كانت التجربة الأولى للبنوك الإسلامية في بطاقات الائتمان مع بطاقة الخصم، وفيها يكون إصدار البطاقة مشروطًا بفتح العميل لحساب مصرفي لدى البنك المصدر، ولا يسمح بأن ينخفض رصيد حسابه المذكور عن ذلك المبلغ، فهو أشبه ما يكون بضمان نقدي.
وكلما استخدم البطاقة يقوم المصدِر(البنك) بالسحب مباشرة من حسابه لسداد قيمة الفاتورة الواردة من التاجر، والواقع أن هذا النوع من البطاقات لا يعد من بطاقات الائتمان. ولا يعد من منتجات التمويل النقدي أو غيره.
عملة عالمية
ومع تزايد حجم التعامل بالبطاقات الائتمانية، وشدة الإقبال على التعامل بها، للدرجة التي أصبحت توصف بأنها عملة العالم المحلية….مع هذا الانتشار الواسع كان لا بد للبنوك الإسلامية أن تفكر في طرح البدائل الإسلامية التي تمكنها من إصدار بطاقات، لها ذات القدرة التمويلية للبطاقات التي تتعامل بها البنوك التقليدية، وتكون في الوقت ذاته متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية مع المحافظة على قدرتها على توليد أرباح لها، كما تكون عندها القدرة على السماح على تقسيط الدين الذي تمنحه لعملائها.
اقتراحات لأسلمة بطاقات الائتمان
وقُدّم لهذا الغرض عدة اقتراحات، تدور في ثلاثة مسارات:
المسار الأول: بطاقات تقسيط دون توسيط السلع.
وتُسمِّي بعضُ الدِّراسات هذا النوع من البطاقات بـ “بطاقة القرض الحسن، والرسوم المرتفعة”، أو “بطاقات الائتمان الإسلامية ذات الرسوم العالية.”
المسار الثاني: بطاقات تقسيط مع توسيط السلع. وهي نوعان :
النوع الأول : يكون توسيط السلعة فيه توسيطًا لاحقا، وتعرف بطاقات هذا النوع ب: “بطاقات التورق المصرفي اللاحق”، و”بطاقات قلب الدَّين”، و”بطاقات التورق اللاحق للمداينة”، و”بطاقات الائتمان المعتمدة على التورق المصرفي”.
النوع الثاني : يكون توسيط السلعة فيه توسيطًا سابقا، و تتمحور هذه الفكرة حول التوسيط السابق للسلعة، عكس المحاولة السابقة، التي كان يتم فيها التوسيط اللاحق، ففي هذه الفكرة يتم تمويل حامل البطاقة قبل أن يقوم باستخدام البطاقة، وعندئذ يصبح حامل البطاقة مالكا لهذا التمويل، فيفتح به حسابا في البنك، فإذا استخدم البطاقة كان مستخدما لرصيده، سحبا أو شراء لسلعة أو منتفعا بخدمة.
المسار الثالث: بطاقات تقسيط معتمدة على نظام عقد المشاركة.
وتتمثل هذه الفكرة في أن يدخل البنك شريكا مع التاجر أو مقدم الخدمة في البضاعة التي يطلبها حامل البطاقة، وتكون النسبة الأكبر للبنك، ويتشاركان الأدوار، فالتاجر يقدم البضائع والخدمات الفنية المتصلة بها، ويقوم البنك بمهمة إصدار البطاقة، والتحصيل ومتابعة السداد.
ومن ميزات هذه البطاقة أن البنك فيها لن يحتاج إلى القبض ولا الحيازة، فسوف يقوم شريكه التاجر بهذه المهام.
القدرة التمويلية لبطاقات الائتمان الإسلامية
تعد البطاقات الائتمانية، من المنتجات المصرفية، التي أثبتت قدرة عالية على التمويل النقدي؛ فمن خلالها يحصل العميل على النقود، كما يحصل على جميع منتجات وسلع وخدمات المحال التي تقبل التعامل بالبطاقة، مما يمنحه تمويلا مباشرا، يستطيع من خلاله أن يحصل على السلع والخدمات والنقود، فضلا عن أن العميل لا يشعر بحرج وهو يتعامل بها.
تعذر الأسلمة
غير أنه قد لوحظ أثناء إنشاء هذه البطاقات ما يلي:
1-أننا لم نستطع بناء بطاقة ائتمان على عقد السلم، ما يدل على أن المحاولات الأخرى ستكون أقرب إلى التعذر، كما أن استعصاء محاولات بناء هذه البطاقات على عقد السلم – أبرز عقود التمويل النقدي- لا شك أنه لا يخلو من دلالات مبدئية على عدم الترحيب بها.
2-أن من أفضل ما قدمه الباحثون من حلول شرعية عاد إلى التورق الفردي، الذي سيؤول إلى المنظم، وقد أفتى مجمع الفقه الإسلامي الدولي، والمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، أفتيا كلاهما بحرمة التورق المنظم.
3-أن أفضل ما قدمه الباحثون من حلول شرعية لتنقية هذه البطاقات من الربا، كان في ابتنائها على مشاركة البنك للمحال التي تقبل تقديم خدماتها وبضائعها من خلال هذه البطاقة، ومع أن هذه الفكرة لا تزال في طور التنظير، فإنها لا تسمح بالسحب النقدي، مما يقصر استخدامها على شراء السلع والحصول على خدمات المحال والجهات التي تقبل شراكة البنك لها من خلال هذه البطاقة، مما يثبت أن الشركة هي أنسب أساليب التمويل مصرفيا، وأن تعذر إتاحة بطاقة تمنح تمويلا نقديا ليس صدفة، ولا تقصيرا من الباحثين والعلماء، ولكنه أمر مراد من وضع العقود التمويلية في الشريعة الإسلامية على هذا النحو.
4- اتضح من هيكلة عمل بطاقات الائتمان أنها أوسع من غيرها في تلبية الحاجات التمويلية لطالبي التمويل غير النقدي، من حيث إنها تمكن حاملها من شراء السلع والخدمات؛ فيستطيع حامل البطاقة أن يحصل من خلالها على ما يحتاج إليه لمواجهة حاجاته المعيشية له ولأفراد أسرته من طعام وشراب ولباس ودواء ومسكن، وهذه مرونة ليست موجودة في بيع المرابحة التي تقصر البنوك الإسلامية العمل فيها في بضائع وسلع معينة لا تتعداها.
كما أن هذه المرونة ليست موجودة في السلم والاستصناع، حيث يختار البنك فيهما السلع ذات السيولة العالية، أو السلع التي يتقدم إلى شرائها من يُلزم نفسه بشرائها من البنك من خلال الوعد الملزم.
كما أن المضاربة والشركة لن تشمل حصة البنك فيهما الدواء والغذاء الذين يحتاجهما طالب التمويل.
5- بطاقات الائتمان التي تقدمها بطاقات البنوك الإسلامية عمليًّا، ترجع في مجملها إلى نوعي المسار الثاني، القائم على التورق. وهذه البنوك تقدم هذه البطاقات؛ لأنها تقدم معها التورق ذاته جنبا إلى جنب مع هذه البطاقات ، وهذا مرده إلى أن هيئات الرقابة الشرعية لهذه البنوك لا تحرم التورق في الأساس، بعضها لا يحرم التورق بنوعيه ( الفردي والمنظم)، وبعضها يكتفي بتحريم ( التورق المنظم) ويبيح ( التورق الفردي) . وإن كانت فتاوى المجامع الفقهية تحرم المنظم، وتبيح الفردي، إلا أن مستقبل هذا النوع من البطاقات سوف يؤدي إلى تحول التورق الفردي إلى التورق المنظم.