فضل الشيخ أحمد سحنون تقديم هدايا العيد بطريقة مختلفة فذكر القراء بقصص من التاريخ الإسلامي أوردها في كتابه (دراسات وتوجيهات إسلامية) ترتحل بالقراء من عصر سيدنا عمر بن الخطاب إلى حفيده عمر بن عبدالعزيز و يعرفنا لماذا رفض العز بن عبد السـلام العودة لمناصبه ثم اختتم هداياه بنقل حكمة من حكم الإمام جعفر الصادق.
تهادى الناس في أعيادهم أنواعا من الهدايا تختلف باختلاف أصحابها، وقد فكرت في شيء أتحف به القراء- في هذا العيد- فلم أجد أسمى ولا أغلى من هذه الصفحة الرائعة من سير أجدادهم ومنتخب أقوالهم، فعسى أن يقتفوا خطواتهم، ويسيروا على آثارهم.
لما غضب الصالح إسماعيل على العز بن عبد السلام وطرده من الشام، وصار الشيخ في الطريق، بعث إليه بعض صنائعه يسترضيه ويقول له: بينك وبين أن ترد إلى مناصبك وما كنت عليه وزيادة أن تنكسر للسلطان وتقبل يده لا غير، وهنا تعلن نفس الشيخ عن كرم معدنه، وتجرى على لسانه هذه الكلمات القوية المتحدية ويقول له: والله يا مسكين ما أرضاه يقبل يدي فضلا عن أن أقبل يده، يا قوم أنتم في واد، ونحن في واد، والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به.
لما آلت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه مما توج به أعماله، أن رد المظالم التي أقدم عليها من سبقه من الخلفاء الأمويين، وقال: إنه لا ينبغي أن لا أبدأ بأول من نفسي، فنظر إلى ما في يده من أرض أو متاع، فخرج منه، ثم نظر إلى فص خاتم وقال: هذا مما كان الوليد أعطانيه مما جاء من أرض المغرب، فخرج منه، ولما جاءته عمته ترجوه أن يرد إلى بني أمية ما وصل إليهم من طريق من سبقه أبى، فقالت له: إني رأيتهم يتكلمون، وإني، أخاف أن يهيجوا عليك يوما عصبيا- كأنما تهدده بثورتهم- فقال- واثقا-: كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا وقاني الله شره، ثم سطوا- بعد ذلك- ابنه عبد الملك قائلين له: إن من كان قبله من الخلفاء كان يعطينا ويعرف لنا مواضعنا، وإن أباك قد حرمنا ما في يده، فأخبر عبد الملك أباه بذلك فقال: قل لهم: إن أبي يقول لكم: {إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} (الزمر: 13).
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسير مع بعض أصحابه، فلقيته امرأة من قريش، وكان واضعا يده على كتف صاحبه، فقالت له: يا عمر، فوقف لها، قالت: كنا نعرفك مدة عميرا ثم صرت من بعد عمير عمر ثم صرت من بعد عمر أمير المؤمنين، فاتق الله يا بن الخطاب، وانظر في أمور الناس، فإن من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشى الفوت، فقال لها صاحبه: يا أمة الله، أبكيت أمير المؤمنين، فقال له عمر: أسكت، أتدري من هذه؟ هذه خولة بنت حكيم التي سمع الله قولها من سمائه، أي صاحبة القصة التي نزل فيها قوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله} (الآيات)، فعمر أحرى بأن يسمع قولها ويقتدي به.
قدم عمر بن الخطاب الشام فلقيه الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة، وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء قد خلع خفيه وجعلهما تحت إبطه، فقالوا له: يا أمير المؤمنين الآن تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذه الحال، قال عمر العظيم- إذ ذاك-: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلا نلتمس العز من غيره.
هكذا، فلا نلتمس العز من غيره، ليت المسلمين- مسلمي اليوم- فهموا جيدا هذه الكلمة، فهم لو فهموها ثم تأثروا بها لما توددوا للأجنبي بمحاكاته في مظاهره وعاداته ولما استحوا بما يلبس عمر، واعتزوا بما يلبسوا من كان عمر يتقرب إلى الله بمعاداته.
وما أبرع أحد الشعراء المعاصرين في استخدامه معنى ترجل عمر عند دخوله الشام، وسبكه في بيت رائع من قصيدة يناجي بها دمشق إذ يقول:
عمر الذى وطئت سنابك خيله
إيوان كسرى قد ترجل فـــــــيك
قال عمر بن ذر لأبيه: يا أبت، ما لك إذا تكلمت أبكيت الناس وتكلم غيرك لم يبكهم؟ فقال: يا بني ليست النائحة الثكلي مثل النائحة المستأجرة.
تكلم الحسن يوما حتى أبكى الناس فقال: عجيج كعجيج النساء ولا عزم، وخدعة كخدعة إخوة يوسف إذ جاءوا أباهم عشاء يبكون.
قال جعفر الصادق رضي الله عنه: عجبت لمن خاف كيف لا يفزع إلى قوله سبحانه: {حسبنا الله ونعم الوكيل} فإني سمعت الله يقول بعقبها: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} (آل عمران : 174) وعجبت لمن اغتم كيف لا يفزع إلى قوله: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} فإني سمعت الله سبحانه يقول بعقبها: {فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} (الأنبياء : 88) وعجبت لمن مكر به كيف لا يفزع إلى قوله: {وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد} (غافر: 44) فإني سمعت الله عز وجل يقول بعقبها: {فوقاه الله سيئات ما مكروا} (غافر: 45) وعجبت لمن أراد الدنيا وزينتها كيف لا يفزع إلى قوله تعالى: {ما شاء الله لا قوة إلا بالله} (الكهف:39)، فإني سمعت الله عز وجل يقول بعقبها: {فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك} (الكهف:40).