من هو الشيخ محمد شارف الملياني؟
تعرّف الشيخ محمد شارف الملياني على عدة مشايخ أخذ عنهم العلم والفقه، وظل على هذه الحالة حتى انضم إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فكان حريصا أشد الحرص على حضور الدروس التي كان يلقيها أعضاء الجمعية في نادي الترقي مثل الشيخ عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي، والطيب العقبي.
تولى الشيخ محمد شارف العديد من المناصب من بينها الإمام السابق للجامع الكبير بالعاصمة ورئيس المجلس العلمي لولاية الجزائر. كما كان عضوا في لجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية في الستينيات، وعضو في اللجنة العلمية لنظارة الشؤون الدينية في الجزائر العاصمة، وعين في الثمانينيات رئيسا للجنة الفتوى التابعة لنظارة الشؤون الدينية في الجزائر. كما شارك في عدة حصص تلفزيونية وإذاعية للإجابة على استفتاءات المواطنين. ولم يتوقف الشيخ عن الإجابة على استفاتاءات الناس في الجامع الكبير، وفي بيته، وحيثما حل أو ارتحل.
مولده ونسبه و نشأته العلمية
هو محمد شارف بن عبد القادر بن الحاج بن عبد القادر بن الحاج المدني، يتصل نسبه بالحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما زوج فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ثبت عند الشيخ صحة نسبه الذي يمتدّ إلى بيت النبوة بوثيقة يحتفظ بها تشتمل على توقيع 25 من المسنِّين المزَكِّين من طرف قاضي الجزائر العاصمة، واضعين عليها خطوط أيديهم مختومة بختم القاضي، يشهدون كلهم بصحة هذا النسب.
ولد الشيخ محمد شارف حوالي سنة:1325هـ/ 1908م، في مدينة مليانة، ولاية “عين الدفلى” (شمال وسط الجزائر). حفظ القرآن الكريم، ولم يتجاوز عمره 12 سنة، تلقى مبادئ علوم اللغة والفقه بمسقط رأسه مليانة، وببعض المناطق القريبة منها، ثم انتقل إلى الجزائر العاصمة فواصل تحصيله العلمي، حيث تعرف هناك على مشايخ نُجُب، أخذ عنهم ما كانت نفسه تصبو إليه من كمال، لتوفر عوامل النبوغ فيه، من استعداد فطري، وملكة في التحصيل والفهم السليم، وجوّ علمي في عائلته، وحرص شديد على الطلب، كل هذه العوامل تهيّأت للشيخ، ساعفتها صقل المشايخ لهذه المواهب، فنتج عن هذا الامتزاج، ثمرة اسمها الشيخ شارف.
كان الشيخ في مرحلة التحصيل كثيرا ما يختلي بنفسه ليكرر ما أخذه عن شيوخه، وربما استرسل في مسائل أخرى لم يذكرها شيوخه في مجالسهم، فكان لا يكتفي بما يأخذه عنهم من فنون، بل كان يطرق أبوابا وعلوما أخرى قراءة من الكتب المتوفرة لديه، وهكذا كان دأبه في طلب العلم وطريقته في تحصيله.
عائلته وعنايته بالعلم
أسرة الشيخ مشهورة ومعروفة باسم “الحوامد” نسبة إلى جدهم سيدي حامد الشارف، تقطن مدينة “مليانة” الواقعة بين “ثنية الحد” و”قصر البخاري”، وكانت هذه العائلة المتوسطة الحال في الرزق، معروفة بالتديُّن، فوالده وجده الأول والثاني، كلهم من حجاج بيت الله العتيق، ومن حفظة كتابه الكريم، مشاركة في العلم، وحريصة على تحصيله وتبليغه، فهذا جده الحاج المدني كان شديد العناية بالفقه، حريص على تحصيله، منهوم باقتناء الكتب ونسخها، ووالده الحاج عبد القادر، عنه حفظ وعليه ختم الشيخ القرآن الكريم، وأخذ بعض مبادئ الفقه و اللغة، وعم أبيه الشيخ ابن سهادة الذي اشتهر بالفقه والعلم، يعد أيضا من أساتذة الشيخ محمد شارف، وهو صاحب زاوية علمية في تلك المنطقة، وأخواله أيضا كانوا مهتمين بالعلم مشاركين فيه.
شيوخه بالعشرات
تلقى الشيخ محمد شارف العلم عن عدد كبير من الشيوخ منهم من ينتمي إلى بلدته، ومنهم من ينتمي إلى بلدات أخرى:
1 ـ والده الحاج عبد القادر بن الحاج المدني: الذي كان من حفظة القرآن الكريم، وله مشاركة في بعض فنون العلم كالفقه والنحو، وهو الذي لقن ولده محمد شارف كتاب الله، إذ قرأ عليه الختمة الأولى بطريقة المحمول، التي تعرف بـ: الشّاقة، وقد بدأ حفظ القرآن في حدود السابعة أو الثامنة من عمره، وأتمّ حفظه ولم يتجاوز بعد 12 سنة، وتوفي والده حوالي سنة:1337هـ/ 1920م، أثناء تلقينه الختمة الثانية لكتاب الله تعالى.
2 ـ الشيخ الحاج ابن سهادة: وهو عم أبيه الذي كانت له زاوية لتحفيظ القرآن، وعليه قرأ الشيخ الختمة الثانية لكتاب الله تعالى.
3 ـ الشيخ احسين بلحاج بوغرقة: قرأ عليه الختمة الثالثة لكتاب الله تعالى، حيث انتقل الشيخ إلى فحص رُقَّالة، دائرة مليانة، كما أخذ عنه شرح صغرى السنوسي، وختمها على يديه، وحضر أيضا دروسه النحوية في شرح المقدمة الآجرومية، وكان ذلك من سنة 1925م إلى سنة 1932م.
بعدها انتقل الشيخ محمد شارف إلى مدينة “مليانة”، فتلقى العلم عن:
4 ـ الشيخ مَحمد وكَّال المعسكري الأزهري: خريج جامعة الأزهر، غادر مصر بسبب اضطرابات سببها الاستعمار الإنجليزي وقتئذ فاضطر الشيخ إلى الرجوع إلى بلدته ووطنه، حيث استقر بمدينة مليانة، وانتصب للتدريس، وشغل منصب مفتي المسجد الجامع في مليانة.
ختم عليه متن الآجرومية، ثم ختمة من مختصر خليل المالكي.
5 ـ الشيخ بن عودة: كان يشغل وظيفة الإمام المدرس في المسجد الجامع في مليانة، وقد وصفه الشيخ محمد شارف بأنه كان فقيها، وأفادنا أنه حضر دروسه في شرح مختصر خليل.
6 ـ الشيخ عبد القادر مساعدية: وهو أيضا من فقهاء مدينة مليانة، وكانت له مجالس علمية حضر الشيخ بعضها.
انتقل بعدها إلى الجزائر العاصمة، في سنة 1932م فأخذ العلم عن:
7 ـ الشيخ عبد الله الدراجي( ت: 1938م): كان موظفا في الحضور، وهي وظيفة سرد البخاري مرة كل سنة في المسجد، لازم الشيخ دروسه من سنة 1934 إلى سنة 1937م، وعنه أخذ الخلاصة الألفية لابن مالك كاملة في مسجد سيدي امحمد الشريف بالقصبة، كما حضر دروسه الفقهية وخاصة شرح الرسالة لابن أبي زيد القيرواني.
8 ـ الشيخ نور الدين عبد القادر البسكري: خريج المدرسة الثعالبية بالعاصمة، حضر عليه دروسه في النحو، والصرف، والمنطق، والعروض، وكتب الأدب والتاريخ، كمقدمة ابن خلدون، وذلك من سنة 1932م إلى سنة 1937م، فأجازه الشيخ بشهادة ما تزال في حوزته.
ومن بين الكتب التي كان يعتمدها هذا الشيخ: متن ابن عاشر في الفقه، قطر الندى لابن هشام في النحو، النحو الواضح وبعض الكتب العصرية في علوم اللغة الأخرى، وشرح المعلقات للزوزني، ومقدمة ابن خلدون، وتاريخ الجزائر لعثمان الكعاك، وكتاب إيساغوجي في المنطق…
9 ـ الشيخ بن دالي محمود المعروف بالشيخ كحول: الإمام الأوَل بالجامع الأعظم في الجزائر العاصمة وقتئذٍ. حضر الشيخ محمد شارف دروسه في شرح متن القطر لابن هشام بطريقة الإملاء حفظا.
إلى جانب كل هذا، كان الشيخ حريصا على حضور الدروس الإصلاحية التي كان يلقيها أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في نادي الترقي، فحضر كثيرا من دروس الشيخ عبد الحميد بن باديس، ومحمد البشير الإبراهيمي، والطيب العقبي.
وقد أبدى الشيخ إعجابه الشديد بتلك الدروس، وطريقتها، ومواضيعها، وبلاغة أصحابها وفصاحتهم.
..وتلاميذه بالمئات
عدد تلاميذ الشيخ خلال رحلته التعليمية كثيرون جدا، قد يعدون بالمئات أو الآلاف، فقد كان يعلم الناس في كل مكان يحل فيه، وفي كل مكان يدعى إليه، ولم يكن يصبر على التعليم، وكان ذلك شغله الشاغل، حتى وصفه أحدهم بـ “المدمن على التعليم”، وللقارئ الكريم أن يتصور عدد تلاميذ رجل قضى نحوا من سبعين عاما في تعليم الناس وتوجيههم.
وهؤلاء هم بعض تلاميذه الذين تخصصوا في علوم الشريعة، حيث نال بعضهم الشهادات والدرجات العليا فيها ومنهم:
- الدكتور كمال بوزيدي: أستاذ الفقه والأصول، والقراءات والمواريث في كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، وهو أحد القائمَيْن على حصة فتاوى على الهواء التي يبثها التلفزيون الجزائري.
- الدكتور نور الدين عباسي: أستاذ الفقه والأصول في كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، ورئيس قسم الشريعة في الكلية نفسها.
- الدكتور محمد دراجي: أستاذ التفسير وعلومه في كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، ورئيس قسم اللغة والدراسات القرآنية الكلية نفسها.
- الدكتور عمار جيدل: أستاذ العقيدة والفكر الإسلامي، والفرق في كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، والرئيس السابق لقسم العقائد والأديان في الكلية ذاتها.
- الدكتور مبروك المصري: أستاذ الفقه والأصول في معهد الشريعة الإسلامية في ولاية أدرار، ومدير الدراسات في المعهد ذاته.
- الأستاذ الطاهر عامر: أستاذ القرآن وعلومه في كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، وصاحب كتاب التسهيل لمعرفة معاني وأدلة مختصر خليل.
- الشيخ مقران زقور: المرشد الديني، وهو مشتغل الآن بالرقية الشرعية والمداواة بالأعشاب.
- الأستاذ موسى إسماعيل: أستاذ الفقه والحديث في كلية العلوم الإسلاميةـ جامعة الجزائر، وصاحب مجموعة من المؤلفات في الفقه المالكي المعروض ببساطة وأدلة.
- الأستاذ محند أو يذير صايب: خريج المعهد الوطني العالي لأصول الدين، جامعة الجزائر، وهو الآن إطار في وزارة الشؤون الدينية.
- الأستاذ محمد إدير مشنان: أستاذ الفقه والأصول والمواريث في كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، وهو الذي نال شرف الاعتناء بهذه الفتاوى وتحقيقها وإخراجها.
- الأستاذ إلياس أيت سي العربي: الإمام الخطيب في مسجد ابن باديس، الجزائر العاصمة.
- الأستاذ زين الدين العربي، الإمام الخطيب في مسجد أبي فارس، الجزائر العاصمة.
صفاته وأخلاقه وعلاقته بأقرانه
كل من عاشر الشيخ وتعرّف عليه يستشف منه خصالا حميدة و أخلاقا كريمة، نجملها فيما يلي:
- الهمة العالية والشغف الكبير في تحصيل العلم وتبليغه.
- الذكاء والفطنة وسرعة البديهة.
- الحِلم والتواضع مع الزهد والورع الذي يذكرك بسلفنا الصالح، إضافة إلى الإخلاص وصدق السريرة ورقة القلب.
- السعي في قضاء حوائج الناس، فأحب العباد إلى الله أنفعهم لخلقه.
وتميّزت علاقة الشيخ بأقرانه وأترابه من أهل العلم بالتقدير المتبادل والثناء المتقارض، شأن أهل الفضل في تعاملهم، فكانت علاقته مع الشيخ أحمد حماني والشيخ علي المغربي والشيخ محمد بن عبد القادر رحو، والشيخ أحمد سحنون رحمهم الله تعالى، طيبة للغاية، و ربما شاوروه في بعض ما يرد عليهم من الأسئلة، وكان يجيبهم ويدلي لهم برأيه ويبين لهم ما عنده من علم في تلك المسائل.
وقد شارك مع الشيخ حماني في بعض الحصص التلفزيونية، كما أثنى عليه الشيخ حماني في اجتماع عام مع الأئمة، وشهد له بمقدرته الفقهية.
رحلاته وقصته مع الشيخ كشك
لقد أكرم الله عز وجل الشيخ فأدى مناسك الحج والعمرة، كما زار مصر مرتين، وفيها تحدّث طويلا مع الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله الذي التقى به عدة مرات،ومن خلال هذه اللقاءات والأحاديث، تعجب الشيخ كشك: كيف يستفتيه الناس من الجزائر، وفيهم رجل فقيه كالشيخ محمد شارف!.
هذا وكانت له رحلات في ولايات الوطن في مناسبات مختلفة، لعل من أبرزها زيارته للشيخ العالم الكبير محمد بلكبير رحمه الله تعالى، الذي وصفه الشيخ محمد شارف بأنه بحر زاخر، مبديا إعجابه بدروسه العلمية الفقهية التي كان يلقيها على طلبة زاويته العامرة.
وفي قصة أخرى، ذكر الشيخ محمد شارف حادثة طريفة وقعت له مع شيخه محمد وكال المعسكري الأزهري، ومفادها أن الشيخ محمد شارف كان يحضر دروس هذا الشيخ في شرح الأجرومية، مع طلبة أكبر منه سنا وأكثر منه تقدما في التحصيل، وفي أحد المجالس امتحن الشيخ تلامذته، إذ طلب منهم إعراب الجملة التالية: “الإعراب هو تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها غالبا”، فأخذ الطلبة الكبار في إعراب هذه الجملة، ولما وصلوا إلى كلمة “غالبا” أعربها بعضهم بأنها تمييز، والبعض الآخر بأنها حال، ولم يرتض الشيخ إجاباتهم، فتدخل محمد شارف وهو أصغر الطلبة سنا، وهو في بدايات دراسته لعلم النحو فاستأذن من الشيخ محاولا الإجابة، وأعرب تلك الكلمة بأنها منصوبة على نزع الخافض، وأن التقدير (في الغالب) ـ رغم أنه لم يدرس هذا الباب من قبل، ففرح شيخه بذلك وهنأه على إصابته.
الإمامة بلا وظيفة
جمع الشيخ محمد شارف بين نشاطي العلم والتعليم في آن واحد، فكان يحضر مجالس العلم عند شيوخه، ثم يكرر على بعض أقرانه، فكان تلميذا وأستاذ في الوقت نفسه. وكان الشيخ يحضر دروس الشيخ مَحمد وكال المعسكري الأزهري في شرح الأجرومية، مع طلبة يكبرونه سنا و تقدما في التحصيل.
في سنة 1936 تحصل الشيخ على رتبة الإمامة، بعد أن أجرى امتحانا كتابيا، ثم شفويا، ولم يتمكن من وظيفة الإمامة لعدم شغور المناصب. ومن جملة الأسباب التي منعت الشيخ من الالتحاق بوظيفة الإمامة، أن الاستعمار الفرنسي فرض التجنيد الإجباري أثناء الحرب العالمية الثانية، فوقع كثير من الشباب تحت الأسر الألماني بفرنسا، وكان حظ الشيخ أن وقع أسيرا معهم فأودع المحتشدات هناك، حيث بقي تحت الأسر من سنة 1939م إلى سنة 1944م، ثم تحت سلطة ومراقبة الاستعمار الفرنسي خلال سنة 1945م.
غير أن ذلك لم يُعـقْه من مواصلة نشاطه التعليمي، ففي هذا المحتشد التَفَّ حوله عدد هائل من المعتقلين بعد أن أدركوا مكانته العلمية، فكان يلقي عليهم دروسا في الفقه لعامة الناس، ودروسا في النحو لخصوص بعض الطلبة الراغبين في تعلم قواعد اللغة العربية، فكان من جملة الحاضرين أفراد من بلدان كثيرة كالجزائر، وتونس، والمغرب، والسنغال وبعض البلاد الإفريقية والآسيوية.
من أبرز نشاطاته في فترة الأسر:
- محافظته على قراءة القرآن الكريم في راتب يحافظ عليه، هو ومن كان معه، يختمون قراءة القرآن مرة كل شهر.
- تدريسه لمتن ابن عاشر المسمى بـ “المرشد المعين على الضروري من علوم الدين.”
- تدريسه لكتاب “المقدمات الممهدات” في الفقه المالكي لابن رشد الجد،
- عقده مجلسا لشرح متن الآجرومية في النحو.
وكان يحضر دروسه بعض من لا يفهم العربية، فاتخذ الشيخ من يترجم للناس دروسه إلى اللغة الفرنسية التي يفهمها أغلبهم، لأنهم كانوا تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي.
تضحيات من أجل العلم
عندما عاد الشيخ محمد شارف إلى الجزائر سنة 1945م، عُيِّن مؤذنا في الجامع الكبير في الجزائر العاصمة، ثم تمكن بعد ذلك من الحصول على وظيفة الإمامة في جامع سيدي رمضان في القصبة، وفي الجامع الكبير.
بعد الاستقلال أجرت وزارة الشؤون الدينية امتحانا للأئمة قصد تصنيفهم، وبموجب هذا الامتحان عيِّن في رتبة إمام خطيب، فشغل هذا المنصب وتنقل فيه عبر مختلف المساجد بالجزائر العاصمة، منها جامع كتشاوة، وجامع المدرسة في سيدي امحمد (بلوزداد)، وجامع أبي فارس في القصبة، إلى أن أحيل على التقاعد وهو يشغل نفس المنصب بالجامع الكبير سنة 1987م.
غالب اعتماد الشيخ في دروسه على متون العلم وشروحها، ومن الكتب التي درّسها الشيخ لطلبته وشرحها لهم، وهذه بعضها ـ على سبيل المثال لا الحصرـ:
شرح الدرر اللوامع لابن بري في روايتي ورش وقالون عن نافع، متن الخرّاز في رسم القرآن، البيقونية في مصطلح الحديث، متن السنوسية وشرحها، مختصر خليل، رسالة ابن أبي زيد القيرواني، متن ابن عاشر، المقدمة العزية للجماعة الأزهرية، والرحبية في المواريث، ورقات إمام الحرمين في الأصول، ومفتاح الوصول للشريف التلمساني، والمدخل لأصول الفقه المالكي للباجقني، والمقدمة الآجرومية، وقطر الندى، وشذور الذهب لابن هشام، والخلاصة الألفية لابن مالك، ولامية الأفعال له أيضا، والجوهر المكنون في الثلاثة الفنون للأخضري، وبعض كتب العروض، ومتن السلم للأخضري في المنطق، وكتاب إيساغوجي في المنطق أيضا، وغير ذلك من الكتب…
من عجائب تضحياته أنه باع منزله الواسع الرافه الذي كان يسكنه بأعالي بوزريعة ليشتري بدلا عنه منزل أضيق منه، كلُّ هذا ليتمكن للتفرغ لطلبته بمسجده بالعاصمة، وليقترب من مسجده.
قلّ أن يوجد كتاب في مكتبته العامرة، ولا يوجد عليه تعليقات للشيخ، فهو كثير المطالعة إلى درجة أن أثّر ذلك على بصره، فممّا يجهله الكثير من طلبته أن الشيخ لا يرى إلا بعين واحدة، ومع ذلك فهو لا يصرح بهذا ولا يشكو منه لأدبه ورقة طبعه.
ذكر الدكتور عمار الطالبي أن السبب المباشر الذي دفعه إلى تحقيق كتاب الجواهر الحسان في تفسير القرآن للإمام عبد الرحمن الثعالبي الجزائري، هو دعوة الشيخ محمد شارف إلى الاهتمام بهذا الكتاب، في أحد دروسه الجامعة بالجامع الكبير في العاصمة، فوقع ذلك في نفسه، وانشرح صدره لهذا العمل الجليل، فعزم على تحقيقه، فتم له ذلك بتوفيق من الله تعالى.
تكوين الرجال أهم من تأليف الكتب
لم يهتم الشيخ محمد شارف كثيرا بالتأليف كما اهتم بالتعليم، ولذلك قلّ إنتاجه في التأليف، فهو يرى أن تكوين الرجال أهم من تأليف الكتب، ومع ذلك فقد خطت يمينه جملة من المصنفات منها ما بقي محفوظا، ومنها ما ضاع منه لسبب أو لآخر، وهذا عرض لمصنفات الشيخ:
- الفتاوى: وتم نشره في دار البلاغ بتحقيق تلميذه محمد إدير مشنان.
- الأمانة وأنواعها: وهي رسالة لطيفة بيان في حقيقة الأمانة، وأنواعها، وقول أهل العلم فيها، كتبها الشيخ جوابا على سؤال ورد منها من أحد الطلبة الجزائريين، وطبعت في دار البلاغ بتحقيق محمد إدير مشنان.
- مناسك الحج والعمرة: وقد طبعت في دار الوعي بتحقيق د/محمد إدير مشنان.
- لغة القائل العربية العربية في القرآن: وهو إعادة لترتيب هذا كتاب لأبي عبيد القاسم بن سلام، كان مرتبا حسب السور، وأعاد الشيخ محمد شارف ترتيبه حسب القبائل.
- رسالة في السدل والقبض في الصلاة: وهي ما تزال مخطوطة.
- رسالة في القراءات القرآنية: وقد أعارها الشيخ لبعض الناس فضيّعها.
- مذكرات أسير: كتبه وهو في المعتقل، أثناء الحرب العالمية الثانية، وقد ضاع هذا الكتاب، ولا يدري الشيخ أين هو الآن!
- دروس مبادئ في الصرف العربي: وقد طبعت في مكتبة السلام للإنتاج الإعلامي.
- دروس في المنطق: وما يزال مخطوطا.
- خطبه المنبرية: التي كان يلقيها في الجامع الكبير وغيره، وقد سلّم الشيخ أغلب هذه الخطب إلى مصالح وزارة الشؤون الدينية، ولما نشرت الوزارة ديوان الخطب المنبرية، ضمنته كثيرا من خطب الشيخ.
توفي الشيخ الفقيه في 6 يناير 2011، عن عمر يناهز 103 سنوات بعدما أفنى ما يناهز الثمانين سنة في تخريج العلماء والرجال.