نظمت وزارة الثقافة، هذا الأسبوع، ندوة بعنوان “الإسلام والحداثة” في قاعة ابن خلدون بجامعة قطر، وذلك ضمن موسم الندوات الذي تنظمه الوزارة في نسخته الثانية، بالتعاون مع جامعة قطر والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومكتبة قطر الوطنية.
تحدث خلال الندوة كل من الدكتور عبد الرحمن حللي أستاذ مشارك للدراسات القرآنية بجامعة قطر، والدكتور جوزيف لومبارد أستاذ مشارك للدراسات القرآنية بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة، وحضرها جمع من الأكاديميين والمثقفين وأدارتها الإعلامية إيمان الكعبي مدير المركز الإعلامي القطري.
وتناول المتحدثان في البداية مفهوم الحداثة والفرق بينها وبين التحديث، ثم مفهوم ما بعد الحداثة، وما هي شروط تحقق حداثة إسلامية معاصرة، ومتواصلة مع التراكم المعرفي والحضاري والفكري والثقافي الذي أنجزه المجددون لخطاب الحداثة ضمن الأفق الإسلامي المفتوح على المثاقفة، والتواصل، والاجتهاد.
حللي: تجاوز الجدل بين الحداثيين والإسلاميين
وقال الدكتور عبد الرحمن حللي: إن للحضارة الإسلامية خصوصيتها التي تنطلق من عالمية الدعوة الإسلامية، وانفتاحها على العالم في قوله تعالى: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، لافتا إلى وجود فارق بين الحداثة التي هي مذهب وبناء فلسفي، وبين التحديث الذي يعتمد على وسائل التطور والتكنولوجيا في حياتنا المادية.
وأوضح أن تعاليم الإسلام تتفوق في العطاء والتفاعل، مستدلاً بقوله تعالى: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير”، فالمسلمون في ضوء الرؤية الإسلامية أخذوا وأعطوا وتفاعلوا مع غيرهم.
وأضاف: علينا أن نعرف الفرق بين الحداثة كحركة تاريخية وبين الحداثة كمذهب كما يستوردها الحداثيون العرب، مشيراً إلى أهمية أن يكون الجدل الواقع في هذا الشأن نابعا من منظور معرفي، وأن تكون لدينا الرغبة في التغيير سواء على المستوى النظري والفكري أو على المستوى العملي.
وطالب الدكتور حللي بضرورة تجاوز الجدل العربي بين الحداثيين والإسلاميين لأنه جدل عقيم، وضرب الدكتور حللي مثالا بالإمام الغزالي عندما نقد الفلسفة في كتابه “تهافت الفلاسفة” بعد أن تمكن من دراستها دراسة عميقة، مؤكدا في الوقت ذاته ضرورة فك الارتباط الذي يدعي وجود مشكلة بين الدين والحداثة.
لومبارد: رسالة الإسلام الأولى هي الرحمة
ومن جانبه، أكد الدكتور جوزيف لومبارد على ضرورة التعبير عن أنفسنا دون الانسياق في مهاترات مع الثقافات المختلفة، وأن نساهم في صنع واقعنا الذي يتناغم مع ثقافتنا وديننا الإسلامي، الذي يأمرنا بأن نسلم أمرنا لله عز وجل، مع الأخذ في الاعتبار أن الحداثة يختلف مفهومها في الغرب عن الإسلام.
وقال إن مسؤولية المسلمين اليوم هي إيصال رسالة الإسلام الأولى وهي الرحمة، وجعلها ذات صلة وثيقة بالمعاصرة، في حياتنا، مشددا على ضرورة استثمار الموارد في عالمنا الإسلامي لصالح النهوض وتطبيق تعاليم الإسلام لصالح البشرية، مؤكدا أن ما أنجزه الفكر الإسلامي لصالح العالم كثير “لكننا بحاجة إلى روح الدين التي تعني النظر إلى مسؤوليتنا، وفي الوقت ذاته بناء المستقبل.
وأضاف أن مفهوم ما بعد الحداثة له أكثر من تعريف، حيث تطورت الحداثة في أوروبا وأخذت أشكالا مختلفة تبعا لظروفها اجتماعيا وسياسيا ودينيا، فقد ظهرت الحداثة وتطوراتها بدءا من عصر التنوير، في حين يختلف تاريخ الناس في العالم العربي كليا عن التاريخ الأوروبي، ما يستتبع معه اختلاف تلك الحداثة، وفي هذا السياق شدد على ضرورة أن تنبع حداثتنا من مفاهيمنا الدينية، والتي أوجب لها أن تنبع من ديننا ومن خلال مفكرينا.
جدير بالذكر أن موسم الندوات يتضمن 5 ندوات، ويعتبر منصة حية وفضاء رحباً لإبراز الثقافة الوطنية وإثرائها بالتفاعل مع الثقافات العالمية، فضلاً عن دوره الأساسي في تعزيز الحوار بين المفكرين وأجيال المثقفين حول قضايا محورية تهم قطاعات واسعة من المجتمع، وسوف تقام الندوة التالية تحت عنوان “المعمار في ثقافتنا”.