لو تأملنا في العديد من النصوص الشرعية لوجدنا الكثير من الحث على مساعدة العناصر الضعيفة في المجتمع ، ومن تلك النصوص قوله ﷺ : ” ابغوني الضعفاء، فإنما تُرزقون و تُنصرون بضعفائكم
وقوله : ” الساعي على الأرملة والمسكين ـ أي المعين لهما ـ كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار” ، وهذا العطف على الضعيف نابع من أن كثيراً من الناس يعيشون في ظروف صعبة لم يتسببوا فيها ، ولم يختاروها ، بل إنهم في بعض الأحيان قد يكونون ضحايا لأسرهم ومجتمعاتهم .
الفكرة التي أود تبليغها عبر هذه الرسالة هي أننا أصبحنا في السنوات الأخيرة أكثر عدوانية وأقل إنسانية ، ويتضح هذا من الاهتمام البالغ للإعلام بالمنجزات الاقتصادية الهائلة للشركات والأفراد ، كما أن أخبار نجوم المجتمع هي المسيطرة على الساحة ، وهذا ينافي النزعة الإنسانية التي عُرفت بها الحضارة الإسلامية العتيدة .
إنني أود أن أوضح أن مقياس تقدم أمتنا لا يتمحور حول الأقوياء وإنما حول الضعفاء ، لا تحدثني عن أعداد (الملياردريين) في البلد ، ولكن حدثني عن أعداد الذين يعيشون تحت خط الفقر ، لا تحدثني عن أعداد حملة درجة الدكتوراه ، ولكن حدثني عن أعداد الأميين ، لا تحدثني عن أعداد الذين يقضون إجازاتهم في أوروبا ، ولكن حدثني عن الذين لا يجدون عملا ً ، وإذا وجدوا لم ينالوا أجراً عادلاً على عملهم .
الحديث عن هذه الفئات المتعَبة لن يحل إشكالاتها ،ولذا فلا بد من إطلاق المشروعات والبرامج التي تخفف من معاناتهم ، وتساعدهم على تحسين أحوالهم . الأهم من هذا صدور تشريعات وقوانين تحدد الحد الأدنى للأجور تحقيقاً للعدل ومنعاً لاستغلال الفقراء ، ولا بد مع هذا وذاك من توسيع وتفعيل نظام تشريعات الضمان الاجتماعي ، حيث إن معظم الدول الإسلامية لا تعرف هذا النظام أصلاً ! إن البلاد ستكون محرومة من عطاءات ومساهمات كل أولئك الذي تم تهميشهم لسبب من الأسباب .
لا ينبغي أن يكون الهدف من مساعدة الفقراء ، والمحرومين هو بقاءُهم على قيد الحياة وإنما تحويلهم إلى عناصر قوية وفاعلة تقدم المساعدة لغيرها عوضاً عن انتظارها من الآخرين ، وهذا ليس بالصعب إذا قويت لدينا حاسة الرحمة وحاسة العدل.