كيف يمكن للمعلمين طرح أسئلة على الطلاب لا تستطيع هواتفهم الإجابة عليها؟ هل يمكن أن يُصبح هاتف الطالب عائقًا أمام تعلّمه؟ في عصر باتت فيه المعلومات في متناول اليد، لم يعد السؤال “ما هي الإجابة؟” هو التحدي الحقيقي، بل “كيف نفكر في السؤال نفسه؟” فبينما يستطيع الطلاب اليوم الحصول على أي معلومة خلال ثوانٍ عبر أجهزتهم، يبقى دور المعلم جوهريًا في تدريب العقول على ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي فعله: التفكير النقدي، والتحليل، والإبداع.

الأسئلة الذكية لا يمكن الإجابة عليها بـ”سيري” أو “أليكسا” أو “تشات جي بي تي”. إن طرح الأسئلة التي تستفز التفكير وتدفع الطلاب للتعمّق لا للحفظ، هو ما يحوّل الصف الدراسي إلى ورشة عمل عقلية تُنضج فيها المهارات وتُصقل فيها القدرات.

ولأن المستقبل ينتظر مفكرين لا مجرد حافظين، فإن تطوير نوعية الأسئلة داخل الصف هو ما سيُعدّ الطلاب لعالم سريع التغير مليء بالتحديات المعقدة.

في هذه المقالة للكاتبة كيم ماكويليامز، وهي أستاذة مشاركة في كلية التربية وتنمية الإنسان بجامعة ميامي، تدعونا هذه المدرِّبة التعليمية لمعرفة كيف يمكن للمعلمين طرح أسئلة على الطلاب لا تستطيع هواتفهم الإجابة عليها، من خلال إعادة النظر في الأسئل الصفية، باستخدم “تصنيف بلوم“، والبدء من الاستفهام، إلى الإلهام، بطرح الأسئلة التي لا يمكن لجوجل أن يجيب عنها؟ فإلى نص المقالة:

مدرس يشرح درسًا حول الروبوتات أمام سبورة سوداء، حيث يقف روبوت أمام الطلاب الذين يرفعون أيديهم للمشاركة.
كيف يطرح المعلم أسئلة على الطلاب؟

على المعلمين إيجاد طريقة أفضل لطرح أسئلة على الطلاب

لدى طلاب اليوم المعلومات في متناول أصابعهم. فبمجرد سؤال بسيط إلى “أليكسا” أو “سيري”، أو بحث سريع عبر جوجل، يمكنهم الحصول على الإجابات تقريبًا على الفور. ومع تزايد كفاءة أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT في التعامل مع الأسئلة الواقعية أو السطحية، يصبح دور المعلمين أكثر أهمية. لم نعد نساعد الطلاب في إيجاد الإجابات فحسب، بل نرشدهم إلى التفكير بعمق أكبر.

إن سهولة الحصول على المعلومات هذه تغيّر طريقة تعلم الطلاب، وتفرض علينا إعادة التفكير في طرق التدريس. يجب أن تركز التجارب الصفية على التفكير النقدي وحل المشكلات والفهم النظري، وهي مهارات لا يمكن للذكاء الاصطناعي تكرارها. فهل يعني ذلك أننا بحاجة إلى تغيير أساليب تفاعلنا مع الطلاب، حتى في مرحلة رياض الأطفال؟ الجواب هو نعم قاطعة.

“أليكسا، كم عدد الكواكب في نظامنا الشمسي؟”

“سيري، كم عدد أضلاع السداسي؟”

لا يمكننا أن نكتفي بجعل الطلاب يحفظون المعلومات عن ظهر قلب بعد الآن. فمع سهولة الوصول إلى المعلومات، يكمن التحدي الحقيقي في تعليمهم كيفية التفكير النقدي، وطرح الأسئلة ذات المغزى، وتطبيق معارفهم بطرق إبداعية. هذه المهارات هي التي ستجعلهم حلالي مشكلات أكفاء ومتعلّمين مدى الحياة قادرين على التكيّف مع عالم يتغير باستمرار.

في آخر اجتماع أولياء الأمور الذي حضرته، أثار أحد الآباء نقطة هامة حول كيفية تخطيطنا لإدارة الوصول اللامحدود إلى المعلومات الذي يتمتع به الطلاب الآن، وكيف سيتعامل المعلمون مع هذا التحول. وبعد طمأنة الجميع بأن معلمينا بارعون في توجيه الطلاب إلى الموارد المناسبة، وجدت نفسي أتساءل: كيف يمكننا نحن، كقادة، دعم المعلمين في طرح الأسئلة الصحيحة، الأسئلة التي تتجاوز ما يمكن للطلاب البحث عنه بسرعة عبر الإنترنت؟

6 مستويات لعملية التفكير

فكيف نجري هذا التحول؟ نقطة انطلاق جيدة هي “تصنيف بلوم” للأهداف التعليمية، وهو إطار نظري أو مفاهيمي للأهداف التعليمية. حيث يقسم عملية التفكير إلى ستة مستويات، بدءًا من استرجاع الحقائق الأساسية وصولًا إلى التفكير الإبداعي الأكثر تعقيدًا. وبدلًا من نظرنا إلى تصنيف بلوم على أنه هرم للتعلم، يمكننا تحويل منظورنا إلى نموذج دائري، مما يخلق انسيابية ومرونة عند الانتقال من مستوى إلى آخر. من خلال فهم هذه المستويات، يمكن للمعلمين تحديد أنواع الأسئلة التي تشجع الطلاب على التفاعل مع المادة بطريقة أكثر عمقًا.

شخص يحمل هاتفًا محمولًا بيد واحدة بينما يقرأ كتابًا مفتوحًا بيد أخرى، يظهر مشهد يجمع بين التكنولوجيا والقراءة.

بدلًا من التركيز على ما يمكن للطلاب البحث عنه بسهولة، ينبغي للمعلمين تشجيع التعلم الأعمق. وبدلًا من الاكتفاء بالمستويين الأساسيين في تصنيف بلوم وهما التذكر والفهم، يجب على المعلمين مساعدة الطلاب على الانتقال إلى المستويات الأعلى من التعلم: التطبيق، والتحليل، والتقييم، والابتكار.

الأسئلة التي تطلب من الطلاب استرجاع الحقائق أو شرح المفاهيم يسهل البحث عنها، لكن التعلم الحقيقي يحدث عندما يغوص الطلاب أعمق. الأمر يتعلق بدعوتهم للتفكير ما وراء السطح، وطرح سؤال “لماذا؟”، واتخاذ الأحكام، وابتكار أفكار جديدة. من خلال التركيز على هذه المهارات العليا في التفكير، يساعد المعلمون الطلاب على بناء مهارات التفكير النقدي والإبداع وحل المشكلات التي تتجاوز الحفظ عن ظهر قلب بكثير.

من المهم أن نتذكر أنه ليس كل سؤال يمكن جعله محصنًا تمامًا من بحث جوجل، وهذا أمر طبيعي تمامًا. لكن يمكن للمعلمين أن يكونوا مبدعين في أسئلتهم، مستعينين بتصنيف بلوم كدليل. قد تكون نقطة البداية الجيدة هي سؤال بسيط لليوم، ثم الانتقال تدريجيًا إلى أسئلة أعمق مع تقدم الدرس. وخاصة في المجالات التي يشعر فيها المعلمون براحة أكبر، يساعد هذا النهج الطلاب على التفكير النقدي وتجاوز الأساسيات.

التفكير النقدي حل المشكلات وربط الأفكار

على سبيل المثال، في مادة العلوم، بدلًا من سؤال “لماذا يبدو لون الشمس أصفر؟”، يمكن للمعلمين أن يسألوا “ماذا سيحدث إذا كانت الشمس بلون مختلف؟” هذا يدعو الطلاب للتفكير بما يتجاوز الحقائق فقط واستكشاف إمكانات مختلفة.

في مادة القراءة، بدلًا من مطالبة الطلاب بوصف شخصية ببساطة، قد يسأل المعلم “إذا استطعت دعوة ثلاثة شخصيات من كتاب إلى حفلة، من ستختار، وما نوع الحفلة التي ستقيمها؟” هذا السؤال يشجع الطلاب على الإبداع مع التفكير النقدي حول الشخصيات وسماتها.

فصل دراسي مليء بالطلاب يجلسون على طاولات، مع معلمة تتحدث إليهم. الطلاب مشغولون بالكتابة والرسم، ويبدو عليهم الاهتمام. يضم المشهد تنوعًا في الطلاب.

خلال ملاحظة للمعلم قبل أيام، شاهدتُ صفًا في الصف الثالث ينخرط في درس حول النقود، وتحديدًا كيفية جمع وطرح الكسور العشرية عند شراء السلع. وبعد الانتهاء من الجزء الرياضي، طرح المعلم سؤالًا يثير التفكير: “ماذا سيحدث إذا حظرت الحكومة العملات المعدنية ولم نتمكن من استخدام سوى الأوراق النقدية من فئة الدولار؟” لم يعد الطلاب يمارسون الحساب فحسب، بل كانوا يفكرون نقديًا، يحلون المشكلات، ويربطون الأفكار.

رفع أحد الطلاب يده وقال: “قد تخسر الشركات المال، وهذا قد يضر بالاقتصاد.” كان هذا النوع من الأسئلة الذي لا يمكنك طرحه ببساطة على خوارزمية، السؤال الذي يُشعل التفكير الحقيقي. ولم يتردد الطلاب في الانخراط فيه. وكان واضحًا أن المعلم يحرز تقدمًا نحو هدفه في تحسين نوعية الأسئلة المطروحة.

إن طرح الأسئلة التي يصعب الإجابة عليها ليس أمرًا يتقنه المعلمون بين عشية وضحاها، بل يتطلب ممارسة مستمرة. سيحتاجون إلى تجربة أنواع مختلفة من الأسئلة والتفكّر في الأكثر فاعلية لطلابهم. ولكن مع مرور الوقت، ومع ممارستهم لطرح الأسئلة الأعمق، سيصبحون أفضل في تشجيع الطلاب على التفاعل الجاد مع المادة. مثل أي مهارة أخرى، كلما عمل المعلمون على ذلك أكثر، أصبح الشعور به أكثر طبيعية.


بقلم كيم ماكويليامز — مدرِّبة تعليمية في مدرسة “رمبام داي” في ميامي. وأستاذة مشاركة في كلية التربية وتنمية الإنسان بجامعة ميامي.