*أوتا هاجيمي5>
تتعرض الإدارة اليابانية لهزات كبيرة، حيث أصبحت الشركات والإدارة التقليدية غير معترف بها، وانكشفت نقاط ضعفها. وواصل الاقتصاد الياباني نمواً مستقراً بشكل عام حتى ثمانينيات القرن الماضي. ولكن تباطأ نموه لفترة طويلة بعد الدخول في مرحلة الركود الاقتصادي بعد انهيار اقتصاد الفقاعة في وقت مبكر من بداية التسعينيات، ومنذ ذلك الوقت لا يزال الاقتصاد الياباني غير قادر على استعادة مكانته في العالم حتى الآن.
ووفقا لدراسات مركز الإنتاجية اليابانية، تراجع ترتيب إنتاجية الأيدي العاملة اليابانية من المرتبة ١٧ في عام ١٩٩٢ إلى المرتبة ٢١ في عام ٢٠٠٠، ومنذ ذلك الوقت وحتى وقتنا الحالي ظل يتراوح قريبا من المرتبة ٢٢. وبالنسبة للتنافسية الدولية أيضا، فإنه وفقا لدراسات المعهد الدولي لتنمية الإدارة (IMD)، انخفض ترتيب اليابان إلى المرتبة ٢١ في عام ٢٠٠٠ بعد أن كانت في المرتبة الأولى عام ١٩٩٢، ومازال الانخفاض مستمرا، حيث وصل عام ٢٠١٦ إلى المرتبة ٢٦. وأيضا وفقا لتقارير وزارة الاقتصاد والصناعة اليابانية، فإن معدل العائد على حقوق المساهمين (ROE) للشركات اليابانية في عام ٢٠١٢ توقف عند حدود ربع المعدل الأمريكي، وثلث المعدل الأوروبي.
وبالإضافة إلى ذلك، فحتى لو قمنا بإلقاء نظرة على الظروف الحالية لانخفاض إنتاجية أصحاب الياقات البيضاء (الأشخاص الذين يقومون بأعمال ذهنية) وعدم ولادة ابتكارات جديدة بسهولة، فإنه لا بد من التفكير بوجود مشاكل كبيرة في تنظيم الشركات اليابانية وإدارة الموارد البشرية.
قوة الشركات تتحول لضعف
تتميز الشركات اليابانية التقليدية بذوبان الفرد في المنظومة أو الجماعة وعدم “الانفصال” عنها. فمثلا، عملية توزيع مهام العمل على الأفراد غير واضحة، والأعمال التي يتم القيام بها كمجموعة تعمل في وحدة ما أو قسم ما كثيرة. والمكاتب هي عبارة عن غرف كبيرة لا يوجد بها حواجز بين كل فرد وآخر، حيث يجلس الجميع وجها لوجه. وأيضا حرية التصرف في الأعمال غير الإدارية تكون شبه معدومة، حيث يجب العمل مع القيام بتقديم التقارير للمدير والاتصال به واستشارته حتى في أدق التفاصيل (العمل كرجل آلي). وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاستمرار بالعمل في شركة واحدة حتى التقاعد هو أمر مفروغ منه.
وإذا تحدثنا حول الأمر من منظور علم الاجتماع، فإن الشركة في الواقع من المفترض أن تكون عبارة عن جماعة وظيفية لتحقيق هدف ما، ولكن الشركات اليابانية لديها شخصية قوية وكأنها جماعة أساسية (جسم واحد) كالعائلة أو القرى السكنية.
ومن الممكن في مثل هذه الشركات القيام بتدريب عدد كبير من الموارد البشرية المتجانسة، والتمكن من استخراج رغباتها وقدراتها المستقرة لمدة طويلة. لذلك كانت مناسبة للمجتمع الصناعي. لأن العمل في أماكن الإنتاج أو حتى في المكاتب في المجتمع الصناعي يتطلب القيام بأعمال نمطية بشكل مستقر ودقيق.
ولكن، بعد تقدم تكنولوجيا المعلومات منذ تسعينيات القرن الماضي، والمضي قدما في التحول من التصنيع إلى اقتصاد قائم على المعلومات والخدمات والعولمة جعل من غير الممكن توظيف نقاط القوة لدى الشركات اليابانية المذكورة أعلاه، وطفت على السطح نقاط ضعفها. ففي البداية تم استخدام الآلات والحواسيب للقيام بالأعمال النمطية، وأصبح القيام بعمل دقيق ومستقر أمراً ليس ذو أهمية كبيرة. وبالمقابل، أصبحت الحاجة إلى القدرات البشرية الفريدة والتي من الصعب للآلات والحواسيب القيام بها كالقدرة على التفكير، القدرة على الإبداع، القدرة على التبصر، والإحساس، أصبحت مطلوبة بشكل أكبر. وأصبحت الرغبات والقدرات الفردية تؤثر بشكل كبير في نجاح الأعمال وأرباح الشركات.
وفي الشركات اليابانية التقليدية، لا يمكن استخراج هذه الرغبات والقدرات الفردية بشكل كافٍ. وكدليل على ذلك، فإنه وفقا للدراسات حول حب العمل (Work engagement) (تترجم كثيرا في اللغة اليابانية إلى “الحماس للعمل”) والتي تصدر واحدة تلو الأخرى في السنوات الأخيرة، فإن حب العمل لدى اليابانيين في أدنى مستوى له عالميا. وبالنظر إلى عدد ساعات العمل ومعدل الحصول على الإجازات مدفوعة الأجر وغيرها من الأمور، فإن اليابانيين ما يزالون يعملون بجد، ولكن الوضع الراهن يشير إلى انخفاض كبير في الحافز الذاتي الذي يولد الابتكار والتطور.
وأيضا من الممكن القول إنه كان من المناسب القيام بالأعمال المكتبية النمطية بشكل جماعي في بيئة المكاتب التي تشبه الغرف الكبيرة ولا يوجد فيها حواجز، ولكنها لا تصلح للعمل الإبداعي والعمل الذي يتطلب التفكير بتمعن، وهناك مشكلة إدارة المعلومات واحترام خصوصية الموظفين.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الحفاظ على شركات المجتمع الصناعي وإدارتها حتى الآن يعود إلى تحقيق اليابان للنجاح لسنوات طويلة، وقوة تجربة النجاح التي حققت التطور. أي أن تجربة النجاح تلك تمثل قيودا تعيق الانتقال إلى المجتمع الصناعي اللاحق الذي تقدمت فيه تكنولوجيا المعلومات، التحول من التصنيع إلى اقتصاد قائم على المعلومات والخدمات، والعولمة.
سبب استمرار حدوث فضائح الشركات
تسبب الشركات اليابانية التي لا يتم الفصل فيها بين الأفراد مشاكل مزمنة أخرى من إحداها فضائح الشركات المستمرة، فالشركات القائمة على شكل جسم واحد، لديها جسم داخلي متماسك معزول عن العالم الخارجي بجدار سميك. ويتم اتخاذ القرارات الخاصة فيها بشكل جماعي، ولأن مراحل اتخاذ القرار غير شفافة، أدت إلى تسهيل عملية التهرب من المسؤولية.
وأيضا يطلب بقوة من العمال أن يتصرفوا كأحد أفراد الشركة، لذلك حتى لو لم يتم أمرهم بشكل مباشر فإنهم يقومون بتخمين نوايا المدير ويتصرفون بناء عليها. ونتيجة لذلك، فإنهم يعطون الأولوية أحيانا لربح الشركة أكثر من العدل والقواعد الاجتماعية. ولكن لأن المدير لم يقم بأمرهم بشكل مباشر، فإنه من السهل تهرب الجميع من المسؤولية عند اكتشاف غش مثلا، وهكذا يتولد “نظام عدم المسؤولية الجماعية”.
هناك علاقة كبيرة بين فضائح الشركات الكبرى (توشيبا، وميتسوبيشي موتورز، وإطارات تويو) وغيرها التي تم اكتشافها واحدة تلوى الأخرى في السنوات الأخيرة وبين البنية التنظيمية القائمة على عدم الفصل بين الأفراد .
لذلك يجب فصل الفرد عن المنظومة من أجل استخراج رغباته وقدراته ورفع إنتاجية الشركات، وفي نفس الوقت منع حدوث الفضائح من خلال التركيز على الالتزام بالقانون.
وبالإضافة إلى إدخال الشكل الغربي في العمل، فإن هناك طرق أخرى مثل القيام بتولي شخص أعمالا محددة وكأنه يعمل في شركة فردية، أو توضيح دور كل فرد من الأفراد والمساهمة في “الشفافية” حتى عند العمل بشكل جماعي.
من الوسائل أيضا الحد من مبدأ القيام بالعمل باسم مجهول وهذا أسلوب معروف عند الشركات اليابانية، ومن المفضل جعل العمال يقومون بتنفيذ الأعمال بأسمائهم مع منحهم حرية التصرف.
وحتى لا يتعرض كلا من الموظف والشركة للخسارة عند انتقال الموظف إلى شركة أخرى في منتصف حياته المهنية، يجب التبديل إلى “نظام توظيف قائم على الحساب على المدى القصير”.
ارتفاع أداء الشركة ودرجة رضا الموظفين
إذا تم فصل الفرد عن المنظومة ترتفع استقلالية الموظف في العمل، وسيتمكن من الحصول على مكافآت كبيرة تتناسب طرديا مع جهوده. وإذا قام بالانتقال إلى شركة أخرى، أو حصل على فرصة للعمل المستقل، فإنه سيتمكن من امتلاك أحلام وأهداف كبيرة. لذلك من المفترض أن يؤدي ذلك إلى رفع حماس الموظفين، ويساهم في تحسين نمو وإنتاجية الشركة.
هناك أمثلة تشير إلى إن الشركات التي قامت بإدخال “نظام الاستقلالية داخل الشركة”، ارتفع معدلات انتاجية أفرادها ثلاثة أضعاف، وبينت الأبحاث التي استهدفت الشركات الكبرى الرئيسة في اليابان، أن أداء الشركات ودرجة رضا العاملين مرتفعة في الشركات التي تقوم بفصل المهام بشكل واضح.
مايميز الشركات اليابانية المعتمدة على شكل “الجسم الواحد” إنها مريحة للأعضاء، وتوفر مكاسب شخصية كالأسبقية الوظيفية والتعويضات، لذلك لا يمكن أن نتوقع أن يتم القيام بالفصل بشكل ذاتي من داخل الشركات. وبناء على ذلك، يصبح من الضروري القيام باستراتيجيات وخلق آليات الفصل التالية في أعلى وأسفل الهرم الوظيفي.
أولا: إدخال “العناصر المختلفة” في داخل الشركات كتوظيف العمال الأجانب والأشخاص في منتصف العمر، والعمال المستقلين. فإذا أصبح من الممكن عمل الأشخاص المختلفين بدينهم وأسلوب معيشتهم وسيرتهم المهنية وقيمهم وتوجهاتهم سوية، فبالطبع ستتضح سلطات ومسؤوليات كل فرد من الأفراد، ويصبح لا بد من قبول التنوع.
ثانيا: البقاء في الشركة لمدة طويلة يجب أن يؤدي إلى إصلاح نظام التعويضات بشكل كامل.
ثالثا : إدخال خيار يسمح بالعمل المشترك بين موظف سابق بدأ عملا جديدا وبين الشركة التي كان يعمل فيها عن بإقامة تحالف ، مع القيام بإدخال نظام الشركات الفردية في داخل الشركات الكبيرة، أو نظام دعم مستقل للموظفين الشباب. وبالتالي إزالة العقبات أمام حركة استقلال الموظفين.
وبسبب انتشار الذكاء الصناعي والانسان الآلي ( الروبوت) سيصبح من المهم أكثر فأكثر إظهار الإبداع البشري المنفرد في المستقبل. وأيضا بسبب تطور نظام نقل المعلومات، أصبح من الممكن القيام بالأدوار كفرد من أفراد الفريق، والمساهمة في الشركة من دون التقيد بالمكان أو الزمان. فإذا قامت الشركات اليابانية بتجاهل وهم الجسم الواحد، والعمل على فصل المهام، فإن إنتاجية العمل والقدرة على المنافسة الدولية للشركات اليابانية ستتعافى بما لا يدع مجالا للشك.