قبل معركة بدر كان الاستقرار قد بدأ يدب في المدينة، والنبي ﷺ يفضح المنافقين ومكاتبة قريش لهم، والإسلام يفشو والمسجد النبوي يضج حركة وحيوية. واليهود يتربصون، أضمروا العداوة للوافد الجديد على المدينة، لكنهم اختاروا معاهدته لحين ميسرة من ظرف يتيح حليفاً قوياً يضربون معه الوافد الجديد متنكرين لكل عهود ووصايا الأنبياء، القدامى في أرض المباركة التي أخرجتهم منها معاصيهم، وجريهم وراء الآلهة الأجنبية. شباك العنكبوت كلها تحاول الالتفاف حول الوافد الجديد لكن هيهات. نزل الإذن بالقتال. وعليه فالمبادرة مطلوبة لتحريك كل المفاصل، والضغط على قريش، وبدأت المناوشات.
لكن الموعد الفصل كان في طي الغيوب. لم يتوقع أحد الحسم بثلاثمائة وبضعة عشر رجلا مع عدة أفراس، وجمال، وزادهم التمر والماء.
كان المقصد الضغط على قريش في تجارتها بقطع الطريق الحجازي الشامي، وتجنب أبو سفيان قائد القافلة المستهدفة الصدام، وأرسل احتياطا رسولا منه لينذر القوم بالخطر… لكن سبق نذير أبي سفيان نذير آخر، فقد دوت صافرة الإنذار الأولى بقرب الحسم في جنبات الوادي الضيق عبر رؤيا عاتكة… تفتقت صخرة دفعها فارس ملأ مكة صياحا وهتافا بآل غدر للخروج إلى مصارعهم بعد ثلاث….
ملأت الرؤيا العباس قلقا على مصير قبيلته، فحدث بها أحد العقلاء القلائل، واستكتمه، لكن عتبة بن ربيعة المرعوب حدث بها أمية بن خلف، الذي نقلها لأبي جهل…
عند محطة أبي جهل تحولت الرؤيا لدعابة ضد بني عبد المطلب خصومه المزمنين بنبي وبغير نبي .. وسأل العباس: متى حدثت فيكم هذه النبية؟
وسارت مظاهرة نساء بني عبد المطلب للعباس يطالبنه بالرد على أبي جهل.. في اليوم الثالث أتى العباس ممتلئا غيظا ليرد على أبي جهل.. لكن كان هناك ما هو أهم من الرؤيا.. فحواها. جاء رسول أبي سفيان كتلة من الصراخ المدوي، لب كيان قريش في خطر، واجتمعت قريش عليه.. وانتدبت كل عائلة للخروج. ألف إلا قليلا من الرجال خرجوا، لكن الخوف حضر.. هناك ثأر قديم قد يتحرك في أي لحظة إن فرغت مكة.
لكن على إبليس أن يدفع القوم لهلكتهم، فتزيا بزي سراقة بن مالك، وطمأنهم بأنه سيحمي ظهورهم… من المؤكد أنه لن يحميها في جهنم. وفي المعسكر المقابل الاستعداد للحسم، يتم بطريقة مختلفة، شاور النبي ﷺ الأنصار فبيعتا العقبة لا تلزمان الأنصار بحرب خارج المدينة.
ولكن الأنصار سيحاربون في آخر المدى المنظور للعربي في ذلك الزمان، ولو كانوا في زمان بعده لكانوا متهيئين لمدى أبعد.
وحضرت الشورى مجددا، غير النبي ﷺ موضع المعسكر لأن الحباب بن المنذر أشار عليه بالتحرك للسيطرة على موارد الماء. ثم حضرت الشورى مجددا، ووضع للنبي ﷺ عريش يبقى فيه انتظارا لنتيجة المعركة.
في المقابل قاد أبو جهل الجمع برأيه، وأسكت كل الأصوات، صوت أبي سفيان القائل بالعودة حيث أرسل رسالة مفادها نجاته وعدم الحاجة للحرب، وأسكت حكيم بن حزام، وعتبة بن ربيعة.
والتحم الطرفان في معركة بدر وعلا الغبار، ونزلت الملائكة مثبتة للقلوب ضاربة وآسرة للمشركين. لا نجوت إن نجا…. صرخة دوت فيما الموت يلملم أذياله مكتفيا بمن ضمهم إلى حظيرته في هذا اليوم،لكن كان قد بقي قليلون…
لا نجوت إن نجا..
قتل بلال أمية رأس الكفر الذي أذاقه سوء العذاب، ولطالما سب وأساء.
دخلوا المدينة فرحين معهم سبعون أسيراً من كبار قريش. تاركين في القليب سبعين آخرين… قريش فقدت جيلاً كاملاً وسيتسلم جيل آخر القيادة.