اشتهر الحجاج بن يوسف الثقفي بالظلم، وكان مثالاً للطغيان والاستبداد، على رغم أنه كان سبباً في فتوحات وصلت للهند والصين ونشر الإسلام في تلك البقاع، وكان يجهز الحملة تلو الأخرى ويهتم بها، وامتاز بتكليف القادة الشجعان المبدعين أو الموهوبين لقيادة حملات الفتوح، فاختار قتيبة بن مسلم الباهلي لفتح بلاد آسيا الوسطى، وأرسل محمد بن القاسم الثقفي لفتح بلاد السند والهند، على رغم صغر سنه، ويمكن القول إن وصول الإسلام إلى بلاد الصين والهند وباكستان اليوم، كان الفضل لله ثم للحجاج.

لكن رغم كل تلك المآثر، كان مستبداً لا يتورع عن ظلم الآخرين والتعرض للصالحين، فقد قتل الأئمة والتابعين أمثال عبدالله بن الزبير وسعيد بن جبير وغيرهما، حتى أصابه مرض، ضيّقت عليه الأرض بما رحبت، وتمنى الموت على أن يستمر في آلامه، فشكا من حاله وما يعاني من شدة الألم إلى الحسن البصري، فقال له الحسن: قد كنتُ نهيتُك ألا تتعرّض إلى الصالحين فلججت. فقال له: يا حسن، لا أسألك أن تسأل الله أن يفرّج عنّي، ولكني أسألك أن تسأله أن يُعجِّل قبض روحي ولا يطيل عذابي.

لما قبض الله روح الحجاج وانتشر خبر هلاكه، فرح الناس وخرجوا للشوارع مستبشرين، وقيل إن الإمام طاووس بن كيسان، أحد كبار فقهاء التابعين تلا عند موت الحجاج (فقُطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)، فيما الحسن البصري كان يدعو عليه بالموت حتى تموت سُنّتُه، فلما مات فرح وسجد.

في حديث صحيح رواه البخاري، أنه مرّت على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جنازة فقال: مستريح ومستراح منه. قالوا يا رسول الله: مَن المستريح ومَن المستراح منه؟ قال: المستريح هو العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا، والمُستراح منه العبد الفاجر، يستريح منه العباد والدواب والشجر.

ويُذهب غيظ قلوبهم

فرح المؤمنون بهلاك رؤوس الكفر من صناديد قريش يوم بدر، وفرح الإمام أحمد بن حنبل بهلاك المأمون، وفرح أهل مصر بهلاك الولاة العبيدين وانتهاء الحكم الفاطمي في مصر، وقبل ذلك بكثير سجد أبوبكر الصديق – رضي الله عنه – حين سمع بمقتل مسيلمة الكذاب، والقصص في هذا الجانب أكثر من أن نحصيها.

إن قصص المستراح منهم عبر التاريخ كثيرة، ولا بأس إن قام أحد بتذكير الناس بها بين الحين والحين، خاصة عند هلاك ظالم ما، والذي ليس شرطاً أن يكون هذا الظالم رئيساً أو زعيماً، بل يمكن أن ينتشر الظلم عبر آخرين أقل درجة ومرتبة، وظلمهم ربما يصل لمستوى ظلم الولاة والحكام وأمثالهم، فقد يكون الظالم على شكل وزير، مدير، مفكر، كاتب، مثقف، إعلامي، سياسي، رجل أعمال، وغيرهم كثير، لكن تختلف درجة الظلم من شخص إلى آخر، والذي نتحدث عنه ها هنا أكثر من غيره هو ذاك الظالم الذي ينتشر ظلمه ويتسع، وقد تبقى سنّته الظالمة حتى بعد هلاكه، وهنا مكمن الخطر، بل هو ما يدفع إلى ضرورة التنبيه إليه والتحذير منه، وبالطبع قبل ذلك، إظهار الفرح بهلاكه.

إن هلاك ظالم ما، فيه سعادة بالغة لا يشعر بها سوى من اكتوى بنار ظلمه من قريب أو بعيد، سعادة لا يمكن وصفها والتعبير عنها إلا من ذاق الويلات والعذاب في حياة ذاك الظالم، بصورة مباشرة أم غير مباشرة، وليس في هذا أي غرابة، لأنها فطرة في الإنسان السوي، الذي يتألم للمظلوم، ويسعد بهلاك الظالم، (ويشف صدور قوم مؤمنين، ويُذهب غيظ قلوبهم).

هلاك الظالم بين الشماتة والفرح

قد يخلط البعض في مسألة هلاك الظالم، بين إظهار الفرح والشماتة، والحقيقة أنه لا شماتة في الموت،. لكن هناك خيطا رفيعا بين الشماتة والفرح في هذه المسألة، وأشير إلى نقطتين ها هنا. الأولى، أنه لا شيء في أن يفرح الناس بهلاك ظالم، لأن فرحهم يقوم على أساس أن هلاك الظالم هو انقطاع لشره وظلمه وسنّته، وليس لأن الله كتب عليه الموت، ذلك أن الموت يصيب كل شيء حي، ولا توجد استثناءات في هذه الحقيقة، والفرح بمَهلك أعداء الإسلام وأهل البدع المغلظة وأهل المُجاهرة بالفجور، أمر مشروع – كما يقول الشيخ محمد صالح المنجد – وهو مِن نِعم الله على عباده وعلى الشجر والدواب، بل إن أهل السنَّة ليفرحون بمرض أولئك وسجنهم وما يحل بهم من مصائب.

لا شيء إذن أن تُظهر فرحتك بهلاك ونفوق فاسق داعر يجاهر بنشر فسوقه، أو مجرم آثم كذاب لا يتورع عن نشر أكاذيبه، وزرع الفتن بين الناس عبر الوسائل المختلفة، لا شيء في أن تفرح بهلاك زعيم متجبر، أو ديكتاتور ظالم زرع الآلام والأذى بين الناس لمجرد اختلافهم معه في الرؤى والتوجهات.

إن من يفرح لهلاك أولئك الظلمة، ليس لأن الموت خطفهم. لا، إنما لأن الموت وضع حداً لجرائمهم وظلمهم وفسوقهم وإفسادهم حياة البلاد والعباد، وربما الشجر والدواب، والحديث الذي يستشهد به بعض أصحاب الورع البارد (اذكروا محاسن موتاكم) ليس بحديث، بل اعتبره الإمام البخاري أنه منكر الحديث.

النقطة الثانية في هذه المسألة، أنه حين هلاك ظالم فاسق فاجر، الأصل ألا يفرح الناس بذلك فحسب، بل أكثر من ذلك وهو الاستمرار في التذكير بمساوئه وظلمه، كي تظل عالقة بالأذهان، يحذر الناس الاقتداء بها مستقبلاً، أما محاولة تبييض صورته لسبب أو آخر، فليس من سنّة السلف الصالح في التعامل مع مسألة هلاك الظلمة والمجرمين.

إنه بالقدر الذي نبذل الجهد في تذكير الناس بمحاسن ومآثر الصالحين والأئمة العادلين بعد وفاتهم، والدعوة إلى الاقتداء بهم والسير على صراطهم المستقيم، فإنه بالمثل، يلزم كشف مساوئ الظلمة والمجرمين على اختلاف وظائفهم وأدوارهم في الحياة الدنيا، مع ضرورة فضح إجرامهم وألاعيبهم، والتحذير منها على الدوام، وتلكم خلاصة ما يمكن القول في موضوع اليوم.