يعتبر المنتج الغذائي من موجبات الحياة واستقرارها على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والأمة، ولقد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من موجبات الأمن بجانب المسكن والعافية، ورمز إليه بالقوت، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا. ”

ورغم كل المقومات والموارد التي حبى الله تعالى بها البلاد العربية والإسلامية، إلا أن الوضع الغذائي؛ من حيث الكم؛ تتزايد الفجوة الغذائية؛ حيث تؤكد التقارير الاقتصادية أن فاتورة الغذاء المستورد تلتهم معظم الدخل العربي، ومن حيث الكيف؛كثير من المنتجات الغذائية لا تتطابق مع المواصفات العالمية والشرعية.

 

تتمثل المواصفات العامة الكلية الواجب توافرها في المنتج الغذائي حتى يكون مميزاً، في الآتي :

(1) المشروعية والطيبات:

يقصد بذلك أن يكون المنتج الغذائي إنتاجاً واستهلاكاً حلالاً طيباً مطابقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية. ويقصد بشرط الحلال الطيب ألا يكون ضمن السلع المحرمة شرعاً. يقول الله تبارك وتعالى: “قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق” (الأعراف: 33). وهذا شرط عام؛ ينبثق منه مجموعة من الشروط الفرعية؛ كما سوف يرد في البنود التالية:

(2)  تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية الخمس:

يجب أن يحقق المنتج الغذائي بطريق مباشر أو غير مباشر مقاصد الشريعة الإسلامية، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال.

(3) تحقيق النفع العام لأكبر قدر من المخلوقات:

أن يكون المنتج الغذائي نافعاً ومفيداً لأكبر فئة من المخلوقات من الإنس والطير والحيوان؛ وما في حكم ذلك وفق الأولويات الإسلامية.

(4) مراعاة الأولويات الإسلامية:

أن يساهم المنتج الغذائي في تأمين وكفاية احتياجات المجتمع من الضروريات والحاجيات؛ التي بدونها تكون الحياة ضنكاً وصعبة وشاقة.ويتفاوت المستوى المعتاد من الغذاء في المجتمعات الإسلامية حسب الحالة الاقتصادية للمجتمع الإسلامي. فإذا كان المجتمع الإسلامي متمتعاً بحالة من التقدم الاقتصادي؛ فإن المستوى المعتاد من الغذاء الطيب يرتفع إلى حد الحاجيات والتحسينات طالما توفر شرط الحلال الطيب اللازم لاستهلاك المجتمع، أما إذا كان المجتمع الإسلامي يعاني من شدة اقتصادية بسبب التخلف الاقتصادي؛ فإن المستوى الغذائي ينخفض إلى مستوى الضروريات الأساسية، وضمان استمرار تدفقها.

(5) تحقيق الاكتفاء الذاتي على مستوى الأمة:

يجب أن يساهم المنتج الغذائي المنشود في تحقيق الاكتفاء الذاتي لأقطار الأمة الإسلامية؛ لضمان حريتها وعزتها؛ وحتى لا تكون عالة على أعدائها.

(6)  تحقيق الاستغلال الرشيد للموارد الطبيعية المتاحة:

يجب أن يكون المنتج الغذائي ممن تتوافر له الموارد الطبيعية؛ وأن يكون إنتاجه رشيداً بما يحقق أعلى إنتاجية ممكنة وجودة عالية.

(7)  سد الفجوة الغذائية للطبقة الفقيرة:

إن ضمان تحقيق مستوى الضروريات الأساسية من المنتجات الغذائية لأفراد المجتمع يحقق شعور الفقراء بالأمان بضمان حصولهم على الضروريات الغذائية؛ وعدم تعرضهم للأمراض بسبب الجوع. ويجب أن يساهم المنتج الغذائي؛ خاصة الزراعي والحيواني والسمكي في سد الفجوة الغذائية على مستوى المجتمع وعلى مستوى الأمة الإسلامية؛ وذلك بالنسبة لطبقة الفقراء والمعوزين ممن هم دون حد الكفاية، مما يؤدي إلى الاستقرار الاجتماعي وتحسن مستويات الصحة العامة.

(8)  الجودة واستيفاء الشروط العالمية الصحية:

يجب الالتزام بشروط الجودة التي تضعها المؤسسات والمنظمات العالمية للغذاء والصحة؛ ولا يسبب ضرراً بالمخلوقات؛ وهذا من الدين؛ حيث أمرنا الله ورسوله بإتقان العمل وتحسينه.

(9)  المعاصرة في الإنتاج والاستفادة من تكنولوجيا التصنيع:

يجب استخدام الوسائل التقنية الحديثة المعاصرة؛ ما أمكن ذلك؛ في تصنيع المنتج الغذائي؛ حتى يتحقق مستوى الجودة العالمية المطلوبة، وهذا من الإسلام؛ فالكلمة الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها.  كما يجب أن تكون المنتجات الغذائية المصنعة الوطنية رائدة وذات سمعة طيبة.

(10) تجنب العناصر التي تسبب ضرراً بالمخلوقات:

يجب تجنب العناصر والمدخلات والأشياء والأساليب الإنتاجية التي تسبب ضرراً بالمخلوقات عند إنتاج المنتجات الغذائية، وإزالة هذا الضرر إن وجد.

(11)   حماية البيئة من التلوث:

يجب التركيز على المنتجات الغذائية التي لا تسبب تلوث في البيئة عند إنتاجها أو استهلاكها؛ واستخدام الأساليب والسبل بما يحقق التطهير. وفي سبيل ذلك؛ يجب ممارسة أساليب التصنيع الجيد.

(12)   المواءمة مع قيم وعادات المجتمع المعتبرة شرعاً:

يجب أن يتناسب المنتج الغذائي مع القيم والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع؛ ولا تتعارض مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، ويجب تجنب المنتجات الغذائية المستوردة من الدول الأجنبية؛ والتي فيها مساس بذلك، وذلك بهدف المحافظة على القيم والهوية؛ وتجنب المحاكاة والتقليد بدون مبرر شرعي.

(13) السلامة الفنية والشرعية للمنتج الغذائي المصنع:

يجب أن يتوافر في تصنيع المنتج الغذائي الشروط والضوابط الفنية والشرعية؛ من حيث عناصر المدخلات؛ مثل: الخامات ومستلزمات التصنيع الداخلة؛ وألا تتضمن أي عناصر منهي عنها شرعاً؛ لما تسببه من أضرار ومساساً بقيم وسلوكيات المجتمع الإسلامي.

(14)  سلامة التبيين:

يجب أن يتوافر في المنتجات الغذائية المعبأة (المغلفة) ضوابط التدوين والتوثيق؛ والتي تساعد في المتابعة والرقابة وتقويم الصلاحية؛ للاستخدام الصحيح وتجنب ما نفذت مدة صلاحيته.

(15)   سلامة حفظ الفائض الغذائي:

الأمن الغذائي لا يعني الاكتفاء، بل يمتد ليشمل مدى كفاية الناتج المحلي من الغذاء لتغطية احتياجات الدولة مستقبلاً، ولذلك يجب استخدام أساليب وسبل وطرق حفظ الفائض من المنتجات الغذائية لوقت الحاجة إليها؛ أو عند نقلها من قطر إلى قطر؛ ولا سيما المنتجات الزراعية والحيوانية، وتجنب إهدارها؛ لأن ذلك من المنهي عنه شرعاً، وأن تساهم المؤسسات الحكومية والمنظمات العالمية في تحقيق ذلك.

(16) المواءمة مع القوانين والتعميمات المحلية والعالمية:

تصدر بعض الدول قوانين تتعلق بالمنتجات الغذائية؛ من حيث الإنتاج والتداول والاستهلاك؛ بهدف الحماية الصحية والبيئية، وتأسيساً على ذلك؛ يجب أن يكون المنتج الغذائي متوافقاً مع تلك القوانين ولا يخالفها.

كما توجد بعض المنظمات العالمية؛ مثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)؛ ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) التي تضع بعض التعليمات والقرارات لحماية الأغذية والزراعة والتصنيع الغذائي؛ وتحقق الأمن والسلامة للغذاء، وتأسيسا على ذلك يجب أن يكون المنتج الغذائي متوافقاً مع ما يصدر عن تلك المنظمات.