عندما يعاني الاقتصاد في إقليم ، أو بلد، أو حتى قارة ، فإن التفسيرات تميل إلى أن تكون كبيرة كما جرت العادة .
خبراء الاقتصاد الكلي – الذين يدرسون الظواهر الاقتصادية الكبيرة – في كثير من الأحيان يبحثون عن تفسيرات شاملة للأخطاء الحاصلة، مثل انخفاض الإنتاجية، والطلب على السلع الاستهلاكية، أو ثقة المستثمرين، أو تغييرات كبيرة في السياسة النقدية.
السؤال المطروح هنا ، ماذا إذا تبع هذا الانحدار الاقتصادي العريض انخفاض في القطاعات الصناعية الضيقة نسبيا ؟
كان ذلك محور دراسة نشرت حديثا من قبل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أثبتت أن المشاكل الاقتصادية غالبا ما تنشأ من نقاط صغيرة ثم تنتشر بعد ذلك كجزء من تأثير شبكة العلاقات المتداخلة مع قطاعات أخرى.
يقول دارون أسيموغلو، الإقتصادي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وأحد المشاركين في الدراسة “يمكن لصدمات صغيرة نسبيا أن تضخم ثم يتوجب عليك التعامل مع هذه الصدمات على نطاق أوسع”.
ويضيف النتائج تتعارض مع “نظرية دورة الأعمال الحقيقية”، المعروفة في سبعينات القرن الماضي ، والتي تشير إلى معاناة القطاعات الصغيرة من حالة الركود عندما يمر الاقتصاد بأزمة كبيرة.
وجد أسيموغلو وزملاؤه مشاكل محددة في قطاعات معينة وصل فيها حجم الانخفاض إلى ستة أضعاف حجم الإنتاج عند قياسه على مستوى اقتصاد الولايات المتحدة الكلي.
على سبيل المثال، مقابل كل دولار يضيع من معدل نمو القيمة المضافة في الصناعات التحويلية بسبب المنافسة مع الصين، تفقد الولايات المتحدة 6 دولارات من معدل نمو القيمة المضافة من مستوى الإقتصاد الكلي.
من جانب آخر، فحص الباحثون أربعة أنواع مختلفة من الصدمات الاقتصادية لاقتصاد الولايات المتحدة وقعت بين 1991-2009 ، ومعرفة مقياس هذه المشاكل ومدى انتشارها سواء كانت من ” مصدر ” أو ” ناتج ” – صناعة معينة – أي ما إذا كانت لهذه المشاكل ارتدادات تصب بقوة عبر شبكاتها المتداخلة ضمن الصناعة كالموردين الصناعيين أو التجاريين إلى منافذ بيع المنتجات وخدمات المستهلكين الخ … .
وأضاف الباحثون: “نتائجنا تقترح أن عملية انتقال أشكال متعددة ومختلفة من الصدمات من خلال شبكات اقتصادية وروابط صناعية يمكن أن تكون لها آثار من الدرجة الأولى على الاقتصاد الكلي”.
أسيموغلو وزملاؤه درسوا أربعة أنواع من الصدمات الاقتصادية التي ضربت الاقتصاد الأمريكي خلال الفترة 1991-2009 وهي :
– تأثير المنافسة على صادرات الصناعات التحويلية الأمريكية
-التغييرات في الإنفاق الحكومي الاتحادي، التي أثرت على مجالات مثل الصناعات العسكرية
– التغييرات في إجمالي عامل الإنتاجية
– الاختلاف في مستويات براءات الاختراع القادمة من صناعات أجنبية
وتم ملاحظة تعرض شبكة علاقات الصناعات التحويلية التي تخوض تنافسا مع الصين لأزمة اقتصادية شاملة تقدر بستة أضعاف حجمها كما لو كانت تنتج بمفردها.
وبحسب دراسة للتغيرات في مستويات الانفاق الاتحادي بعد عام 1992، وجد الباحثون تأثر الشبكة المتداخلة بمقدار ثلاث إلى خمس أضعاف الضرر الواقع على الشركات.
ويعتبر الانخفاض في إجمالي عامل الإنتاجية صدمة اقتصادية صغيرة، ولكن هذا العامل الواحد يحدث هزة أكبر داخل شبكة تعاملاته بينما يتضاعف أثره ليصل 15 مرة.
ووجد الباحثون أيضا، في حالة زيادة براءات الاختراع الأجنبية (طريقة أخرى للنظر في إنتاجية الشركات)، وجود تأثير مضاعف لهذه الشبكة.
وتؤكد أحد نتائج الدراسة أن الصدمات في حالة الطلب تنتشر بشكل حصري تقريبا في المصدر، بينما الصدمات على جانب العرض تنتشر بشكل حصري تقريبا في الناتج، ولتوضيح الفكرة، أشار أسيموغلو النظر لصناعة السيارات، التي لديها موردين قطع غيار يرتبطون بعلاقات مع تجار السيارات، ومحلات الصيانة، وغيرها من شركات المصدر، وعندما يقل الطلب على السيارات، يتأثر المورد بمعنى يخفض إنتاج السيارات، وبالتالي يقل شراء قطع الغيار، وتقل الإمدادات الأخرى.
ويضيف أسيموغلو، لتوضيح المسألة من الصعب دائما التحديد الدقيق لمنبع الصدمة الاقتصادية السلبية، هل هي بسبب المنافسة الخارجية، أو عدم القدرة على الإبداع، أو عوامل أخرى – بعضها قد يرجع في الواقع لعوامل إقتصادية طبيعية ؟ وباستطاعة الاقتصاديين تحديد مثل هذا النوع من الصدمات، كلما تمكنوا من استخدام هذا المبدأ في تتبع الآثار الاقتصادية.
ويرى أسيموغلو: ” هناك احتمال تعرض كامل المنطقة الاقتصادية لصدمة سلبية ، ومن الصعب التمييز بين كل هذه المسارات، لهذا السبب نحتاج لعمل منهجي “.