لماذا أصبحت العلاقات الأسرية هشة رغم كل هذi التسهيل في الحياة؟

هي تقول: “!إذا كنت أنا من تقوم بكل شيء في البيت، فما حاجتي إليه؟ فقط ليأمر وينهى؟

وهو يقول: !أشعر أن وجودي وعدمه واحد بالنسبة لهم …من المستحيل أن يغُيّروا أي شيء في نمط حياتهم من أجلي”

أما هم فيقولون : “!لماذا أتزوج؟ أنا مرتاح وأعيش حياتي …لماذا أجلب وجع الرأس لنفسي؟”

ما زلت أذكر تلك اللحظات الجميلة حين كان والدي يعود من سوق الخضار، وهو يحمل أكياس الخضروات والفواكه بكل فخر  واعتزاز، لأنه وجد “صفقة جميلة”.

كان يستعرض ما اشترى أمام والدتي، يشرح لها جودة الخضار ونضارة الفاكهة . كنت أرى في عينيه سعادة عميقة لا تشتريها . كل أسواق الدنيا، وأذكر كيف كانت والدتي تحرص على كتابة قائمة حاجيات الأسبوع على ورقة صغيرة، كي لا يضطر والدي للذهاب إلى السوق أكثر من مرة.

كان ذلك شكلاً من أشكال التعاون الصامت، والاحترام غير المعلن، الذي يشكلّ نسيجًا من الحب والتقدير العميق، وفي فترة العصر، كانت هناك ساعة صامتة، رغم وجود الجميع في المنزل لكن الأصوات تطُفأ احترامًا لراحة والدي بعد يوم شاق وطويل.

أيام بسيطة، ولكنها محفورة في الذاكرة، لأنها زُرعت فيها قيم عظيمة :التقدير، الشعور بالآخر، الرحمة، إدارة الرغبات، والصبر.

ماذا تغيّّر اليوم ؟

عوضا عن قائمة المشتريات الأسبوعية، هناك سلة المشتريات اليومية أو حتى النصف يومية، التي تمُلأ عبر التطبيقات، وتصل إلى باب المنزل خلال أقل من ساعة.

نعم، صارت الحياة أسهل، أسرع، أكثر رفاهية …ولكن في المقابل، بدأت العلاقات داخل الأسرة تفقد عمقها ودفئها، الزوجة تشتكي من غياب الأمان، ومن عدم تحمّل الزوج للمسؤولية داخل المنزل.

والزوج يشتكي من الشعور بعدم التقدير، وغياب الاحترام الذي يتوق إليه من أسرته، اختفت من المشهد صفات عظيمة: التغافل، الرحمة، الحِلم، الألفة …وحلتّ محلها لغة “الحقوق والواجبات”، والندية الباردة، .والتنافس غير المعلن.

بدأ كلٌّ من الزوجين يعيش حالة “محاسبة” مستمرة، بدل أن يعيشوا “مُعاشرة بالمعروف”، كما أمرنا الله سبحانه وتعالى، حيث إن “المعروف” مقصدٌ أساسي من مقاصد البناء الأسري، جاء في قوله تعالى: { فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسان } (البقرة : 229) . المعروف لا يعني فقط أداء الواجب، بل يشمل اللين في القول، والرقة في الفعل، والرحمة في الموقف.

وعندما يغيب هذا المقصد، تغيب البساطة، وتضيع التفاصيل الصغيرة، وتجفّ العواطف في زحمة التطبيقات والطلبات والتوقعات والحقوق والواجبات وتحقيق الذات المتمركز حول الفرد ورامياً بعرض الحائط الاسرة والاحتياجات التي ستساعد في بنائها ويظن البعض بأن .

الحل في المثالية؟ كلا. بناء العلاقة لا يحتاج إلى مثالية … بل إلى إنسانية اللحظات الصغيرة، مثل قضاء حاجة من المنزل، أو الحديث عن تفاصيل اليوم، أو كلمة تقدير عابرة، لها أثر عظيم في تعزيز الارتباط وبناء الأمان العاطفي.

والزوجة، عندما ترى مشاركة زوجها في تفاصيل الحياة اليومية، تشعر بأن ه يهتم، وأنها ليست وحدها وحين تثُني عليه وتشكره، يشعر هو بقيمته، ويرغب في أن يعطي أكثر.

هي دائرة إيجابية تبدأ من أبسط العادات لكن للأسف، حين زهد أفراد الأسرة ببعضهم، وتعاظمت “الأنا”، وبدأت تتردد كلمات مثل :  

  • “أنا أختار اللي يريحني، ليش أطلب وأتعب نفسي؟”
  • دخلنا في مرحلة من الجمود العاطفي والفتور الإنساني.

عناصر المرونة الأسرية

تشير الدراسات النفسية المعاصرة إلى أن المرونة الأسرية من أهم مكونات القوة النفسية، والصحة العاطفية وتعُرّف المرونة بأنها :القدرة على التكيّّف مع ضغوط الحياة دون أن تنهار العلاقة أو ينهار الفرد.

ولتحقيق هذه المرونة، هناك عناصر أساسية نحتاج أن نحُييها في بيوتنا :

  1. التغافل :القدرة على تجاوز الزلات الصغيرة دون تضخيم، لأن السلام أحياناً أثمن من الانتصار.
  2. الرحمة :أن نضع أنفسنا مكان من نحب، ونمدّ  لهم يد اللين، لا سيف المحاسبة.
  3. الانسجام :الاتفاق على القيم العامة وتقدير الاختلاف، فنلتقي بنقاط تفاهم حقيقية.
  4. التفاهم :الاستماع بصدق، لا لإثبات الخطأ، بل لفهم الاحتياج الكامن خلف السلوك.
  5. الحِلم :ضبط النفس عند الانفعال، وتأجيل الرد حتى لا تقُال كلمة تجرح ولا تنُسى.
  6. الأناة :الصبر في بناء العلاقة، وتفهّم أن التغيير العميق لا يحدث بين ليلة وضحاها.

هذه العناصر، حين تمُارَس يومياً، تعُيد الدفء إلى البيوت، وتصُلح ما فسد من العلاقات

خاتمة

في كل مرة نختار أن نغفر، أن نصبر، أن نُقدّر، نحن لا نُربّي فقط أبناءنا، بل نُربّي علاقتنا، ونبني بيتاً يسكنه السلام لا “.الصراع …فالعائلة لا تبُنى بالكلمات الكبيرة، بل بالقلوب التي تحتمل وتحتضن.