جاء كتاب (كيف نتعامل مع السنة) بناء على طلب من المعهد العالمي للفكر الإسلامي، في إطار جهود المعهد لخدمة التراث، وتنقية أسس البناء المعرفي للأمة الإسلامية مما يشوبه من الشوائب، ويعلق به من الران والقذى.
وكان المعهد قد استكتب الشيخ الغزالي فكتب له كتابا بنفس العنوان، إلا أن جرأة الشيخ فيه، وتقديمه لبعض الأمثلة التي لا تتفق مع أمزجة البعض دفع بكثيرين إلى حملة حادة ضده شغلت أغلب الناس عن مضامين الكتاب بالعناوين، وعن اللباب بالقشرة… مما دفع المعهد إلى استكتاب القرضاوي لكتاب جديد يتحاشى أخطاء السابق ويؤصل للسنة كمصدر للمعرفة.
بشكل مقتضب كان هذا سياق الكتاب الذي جاء فيه، أما عن مضامينه فقد توزع الكتاب على “تمهيد”، وثلاثة أبواب وخاتمة.
أولا: التمهيد
ففي ما سُمي تمهيدا جاء تقديم ومقدمة؛ فكان تقديم الكتاب من المعهد العالمي للفكر الإسلامي؛ تقديما مطولا ذكر فيه الدكتور طه جابر العلواني بعضا من أدوار السنة وخصائصها، كما ذكر السياق الذي جاء الكتاب فيه. وأما المقدمة فكانت للمؤلف لخص فيه بعض الأفكار المهمة عن السنة وعن دوافع اختيار الكتاب، وأسباب تأليفه.
ثانيا: الباب الأول
وأما الباب الأول فقد أسماه المؤلف: “منزلة السنة، وواجبنا نحوها وكيف نتعامل معها”، وقد بين فيه علاقة السنة بالكتاب، ومجالات اشتغالها، وأنها بعد الكتاب مباشرة، رافضا رأي من قدموها على الكتاب، ورأي من أخروها عنه كثيرا…
وأما عن واجب المسلمين تجاه السنة، فقد لخصه في معرفتها، وآليات تلك المعرفة، محذرا من ثلاثة عيوب قد تدخل على دارسي السنة، وهي: “تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين”.
وأما عن المبادئ الأساسية للتعامل مع السنة، فقد تحدث فيه عن:
ـ ضرورة التوثق من نقلها حتى لا يسقط بعضها أو تشاب بغيرها.
ـ أن يحسن فهم النص وفق قواعد اللغة العربية، وفي ضوء سبب وروده، وسياقه، وفي ضوء القرآن، والقواعد الكلية للشريعة، وفي إطار المبادئ العامة والمقاصد الكلية للشريعة (مع ضرورة التفريق بين التشريع والجبليات).
ـ التأكد من سلامة النص من معارض أقوى منه.
(وفي هذه النقطة ناقش عدة قضايا من بينها: “السنة التي يرجع إليها في التشريع والتوجيه” مبينا أنها السنة الصحيحة دون غيرها، موردا بعض الأمثلة المخالفة لهذا المنهج واصفا إياها بالشذوذ والغرابة. كما طرح فيه مبدأ: “رد الأحاديث الصحيحة كقبول الأحاديث الموضوعة” في كون كل من الاثنين تجنيا على السنة ونسبة لما ليس منها إليها. وفي هذا المجال رد بقوة على من ردوا السنة بالظنية، مبينا الفرق بين الظن “الذي بعضه إثم”، وغيره من الظنون التي هي جزء من الحقيقة. كما ناقش فيه من ردوا الأحاديث بسبب فهم خاطئ فهموه منها فردوها لذلك رغم أنها تحتمل أوجها أخرى. وعنون في هذا السياق “من المجازفة رد الحديث وإن أشكل”، [ولعله يستلهم في هذا فرب حامل فقه ليس بفقيه] لأن الإنسان قد لا يفهم الحديث، وتكون المشكلة منه لا من نص الحديث. وقد نسب لعائشة في هذا السياق ردها لحديث “دخلت امرأة النار في هرة حبستها” بما ظاهره أن عائشة ردت الحديث بالعقل، وكان هو قد صدر البحث في الأمر بأنها ردت بعض الأحاديث لظنها معارضتها لظاهر القرآن، لكن لم إيراد عائشة في سياق “المجازفة”)!.
أما الباب الثاني فقد خصصه “للسنة مصدرا للفقيه والداعية”.
وقد بين في الجزء المتعلق بالسنة مصدرا للفقه قال: “والذي لا نزاع فيه مصدرية السنة للتشريع في العبادات والمعاملات للفرد وللأسرة وللمجتمع وللدولة” [ص: 51].
مؤكدا على أن “جميع الفقهاء يحتكمون إلى السنة”، وعلى ضرورة الوصل بين الحديث والفقه”، من حيث ضرورة أخذ المحدث بمقدار من الفقه وأخذ الفقيه بمقدار من علوم الحديث، معطيا أمثلة للتقصير في هذا المجال جعلت بعض الفقهاء يعتمد على أحاديث في غاية الضعف أو الوضع أحيانا (قال: “بل قد يستدلون أحيانا بأحاديث لا خطم لها ولا أزمة مما يذكر في الكتب مما لا يعرف له أصل ولا سند” ص: 55 “بل يوجد في كتب الفقه الضعيف الشديد الضعف والموضوع وما لا أصل له بالمرة” ص: 59)، مبديا أمثلة ممن تصدوا لهذا الإشكال وصوبوه.
كما بدأ الجزء المتعلق بالسنة مصدرا للداعية بالإشارة إلى دور السنة في إرفاد الداعية بالزاد، وعلاقتها بالقرآن في هذا السياق، مبينا بعض أهم مصادر السنة في هذا المجال، منوها إلى المطبوع منها، مصدرا كتبها بالصحيحين، مشيرا إلى أن ما يرد عليهما من ملاحظات لا يتعدى الشكل، حيث تلقتهما الأمة بالقبول.
بعد ذلك أكد على ضرورة “التحري عند الاستشهاد بالحديث”، وحذر من الخلط بين الأحاديث الصحيحة والحسنة مع غيرها من ضعيف وواه وموضوع… قائلا: “وفي كتب التصوف والوعظ والرقائق كثير من هذا فليحذر منه قارئها، وكذلك في كتب التفسير وخصوصا ما يتعلق بفضائل السور وقصص الأنبياء والصالحين وأسباب النزول فلم يصح منها إلا القليل” [ص: 66]، كما نبه على “آفة كثير من الوعاظ”، وهي كونهم “حاطبو ليل”، بل تمنى لو طبقت فيهم فتوى الهيثمي فعزلوا عن الخطابة!. وبعد هذا عرض لـ: “تحقيق القول في رواية الحديث الضعيف في الترغيب والترهيب”، وقد ذكر فيه عدة منطلقات:
1 ـ “رفض بعض العلماء الحديث الضعيف ولو في الترغيب والترهيب”. [ص: 74]
2 ـ “عدم رعاية الشروط التي اشترطها الجمهور” في العمل بالضعيف كان الغالب على الناس.!![ص: 75].
3 ـ “منع الرواية بصيغة الجزم”[ص: 76].
4 ـ “في الصحيح والحسن ما يغني [ص: 77].
5 ـ “التحذير من اختلال النسب بين الأعمال” (تهويل الهين، أو تهوين الهائل) [ص: 77].
6 ـ “رواية الحديث الضعيف في فضائل الأعمال لا تعني إثبات حكم به”[ص: 78].
7 ـ “أن يشتمل على تهويلات يمجها العقل أو الشرع” [ص: 77].
8 ـ “أن لا تعارض دليلا شرعيا آخر أقوى منها”[ص: 83].
ثم أردف بضابط آخر، وهو:
“ما كل حديث صحيح تحدث به العامة”؛ وذلك للحديث: “ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة” ص: [85]. ليختم الباب بأمثلة موضحة.
ثالثا: الباب الثاني
وقد أسماه معالم وضوابط لحسن فهم السنة. وقد ذكر فيه ثمانية معالم:
أولها: “فهم السنة في ضوء القرآن الكريم“، [ص: 93] وعدم ردها بآحادها المحتملة، مع عدم التعجل في نفي معاني السنة المتواترة التي قد يعارضها ظاهر القرآن كما وقع للمعتزلة مع الشفاعة، فأنكروا ما توهموا أن القرآن نفاه، وردوا المتواتر من السنة.
ثانيها: “جمع الأحاديث الواردة في الموضوع الواحد”، [ص: 103] حتى لا نأخذ صورة سلبية غير دقيقة، وقد مثل لهذا بأحاديث جر الثوب وحكم ذلك الجر، كما مثل له بأحاديث ذم آلة الحرث، وأحاديث فضل الغرس.
ثالثها: “الجمع أوالترجيح بين مختلف الحديث”[ص: 113]، وقد أكد على أن الأصل عدم التعارض، وأن الجمع مقدم على الترجيح، وقدم أمثلة على التعارض كـ: “أحاديث العزل”، و”زيارة النساء القبور”، وختم الموضوع بموضوع النسخ في الحديث، مشيرا إلى قلة عدده –مقارنة بما عليه الأمر في القرآن- (وإن كان الأولى عنده العكس؛ أي زيادة عدد النسخ في السنة على عدد النسخ في القرآن) مؤكدا على ضرورة الاحتياط فيه، وعدم التعجل في الحكم به.
رابعها: “فهم الأحاديث في ضوء أسبابها وملابساتها ومقاصدها” [ص: 125]، قال: “فلابد من التفرقة بين ما هو عام وما هو خاص، وما هو مؤقت وما هو خالد، وما هو جزئي وما هو كلي، فلكل منها حكمه” [ص: 126]، وقدم أمثلة لدور السياق في تخصيص العام “أنتم أعلم بأمور دنياكم”، وتقييد المطلق: “أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين”، و “سفر المرأة بدون محرم”، وإطلاق المقيد: “الأئمة من قريش”، كما استفاض في الحديث عن ما تغير من النصوص لانبنائه على عرف قد تغير.
خامسها: “التفريق بين الوسيلة المتغيرة والهدف الثابت للحديث” [ص: 139]مثل له –باستفاضة- برؤية الهلال بالعين، وبالحساب الفلكي.
سادسها: “التفريق بين الحقيقة والمجاز في فهم الحديث”[ص: 155]، أكد فيه ضرورة العدول إلى المجاز عند وجود مبرر ذلك، كما في: “الخيط الأبيض”، و”أطولكن يدا”، محذرا من: “التوسع في التأويلات المجازية”، كما نبه على خطورة “التأويلات المرفوضة”، كتأويلات الباطنية التي “لا دليل عليها من العبارة ولا من السياق”..
سابعها: “التفريق بين الغيب والشهادة” [ص: 173]، بالتسليم بما جاء من أخبار عن صحيحة عن الله ورسوله، دون عرض ما لا يترتب عليه منها عمل على الناس، والاكتفاء في عرضه في مواطنه عند الاقتضاء، ولا يحل نفي شيء منه، ولا قياسه على الدنيا، إذ للدنيا قوانينها وللآخرة قوانينها.
ثامنها: “التأكد من مدلولات ألفاظ الحديث”[ص: 179]، وأكد فيه على خطورة الاغترار بالمسميات العصرية باعتبارها مقصود الشارع، وأورد ما نبه إليه الغزالي في الإحياء من تبدل أسامي العلوم، وما وقع في عصرنا من تسمية “التصوير الفوتوغرافي” “تصويرا” تمهيدا لإعطائه حكم التصوير المذموم، مع تسمية “التصوير” المنصوص على النهي عنه “نحتا”!!.
رابعا: خاتمة
في خاتمه ركز القرضاوي على مكانة السنة باعتباره المصدر الثاني بعد القرآن، مشيرا إلى أن الاهتمام الإسلامي بها لم يصل بعدُ ما تستحق، منوها إلى بعض الأعمال المفيدة في هذا الشأن؛
ـ حصر علم الرجال وما قيل فيهم
ـ حصر متون السنة بمختلف أسانيدها وطرقها.
ـ إعداد سلسلة علمية بالأحاديث الصحيحة والحسنة.
ـ تبويب هذه السلسلة تبويبا يخدم مختلف العلوم التي يمكن أن تستنبط من السنة.
ـ شرح السنة شروحا عصرية، خاصة كتابي الصحيحين. [ص: 183-185]