ويبدو أن المال يشتري السعادة بالنسبة لبعض الناس. ومن أجل الفهم يتعين القيام بمزيد من البحث ، والسبب قد يرجع إلى أن أولئك العارفين بالرياضيات يعقدون المقارنات بين الأرقام في رؤوسهم دائما بما في ذلك عوائد الدخل حتى يفهموا هذا العالم.

وفي المقابل، يظهر أن أولئك الذين تقل لديهم مهارات الرياضيات يستمدون مشاعر الرضا عن الحياة من مصادر أخرى غير الدخل ، فإذا كنت تشعر بعدم الرضا عن دخلك وتريد مخرجا ناجعا ، ربما من الأفضل اتباع استراتيجية النظر فيما وراء الأرقام..