إن مخاطر إدمان ألعاب الحاسوب من أكبر المشاكل التي تواجه العالم في هذا العصر. وقد إنتشرت بين الشباب كما تنتشر النار في الهشيم وصارت كالوباء العالمي الذي يصعب التخلص منه. وأثرت على كل مجالات الحياة لاسيما العلمية والعملة والأكاديمية وحتى الصحية. فصار معظم الشباب اليوم يمارس هذه الألعاب بشكل منتظم يومياً. ولا شك أن المتأمل لحال هؤلاء الشباب يشعر بخطورة هذه الألعاب وما تجره عليهم من ضرر كبير.

وأكبر الضرر فيها هو ضياع الوقت. فمن يبدأ بممارسة هذه الألعاب يجد نفسه منجذباً إليها بصور كبيرة حتى أن ممارستها تصير إدماناً له تماماً كإدمان المخدرات. وتجد المراهق يلعب لمدة أربع أو خمس ساعات متواصلة دون توقف. فيكون ذلك على حساب دينه وتعليمه وحتى صحته. فلا يتوقف للصلاة، ولا لمذاكرة دروسه ولا حتى لراحته وأكله وشربه. فيتدنى تحصيله الأكاديمي بعدم حل واجباته وتعهد دروسه، ويبدأ يتكاسل عن الذهاب للمسجد شيئاً فشيء، ثم ينتهي به الأمر إلى تأخير الصلاة والتكاسل عنها وتركها بالكلية. فتضيع أجمل سنين عمره أمام الشاشات ليل نهار، حتى يضعف بصره ويصير ظهره محدودب من كثرة الجلوس للعب.

هذا غير أن هذه الألعاب مملوءة بالمناظر المخلة والرسائل السلبية التي تُرسل لتخزن في العقل الباطن. ومنها مناظر العنف والعرى والظلم والفاحشة وغيرها من المنكرات. وربما هذا هو السبب في زيادة معدل الجرائم والعنف بين المراهقين والشباب في العقود الأخيرة، وهو الوقت الذي ظهرت وانتشرت فيه هذه الألعاب. وربما ظهور ضرب النار في المدارس من قبل المراهقين ناتج منها أيضاً. وانتشرت الفاحشة وتمادت الفتيات والنساء في التعري والخلاعة وصرن يلهثن وراء الجنس بصورة بشعة. وظهرت ظاهرت المراهقات الحوامل، حتى تجد فتيات مراهقات في سن الثالثة عشر حوامل من الزنا ولا يجدن من يعولهم ولا يعول أطفالهم.

ولا شك أن لألعاب الكمبيوتر دور في الترويج للجنس السفاح بين المراهقين؛ وذلك من خلال الصور الفاضحة وتبيين بطولة الفتاة التي تحظى بحبيب أو بالأحرى التي تحظى بالنوم مع شاب دون زواج. فتفرح وكأنها كسبت العالم بأن ذلك الشاب جامعها في الحرام. وكذلك تجد من مظاهر البطولة في كثير من الألعاب هو قتل أكبر عدد من المقاتلين ونحوه، وكأن سفك الدماء أصبح شيء جميل يتبختر بها القاتل. واصبح القتل امر عادي عند الناس كبارهم وصغارهم وظهر القتل الجماعي العشوائي دون سبب وجيه سوى إدمان هذه الألعاب وتأثيرها على عقولهم الباطنة.

وتكمن خطورة هذه الألعاب في سهولة إدمانها برغم من كل ما تحتويه من جهد وضغوط؛ وذلك لأنها مسلية بالطبع. والمشكلة أنها ليست تسلية بريئة كالرياضة وكرة القدم وممارسة الهوايات النافعة؛ بل تتخللها خطوات الشيطان ودعوته للفجور خطوة بخطوة. ولذا تجد الصغار سرعان ما يقعون فريسة لإدمانها لكل ما بها من ألوان وإثارة. فيصيروا بين يوم وليلة مدمنين كمدمنين الكحول والمخدرات. والأخطر في الأمر هو عدم شعور الناس بخطورتها، ولذا تجد كثير من الآباء والأمهات لا يعتبرونها شيء سيئ، وحتى بعضهم تجده يشجع الطفل عليها ظنا منه أنها ستنمي ذكاءه وقدراته البطولية. وهي بالفعل ستنمي قدراته ولكن ليس البطولية بل الإجرامية. حيث يجلس الطفل لساعات يحاول قتل الخصم ويتعرض للمشاهد الفاضحة ويمضي في طريقه باللعب متجاهلا تلك الأمور وكأنها أشياء بريئة. فيصير عنده الخير والشر سيان، ويصير القتل والوحشية والإباحية أمور طبيعية لديه.

وتمضي الأيام وترسل لمخه هذه الرسائل وتتكرر يومياً حتى تصير اخلاقاً مغروسة فيه منذ الصغر. فيكبر ويخرج للدنيا مجرماً ومغتصباً كامل التدريب وجاهز للقيام بالأعمال الإجرامية ومتعطشاً لها، وذلك لأنه تربى على أنها أعمال بطولية ونجاح. ويكون هذا برعاية الوالدين الذين اشتروا له الجوال والبلي ستيشن والكمبيوتر. وهذا بالطبع لجهل منهم بما يدور في هذه الألعاب من شرور أو استهانة منهم بمدى خطورتها. فتتم بذلك المهزلة الخبيثة التي خططت لها الماسونية وأعوانها لتدمير الجيل الجديد.

وقد لوحظ أن تلك الألعاب تعزل الطفل عن محيطه اجتماعياً. فتجد الطفل منطوياً على نفسه وبعيداً عمن حوله وليس له أصدقاء ولا اجتماعيات. وكل من يتعامل معهم هم مجرد أسماء في الشاشة تقوم بما يقوم به من اللعب. ولذا تجده يتصرف بغرابة وشيء من عدم الأدب والخبرة مع الضيوف والأغراب، وكأنه مريض بالتوحد أو متلازمة الاسبرجر؛ فلا يعرف التصرف بما يليق وما يتماشى مع عادات الناس وتقاليد المجتمع. وأحيانا كثيرة يكون جاف المعاملة ولا يعرف كيف يجامل الناس ويتصرف معهم بلطف. ولذا فإن به خلل اجتماعي وثقافي وأدبي. وأما مع أهله وأسرته فيكون تعامله عادة به من عدم الأدب والتكبُّر ما به، وبعضهم يتصرف بأنانية وافتراء ويظلم اخوانه في البيت، ولا يحترم والديه أو خيلانه. فيصير طفل بلا أدب ولا ينفع فيه نصح ولا يستطيع والديه إصلاحه وتصحيح الوضع.

وهذا غير المضار الصحية التي تصيب المدمنين، حيث انتهى معظمهم بلبس النظارات لضعف نظرهم من جراء التعرض للشاشات لأوقات طويلة؛ مما يتسبب فيما يعرف “بمتلازمة رؤية الكمبيوتر (CVS)، والتي تصيب من 40-90% ممن يعملون على الكمبيوتر”[1]؛ وذلك لتعرض العين للأشعة الزرقاء لفترات طويلة. وأثبتت الدراسات إلى “أن التعرض للضوء الأزرق لفترات طويلة يمكن أن يتسبب في التدمير التدريجي للخلايا الشبكية في العين، مما قد ينتج عنه الضمور البقعي المرتبط بالتقدم في العمر، والذي يعد واحداً من الأسباب الرئيسية للعمى”[2]. هذا غير الأضرار الأخرى التي قد تحدث مثل “إعتام عدسة العين، والأورام خبيثة في العين، وجفاف الأعين، وتشوش الرؤيا، وإدماع العين، وآلام في الرأس والرقبة والكتف”[3].

والجلوس على الكمبيوتر لأوقات طويلة يسبب آلام الرقبة وتقوس الظهر حتى يصير محدودب؛ فيتغير شكل المراهق حتى يصير كأنه عجور ومجهد وأكبر من سنه. وهذا يسبب إجهادا له وعدم تركيز فلا يستطيع بعدها حل واجباته المدرسية ولا الذهاب للمسجد. بل تجد كثير من مدمني الألعاب لا يقومون حتى للصلاة ولا يتذكرون القرآن ولا يعلموا عن دينهم إلا القليل. وليس ذلك بمستغرب حيث كيف لهم أن يتعلموا بينما يقضون معظم أوقاتهم في اللعب واللهو على شاشات الكمبيوتر. بينما تعلم القرآن والعلوم الشرعية يتطلب مجهود ووقت طويل. فينتج جيل لا يعرف من دينه إلا القليل ولا هم له سوى اللعب.

وكذلك يتدنى المستوى الأكاديمي لهم، حيث يصرفون أوقاتهم هدرا في اللعب، ويقل التركيز لديهم بصورة كبيرة، ويكونون مجهدين بعد الجلوس على الكمبيوتر لساعات طويلة؛ مما يجعلهم مجهدين جسدياً وفكرياً من كل تلك الألعاب. ويفقدون الاهتمام بدروسهم، بل وحتى بأي شيء في الحياة سوى ألعابهم والفوز فيها والاستزادة منها. ويرسبون في الامتحانات الواحد تلو الآخر والسنة بعد السنة. وحتى إن نجحوا فيكون عادة نتيجة الغش واستعمال الذكاء الاصطناعي والبحث في قوقل والجي بي تي ونحوه. فينتج من ذلك جيل جاهل لا يكاد يعرف أساسيات الحياة. وينتهوا بتدني تحصيلهم ومعظمهم لا يستطيع دخول الجامعات والحصول على درجات علمية. فتقل بذلك فرصهم في العمل والوظائف. وينتهي كثيرا منهم إلى البطالة والتشرد.

هذا غير غلاء الأجهزة التي تناسب اللعب، حيث تتطلب عادة كمبيوتر بسرعة عالية وكرت جرافيكس قوي ووحدة المعالجة المركزية متقدمة وسريعة. أو أجهزة موبايل سريعة ومكلفة. وهذا فيه إسراف وضياع للمال فيما لا ينفع؛ حيث يكفي الطالب لأداء دروسه كراس وقلم أو جهاز بسيط ذو سرعة متوسطة وغير مكلف مثل تلك الأجهزة لأداء دروسه. فتنفق المئات بل الألوف من الدولارات في الألعاب بينما المسلمون يتضورون جوعاً وتنزل على رؤوسهم الغارات ولا يحركون لهم ساكنا أو ينفقون قرشا لإنقاذهم.

كل هذا بالإضافة إلى إرتكاب المعاصي وجمع الكثير من الذنوب يوميا نتيجة للغفلة والتلهي عن الصلاة والنظر للحرام واستماع الموسيقى التي تصاحب تلك الألعاب. وهذا غير ما يتخذن في عقول اللاعبين من مشاهد مخلة والتعود على رؤية الحرام والتشجيع عليه مثل السرقة والنهب والقتل والفاحشة وغيرها. فتبعد المدمن عن الله شيء فشي، وتغرقه في المعاصي؛ فيتغطى قلبه بالذنوب التي يجنيها يوميا. كما أنها تعيشه في حلم بعيدا عن الواقع وغير مشابه له. حلم مملوء باللهو والألوان والموسيقى والسعادة الوهمية. فتخدعه ويظن أنه ملك الدنيا بأسرها بينما هو في قمة الضياع ليس الديني فحسب بل الدنيوي أيضا. حيث تجده متأخرا عن أقرانه في الدراسة وقليل التركيز والفهم ومتدني في تحصيله الدراسي.

وأما عن الإباحية في ألعاب الحاسوب والبلي ستشن (PlayStation) فحدث ولا حرج. فقد احتوت ألعاب كثيرة على مناظر إباحية ومشاهد تعري بدون سبب. ومثال ذلك ألعاب الـ(GTA 5) وهناك الكثير من العاب البلي ستيشن تتجاوز المعقول في الإباحية مثل لعبة (Michigan) ولعبة (Playboy: The Mansion) ولعبة (Leisure Suit Larry)”[4] وغيرهم. ونرى ذلك بوضوح في ألعاب المراهقين؛ وهم الفئة الأكثر استهدافاً ليتم إفسادهم وتدميرهم وإيقاد نيران الشهوة فيهم قبل أن يصلوا حتى سن البلوغ. فينتج جيل من الزناة والزانيات وأطفال الزنا، يسكنون الشوارع ولا عمل لهم ولا تعليم ولا مستقبل؛ بل ضياع وفقر وجهل مركب. وذلك بعد أن يكونوا قد قضوا أهم سنين حياتهم في اللعب بدلاً من العلم والتحصيل وحفظ القرآن وإعمار المساجد. فيخسروا بذلك دينهم ودنياهم. وتخسر الفتيات شرفهن ويصرن أمهات قبل أن يخرجن من سن الطفولة حتى. وتضيع الأسر وينتهي أمر المسلمين في وسط كل هذه الأجواء، فتسرق أراضيهم وتنهب أموالهم وتغتصب بناتهم وتنزل عليهم ثياب الذل والبهدلة والخسران.

ومن المؤسف أن هذه الألعاب مصنوعة لفئة المراهقين ورغم ذلك تجد شباب المسلمين في العشرينات والثلاثينات مدمنون عليها ويصرفون فيها أوقاتهم الثمينة. وهذا كله مخطط له مسبقاً من قبل أعداء الإسلام والإنسانية، وقد نجحوا بالفعل في تحقيقه. وبهذا استطاعوا إضعاف المسلمين واحتلال بلادهم وسرقة وثراتهم من بترول وذهب وخامات طبيعية وأراضي خصبة. ونرى هذا عند التأمل في حال أكثر بلاد المسلمين اليوم.

والطفل أو المراهق منذ أن يبدأ اللعب يتأثر ويحاول أهله منعه أو إيقافه من اللعب ولكن دون جدوى. حيث تسوء أخلاق الطفل ولا يعد يسمع لأم ولا أب ولا يعد يهتم بدروسه ولا صلاته ولا أصحابه ولا نفسه وصحته ولا الدنيا برمتها. وهذا هو الذي يريده من صنع هذه الألعاب حتى يدمر الناس عامة والمسلمين خاصة. وأكبر دليل على أن الأمر مخطط له هو وجود العشرات بل المئات من هذه الألعاب مبذول فيها جهد كبير وذات جودة عالية، ومع ذلك معظمها مجانية. فما الذي سيكسبه المطور أو الشركة من إنتاج مثل هذه الألعاب؟ إن هذا في حد ذاته مريب ويزيد من شك الإنسان فيها وفي صحة ما يقال بأن هذه الألعاب مدبرة للناس لإضعافهم وتسهيل السيطرة عليهم.

ونحن كمسلمين علينا مواجهة هذا الخطر الذي يحدق بأبنائنا وبناتنا ومن ثم شعوبنا من أثر هذه الألعاب، والبحث في السبل الممكنة. وأول الخطوات وأهمها هي توعية الآباء والأمهات بمدى خطورة هذه الألعاب وما تفعله بأبنائهم، ونشر مقالات ودروس وكروت دعوية ونصائح في مواقع التواصل وبرامج الإذاعة والتلفاز وقنوات اليوتيوب عن هذا الموضوع. وربما إيصاله للناس بطرق سهلة كالمنشورات المطبوعة يجد رواج ونتيجة أكبر لاسيما في القرى والأحياء المتفرقة. ويمكن للمبرمجين عمل ألعاب تعليمية مسلية للأطفال وخالية من أي منكرات لتكون بديلا للأطفال والمراهقين، فيستفيدوا منها في التعليم والمتعة وتقضية أوقات الفراغ. وتصرفهم عن الألعاب السيئة التي تأتيهم من الخارج. وينبغي تحديد أوقات لعبهم بوقت محدود، وعدم إعطاء الأطفال جوالات أو تأخير هذا الأمر بقدر المستطاع.

وإن أعطوا المراهقين والطلبة جوالات لحاجة التواصل بهم فيمكن الاكتفاء بالهواتف العادية وتجنب الهواتف الذكية والسريعة التي يمكن استعمالها في هذه الألعاب. فكل الهواتف البسيطة تكفي لاستقبال المكالمات والرسائل النصية. وكذلك شغل الأطفال والمراهقين على ممارسة الهوايات النافعة التي تجلب لهم السرور والفائدة، مثل الرياضة والألعاب البريئة ككرة القدم والكرة الطائرة والتنس والكاراتيه والجمباز والسباحة والفروسية وغيرها. ويمكن شغل الفتيات بتعلم شيء من الفنون المباحة كرسم المناظر الطبيعية والرسم على الزجاج والنحت وغيره. كما يمكن تعلم فنون الطبخ والخياطة والتطريز والتريكو وعمل الحلويات والأشغال اليدوية والتدبير المنزلي وغيرها من الهوايات التي تفيد البنت في مستقبلها وتسليها وتشغل وقت فراغها.

وهذا بالطبع إلى جانب إشراكهم في دور تحفيظ القرآن والسنة وتعلم العلوم الشرعية في المعاهد والمساجد ودور القرآن وغيرها. وكذلك على الأهل التقرب من أبنائهم والتحدث إليهم. وأخص بذلك الأم أكثر، حيث هي من لديها الوقت لتجلس مع أبنائها وبناتها وتتحدث إليهم بتودد وتتقرب إليهم حتى لا يشعروا بالملل والوحدة. وكذلك الأب يكون قريبا من أبنائه وبناته، وأكرر بناته حيث البنت تحتاج محبة والدها والتعلق به. وكثير من الفتيات يدخلن في علاقات مع الشباب لبعد ابائهم منهم. وكل ما كانت تحتاجه الواحدة منهن هو الاحساس بالحب والحنان والاهتمام من والدها لانشغاله. وإن لم تجده من أسرتها بحثت عنه بالخارج. فينبغي للأب التقرب من بناته حتى يحافظ عليهن ويحميهن من غش الشباب ومن الانغماس في تلك الألعاب وضياع الأوقات. ولا يعني ذلك إهمال الأبناء، فكلهم يحتاج هذا الاهتمام والرعاية من والديهما.

وختاماً اسأل الله تعالى أن يحفظ المسلمين ويحفظ ابناءهم وبناتهم من شرور هذه الألعاب ويحميهم من كل ما يُكاد لهم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.