زلازل جنوب تركيا وشمال سوريا، خلّف حتى تاريخ كتابة هذا المقال أكثر من 40 ألف قتيل، والتوقعات تشير إلى ارتفاع العدد مع انتشال المزيد من تحت الأنقاض. رحمهم الله وغفر لهم، وشفى جريحهم وثبت قلوب من بقي منهم، وعوضهم الله خيراً مما فقدوا وخسروا من أحباب وأملاك..
ما حدث هو نوع من الكوارث التي تحدث على الأرض لظروف بيئية ومناخية متنوعة، وبعضها ربما للإنسان بعض الدور في حدوثها عبر مخالفة قوانين وسنن وضعها الله لتسير الحياة بآلية معينة، وأي مخالفة أو معاكسة لتلك القوانين، فلا شك أن النتائج كارثية، والأمثلة أكثر مما يمكن حصرها ها هنا، وإن كان هذا ليس محور حديثنا اليوم، وإنما بضع نقاط تفرض نفسها حين يأتي الحديث عن الكوارث الطبيعية.
من تلك النقاط ما تردد بُعيد وقوع الزلازل في تركيا وسوريا من مزاعم تقول بأن ما حدث هو غضب من الله، وأن هذه الكوارث جزء من العقاب الإلهي الدنيوي قبل الأخروي ! وهذا دون شك كلام غير دقيق بل لا يمكن قبوله، ويحتاج إلى كثير أدلة وشواهد، خاصة إن جئنا نقارنها بما وقع للأولين من الأقوام البائدة الذين ذكرهم الله في القرآن.
الزلازل وعلامات يوم القيامة
نحن المسلمين ربما من أكثر الشعوب التي تتطرق في أحاديثها وتحليلاتها لمثل هذه الكوارث، ونحاول إلصاقها بمسائل الغضب أو العقوبة الإلهية. ربما هي كذلك فعلاً، ولكن مع ذلك لا يمكن القبول به. لماذا؟ لأنه لا نملك أدلة على ذلك، فليس بيننا وبين الله نبي يوحى إليه من السماء حتى يخبرنا بذلك، كما كان مع النبي صالح وهود ولوط وغيرهم من الأنبياء الكرام. ولا ندري كذلك ماذا جرى أو يجرى في الغيب قبيل وقوع الكوارث حتى نقرر بأن ما وقع مثلاً في تركيا وسوريا أو غيرهما من بلدان وأقطار، أنه غضب إلهي.
إن كل ما لدينا من أدلة شرعية تفيد بأن كثرة الزلازل هي من علامات الساعة الصغرى، نؤمن بها ونستعيذ بالله من شرورها ونسأله العفو والعافية، وأنها كذلك مدعاة للبشر إلى ضرورة العودة إلى فطرتهم التي فطرهم الله عليها، واتباع منهج الله في هذه الحياة مع التوبة والإنابة المستمرة وكثرة الاستغفار. أما أن نقرر أن كارثة هنا أو هناك هي غضب إلهي، فهذا أمر يجب الحذر منه وعدم التعمق فيه، حتى لا تثير تلك الأمور الشكوك في العقائد واليقينيات.
الأقوام البائدة القديمة أخذهم الله بكوارث طبيعية وعرفنا أسباب ذلك من القرآن. لكن ما يحدث اليوم من كوارث هنا وهناك، لا يمكن القول بذلك لأنه أمر غيبي لا نعلمه. فإذا جئنا مثلاً لقياس الكوارث في زمننا بما وقعت في الزمن القديم، فلن نصل إلى نتيجة صحيحة. فكيف يمكنك تفسير وقوع زلازل وأعاصير وكوارث في مناطق يوحد أهلها الله، ولا يشركون به شيئا. فيما تجد في مواقع أخرى كثيرة حول العالم، الشرك والظلم والفساد، وبدرجة أعمق وأكثر انتشاراً مما كان عليه القدماء البائدون، أو حتى البشر المعاصرين، ولكن مع ذلك أمورهم وحياتهم هادئة لا تصيبهم تلك الكوارث؟
هذه نقطة أولى.
الحياة لا استقرار فيها
نقطة ثانية يجب الإشارة إليها حين الحديث عن مثل هذه الكوارث الطبيعية، تتلخص في أن عدم الاستقرار هي طبيعة هذه الحياة، وأنها متغيرة لا تثبت على حال وقرار، ولا يثبت بالتالي من عليها من أحياء وجمادات على حال واحدة أيضاً.
لنأخذ المثال الذي نتحدث عنه، وهو زلازل تركيا وسوريا.. فبالأمس القريب، كان السوريون – فرّج الله عن كربتهم – لاجئون إلى تركيا بعد أن تهدمت بيوتهم وضاعت بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة، وكان الاحتضان والدعم والمساندة لهم من الأتراك ولسنوات عدة، حتى إذا ما وقع الزلزال فجر الإثنين الماضي، تحول حال آلاف من الأتراك بين ليلة وضحاها، إلى وضع لا يختلف عن السوريين.
صار الداعم والمحتضن والمساند، هو من يبحث عن دعم واحتضان ومساندة، في إشارة إلى أن أي أحد منا قد يتغير وضعه بين عشية وضحاها. ربما من الأفضل للأسوأ، أو العكس. فهكذا هي طبيعة الحياة الدنيا، وبالتالي لا يجب أن نشمت أو نعيب على أحد في حاله وشكله وحياته، بل بدلاً من ذلك، نسأل الله العفو والعافية في الدنيا قبل الآخرة.
إن الأعاصير والزلازل والفيضانات وغيرها من الكوارث، هي تغييرات طبيعية تتأثر بالمناخ وظروف جغرافية وجيولوجية متعددة، وتحدث وفقاً لسنن وقوانين التغيير على هذه الأرض التي قد يكون أو لا يكون للإنسان دور فيها. وهي ربما تكون فعلاً رسائل إلهية للبشر، من أجل زيادة الحرص والانتباه إلى أهمية مسألة حفظ نعمة الحياة على الأرض.
خلاصة الحديث
إن خلاصة ما أريد الوصول إليه، ألا تكون نظرتنا إلى الأحداث والوقائع ضيقة محدودة، بل نريدها واسعة شاملة. نفسرها بشكل منطقي سليم مقبول، ولا نقوم بتفسيرها بحسب أمزجة وأهواء بشرية، ونقوم في سبيل ذلك بلي أعناق الآيات والأحاديث ليّاً وقسراً، حتى تتوافق مع ما نريد من تفسيرات لوقائع وأحداث تقع في حياتنا بشكل يومي هنا هناك..
سائلاً الله – عز وجل – في الختام أن يحفظنا بحفظه ويرعانا برعايته.