إن عملية تدبر القرآن عملية اكتسابية مهارية كما أنها عملية وجدانية وعقلية أيضًا والمقصود بهذا الوصف أنها عملية تحتاج إلى تنشئةٍ عليها لذا نقدم هنا منهجية للطفولة الإسلامية وتمتد مناسبتها لما بعدها وتتواصل مع المنهجية المقدمة لاحقًا للراشدين وتتمثل تلك المنهجية المقترحة في برنامج تدبر أسماء السور القرآنية .
موضوعه الأساس هو أسماء السور والتدبر كمرحلة أولى للتدريب على تدبر القرآن جملة وإدراك مقاصده، ولعله يتناسب مع الناشئة كما يتناسب مع الكبار -أيضا- أما فكرته فتقوم على أساس الإحاطة باسم السورة معنى ومبنى وتاريخا ومعرفة ودلالة ذلك الاسم وأهميته في السورة التي عنون بها ومقاصده الحياتية، ودلالاته الاجتماعية والنفسية إن وجدت.. يشير إلى الإمام البقاعي الشافعي (توفى 885 هـ) إلى أن اسم السورة يدل على مقصودها ومضمونها “…كل اسم سورة مترجم عن مقصودها, لأن اسم كل شيء تلحظ بينه المناسبة وبين مسماه, عنوانه دال بالإجمال على تفصيل ما فيه…ومقصود كل سورة هاد إلى تناسبها” ( مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور, ج1, ص209)..وغير ذلك مما يمكن استقراءه فيما يتعلق باسم السورة, ولتسهيل هذه الطريقة نقترح برنامج ” حِزَمُ الهدى” في هذه المنهجية.
(أ) حِزَمُ الهدى يتناسب هذا البرنامج مع الناشئة من ( 5-12 عامًا), ويتطلب تصميمه أن يقوم المربي بإعداد (حِزَمُ الهدى) لمادته التربوية التي يقدمها للطفل أو الناشئ ونقصد (بحِزَمِ الهدى): تصنيف أسماء السور القرآنية إلى مجموعات متجانسة ومتشابهة يكون بينها رابط أساسي وعلى معيار واحد وثابت مثل:
– حزمة السور التي سميت باسم أسماء السور باسم بشر مثل ( آل عمران ,النساء, يونس, يوسف, هود, إبراهيم, مريم, طه, الأنبياء, المؤمنون, لقمان, يس, محمد, نوح, الإنسان, الناس).
حزمة السور التي سميت بأسماء (كائنات حية أو حشرات اجتماعية) ( البقرة, النمل, النحل, العاديات,,}
حزمة السور التي سميت التي سميت بأسماء ظواهر طبيعية وثروات مثل ( الرعد, الدخان, الذاريات, الحديد, التكوير, الانفطار, الانشقاق..,..,..)
حزمة السور التي سميت باسم بأسماء وحدات الزمن ( أيام -أوقات) مثل ( الجمعة, الفجر, الليل, الضحى, القدر, العصر, الفلق..).
حزمة السور التي سميت باسم ( الكواكب والنجوم) { النجم, القمر, الشمس, ,.. ,}
حزمة السور التي سميت باسم (الظواهر الطبيعية) { الانشقاق, التكوير, , التكاثر,..,…}
حزمة السور التي سميت باسم الأماكن { الطور, الروم, الكهف,…}
وهكذا يجتهد المربي في عملية تصنيف (حزم الهدى) تصنيفًا دقيقًا وشاملًا بحيث يسكن أسماء السور القرآنية ال(114) في حزم يطلق عليها ( حزم الهدى).
والخطوة الثانية في تصميم (حِزَمُ الهدى) أن يقوم المربي بالبحث عن خصائص كل حزمة ودلالتها المتشعبة حسب تلك الخصائص ( فيما يتعلق بأسماء السور) وعناصر الجمع أو معيار الجمع بينهم ( كل حزمة مع بعضها البعض) ثم بيان علاقات هذه الحزم (جميعها ) والروابط التي تربط بينها [ وهذا بالطبع يمكن أن يأخذ عشرات الحلقات المتتابعة مع مناسبة الأنشطة المقدمة ( والتي نعزم على إعطاء إشارات منها في هذا المقترح بإذن الله) لتكون عونًا للطفل في استقبال المعنى ورسوخه.
مثال (1) إدراك أوجه الشبه داخل الحزمة ذاتها (حزمة السور التي سميت باسم (إنسان) ( يمكن التطرق فيها إلى أسماء الرسل ولمن أرسلوا ( أقوامهم) ؟ وما أسماء أقوامهم؟ وما ترتيب ذلك البعث وتلك الرسالة؟ والاختلاف في العصور الزمنية بين هؤلاء الرسل.. ومكانة السيدة مريم بين الرسل ..بمعنى إدراك أوجه الشبه والاختلافات والعلاقات بين الحزمة ذاتها).
مثال(2) إدراك أوجه الشبه بين الحزم بعضها وبعض ( بمعنى ما الذي يربط الإنسان بالثروات بالكائنات الحية بالظواهر الطبيعية …, …,) وما أوجه الاختلاف بينهم, وما العلاقات المعيارية بينهم في ضوء النهج القرآني.
الغرض الأساس لهذه الخطوة -بناء/ تصميم (حزم الهدى) -هو تقديم القرآن للطفل بصورة كلية وشاملة ليتعود على التعامل الموضوعي و الاستقبال الكلي للقرآن عند الدخول في مرحلة النضج والرشد, وبذلك نتغلب على النظرة التفتيتية للقرآن التي فقدت الأمة معها مقاصد القرآن ومعانيه ومبانيه. كذلك مد الطفل بطرق للتفكير الوصفي والمقارن وممارسة إعمال العقل عند التعرض لآي القرآن.
(ب) مجالات تدبر أسماء السور القرآنية: نطرح هنا المستوى الثاني لبرنامج تدبر (أسماء السور القرآنية 5-12 عامًا) ..فبعد أن تم تقسيم أسماء السور إلى حِزَم حسب معيار محدد, في هذا المستوى نطرح مجالات التدبر لأسماء السور ( في كل حزمة على حدة) وذلك في ضوء عدة مجالات تتقاطع مع اسم كل سورة نستخرج منها في دليل المعلم ما يمكن استخراجه حسب كل اسم ومعطياته القرآنية والمجالية والدلالية ومجالات التدبر المقترحة هي: اللغة – المفاهيم- المعرفة – التصورات – السلوك – الجمال – القيم – الوجدان.
نحاول من خلال اسم كل سورة على حدة من ( سور حزمة الهدى) أن نستخرج مجالات التدبر الثمانية ( والتي يمكن أن نضيف إليها أو نحذف منها حسب كل اسم ومعطياته ودلالته).
بمعنى أن اسم السورة المفردة يكون موضوع التدبر لهذه المجالات الثمانية التي يمكن أن تزيد أو تنقص بحسب المعطيات والدلالات كما ذكرنا سابقًا كما أنها تتنوع في الطرح بحسب المستويات المتباينة داخل السن المقترح (5- 12) فتتدرج من البساطة إلى العمق ومن الجزئية إلى الكلية ومن المادية إلى التجرد.
مثال: سورة الضحى..
اللغة: وقت ارتفاع النهار وامتداده ، ،
المفاهيم: وحدة من وحدات الزمن (اليوم)..
المعرفة: والمعرفة هنا يمكن أن تتضمن ثلاثة جوانب هي معرفة علمية بطبيعة هذا الوقت وخصائصه بين أوقات النهار وهذا يتطلب حشد معلومات تتصل بطبيعة وقت الضحى وتأثيره على الإنسان والنبات في ضوء مناسبة المرحلة العمرية وتنوع المعلومات وتدرجها، وما يتصل بأفعال المسلم المستحبة فيه، وهذا يتطلب أيضًا حشد المعلومات بما يتصل بوقت الضحى في الأحاديث النبوية وتقديمها بما يناسب المرحلة العمرية .. الثالث: معرفة مناسبة النزول لسورة الضحى.
التصورات: نتوقع أن يتكون لدى الطفل – في ضوء مصاحبة مربٍ واعٍ- فكرة شاملة عن اسم ” الضحى” معرفة, وشرعًا.
السلوك: ( الحث على صلاة الضحى) ( العناية بالوقت الذي أقسم الله به) ,( الاهتمام بالقراءة العلمية عن هذا الوقت…., ….)
الجمال: استدعاء أو استحضار البعد الجمالي في لوحة فنية تعبر عن هذا الوقت أو حضور الطفل فيه في ذات الوقت نفسه ..أو أي أنشطة أخرى ترتبط بإبراز هذا البعد.
القيم: نتوقع أن يتكون لدى الطفل ( اهتمام بالوقت, والعناية بالأعمال المرتبطة به , …, ….)
الوجدان: يرتبط الطفل وجدانيًا بهذا الوقت في ضوء الحشد المعرفي والإيماني المناسب الذي تم في مجالات التدبر السابقة..
( هذا النموذج على سبيل المثال المختصر والذي يحتاج إلى جهد كبير من المرشد أو المربي الذي يقوم بعملية التفاعل والتدارس القرآني مع الأطفال في هذه السن الباكرة).