قد يتساءل القائل: هل هناك فرق بين هدايا البنوك الإسلامية وبين فوائد البنوك الصريحة؟ لا سيما والهدايا أو الجوائز التي تعطيها البنوك الإسلامية لزبنائها كثيرة ومتنوعة، ومجالاتها مختلفة، ومن هنا قد يقع الخلط واللبس في حكمها مما حدا بالبعض إلى أن يسميها فوائد ربوية.
هذا الخلط واللبس من جملة أسبابه: تعميم الأحكام وإطلاقها على عواهنها، وعدم التفريق بين أنواع الحسابات الجارية والاستثمارية وغيرها، وأيضا الخطأ في تكييف بعض المعاملات، والظن الحاصل بسبب كون معاملة ما لدى البنك الإسلامي تشبه معاملة لدى البنك الربوي ولو في الصورة أو في بعض الجوانب، أو كون البنك الربوي يعطي فوائد البنوك لزبنائه، والبنك الإسلامي يعطي كذلك، فيقول ما الفرق إذا؟
الحوافز التي تمنحها البنوك الإسلامية، قد تكون جوائز نقدية، وقد تكون هدايا عينية، وقد تكون نقاطا يمكن استبدالها والانتفاع بها وهكذا؟ وقد يمنحها البنك مباشرة، وقد يمنحها شركاء البنك كخطوط الطيران والمحلات التجارية وغيرها.
وبحسب المستفيد من تلك الحوافز والهدايا وتكييف المعاملة القائمة بينه وبين البنك يكون الحكم.
أولا: هدايا الحسابات الاستثمارية
حساب الاستثمار يختلف عن الحساب الجاري من حيث التكييف وتختلف أحكامهما تبعا لذلك.
فالحساب الاستثماري كحساب الادخار والودائع الاستثمارية ونحوها تقوم على مبدأ المشاركة بين رب المال والبنك، فرب المال يدفع ماله إلى البنك ليستثمره له في المجالات المباحة مقابل نسبة من الربح، وإذا كان البنك يعطي أصحاب هذه الحسابات حوافز وهدايا، فيطبق عليها ما يطبق على هدية العامل لرب المال أي “هدية المضارب“، فإن كانت الهدايا عامة كالمواد الدعائية ، من أقلام وتقاويم ومجلات وكتب ونحو ذلك مما يكون عاما لكل عملاء البنك فلا إشكال في جوازها، وأما لو كانت هدايا خاصة بأصحاب تلك الحسابات الاستثمارية عينية أو غير ذلك تعطى عند فتح الحساب الاستثماري، أو بعده، فهذا هو محل النظر.
وجمهور العلماء لا يرون بأسا في هذا النوع من الهدايا لعدم ترتب محذور شرعي عليه.
وذهب المالكية إلى منع ما كان من تلك الهدايا عند ابتداء العمل وكراهة ما كان بعده وعللوا ذلك بأنه يترتب عليها تحفيز رب المال على المشاركة أو استدامتها إن كان ذلك بعد الابتداء.
ولذا يقول خليل المالكي في المختصر وهو يذكر ما يمنع: (كرب القراض وعامله ولو بعد شغل المال على الأرجح)
وبسط ذلك الخرشي في شرحه للمختصر فقال: “يعني أن هدية رب القراض للعامل حرام لئلا يقصد بذلك أن يستديم العمل فيصير سلفا جر منفعة وكذلك يحرم هدية العامل لرب المال ولو بعد شغل المال أما قبل الشغل فبلا خلاف؛ لأن لرب المال أخذه منه فيتهم أنه إنما أهدى إليه ليبقى المال بيده، وأما بعد شغل المال فعلى المشهور وقيل تجوز وهما مبنيان على اعتبار الحال فتجوز لعدم قدرة رب المال على انتزاعه منه حينئذ، أو المال وهو أن يترقب من رب المال بعد نضوض هذا المال أن يعامله ثانيا لأجل هديته له”.
ومنهم من علل جواز هدية العامل أثناء العمل بانتفاء التهمة؛ لأن رب المال لا يقدر على أخذه منه لكن تبقى تهمة الطمع في استدامة العمل والتحفيز على ذلك.
وأكثر المعاصرين على قول الجمهور بأنه لا حرج في تلك الحوافز والهدايا، وقد جاء في قرار الهيئة الشرعية لبنك البلاد حول الضوابط الشرعية لحساب المضاربة رقم (88/أ)
“يجوز للبنك أن يقدم لعملاء حسابات المضاربة هدايا عينية أو معنوية لأن العلاقة التعاقدية بينهما علاقة مضاربة لا قرض كما في الحساب الجاري”.
وجاء في قرارات الهيئة الشرعية لمصرف الراجحي (1/ 542) قرار رقم 355 ….
“- يجوز إعطاء الهدايا لأصحاب الحسابات الاستثمارية، بشرط ألا تكون الهدايا من مال المستثمرين، وذلك لأن الحسابات الاستثمارية ليست قروضا، فلا تكون من القرض الذي جر نفعا” انتهى.
وعلى هذا هذا النوع من الهدايا والحوافز لا يدخل في فوائد البنوك التي يمارسها البنوك الربوية، وبالتالي فلا حرج في الانتفاع بالهدايا المقدمة من قبل البنوك لأصحاب هذه الحسابات الاستثمارية، وما كان في معناها مما لا تكون العلاقة فيه بين البنك وصاحب المال علاقة قرض لانتفاء المحذور الشرعي حينئذ، وبعض البطاقات الائتمانية ولا سيما المغطاة أو مسبقة الدفع أو بطاقات التخزين الإلكتروني، قد تعطى هذا الحكم على اعتبار كون الرصيد فيها أمانة لدى البنك وليس قرضا له.
ثانيا: هدايا الحسابات الجارية
الحسابات الجارية أو الودائع تحت الطلب سواء أكانت لدى البنوك الإسلامية أو البنوك الربوية: تعتبر قرضا بالمنظور الفقهي، وفق ما في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم: 86 (3/ 9) بشأن الودائع المصرفية حيث إن المصرف المتسلم لهذه الودائع: يده يد ضمان لها، وهو ملزم شرعاً بالرد عند الطلب.
وعلى هذا فإن فوائد البنوك الإسلامية من البنك لصاحب الحساب الجاري تعتبر هدية من المقترض للمقرض إن كانت خاصة، وهدية المقترض من قبيل الربا لأنه قرض جر نفعا، ولا سيما إذا كانت الهدية مشروطة في العقد أو جرى بها العرف، إذ المعروف عرفا كالمشروط شرطا.
وأما الهدايا غير الخاصة كالهداية العامة لجميع عملاء المصرف وما كان من قبيل الأمور المعنوية، أو الخدمات المتعلقة بفتح الحساب أو إيفاء العملاء، فلا حرج فيه، جاء في قرار الهيئة الشرعية لبنك البلاد: “يجوز للبنك أن يقدم ما لا يختص بأصحاب الحسابات الجارية، وإنما يكون لهم ولغيرهم كالمواد الدعائية والإعلانية”.
وجاء في قرارات الهيئة الشرعية لمصرف الراجحي (1/ 542) قرار رقم 355 بشأن توزيع بعض الهدايا العينية مثل البشوت والساعات على عملاء الحسابات الجارية أو بطاقات الائتمان أو التسهيلات الائتمانية:
“1 – لا يجوز منح هدايا عينية خاصة بأصحاب الحسابات الجارية، أو بعضهم؛ لأنها تدخل في الصور الممنوعة من صور القرض الذي جر نفعا.
2 – لا يدخل في المنع هدايا الدعاية والإعلان التي لا تختص بعملاء الحسابات الجارية، وإنما تكون لهم ولغيرهم، كالمواد الدعائية، من أقلام وتقاويم ومجلات وكتب ونحو ذلك….”
وإذا كانت الهدية الممنوحة لأصحاب الحسابات الاستثمارية غير مشروطة في العقد ولم يجر بها العرف من قبل البنك ففي بعض الفتاوى الصادرة عن الهيئات الشرعية ما يقتضي جوازها، ومن ذلك الفتوى الصادرة عن بيت التمويل الكويتي، وكذلك مجموعة دلة البركة وغيرهما ، ومما جاء في فتوى هيئة الرقابة الشرعية ببيت التمويل الكويتي: “يجوز تخصيص أصحاب الحسابات الجارية من فئة معينة، أو إطلاقا ببعض المزايا على سبيل (الجوائز أو الهدايا) على ألا يكون ذلك مشروطا ولا ملحوظا عند فتح الحساب
وإذا كانت المساعدات النقدية والعينية مشروطة عند فتح الحساب الجاري أو استمرار بقائه، فلا يجوز؛ لأنها من باب القرض الذي جر نفعا، وأما إذا كانت هذه المساعدات غير مشروطة، وإنما هي على سبيل التبرع والجوائز، فلا مانع من ذلك شرعا؛ لأنها من قبيل الهبة أو حسن الوفاء، والمتبرع أمير نفسه من حيث مقدار التبرع أو تركه. انتهى.”
ومن قبيل الحساب الجاري في منع الهدايا المشروطة والتي جرى بها العرف حتى كان في قوة الشرط، البطاقات الائتمانية المغطاة لدى من يرى أن الإيداع في رصيد البطاقة يكيّف على أنه قرض من العميل للبنك، وتحرم الهدية على القرض قبل الوفاء.
وأما البطاقات الائتمانية غير المغطاة فلا حرج في الانتفاع بالحوافز والهدايا التي تعطى لمستخدميها وغالبا ما تكون نقاطا يمكن استبدالها بنقد أو غيره وذلك لأن رصيد البطاقة الائتمانية غير المغطاة يعتبر قرضا من البنك وهدية المقرض للمقترض لا حرج فيها بخلاف هدية المقترض ” المدين” للمقرض ” الدائن”.
المصادر
1- المنتقى للباجي ( 5/153 )
2- شرح المختصر للخرشي ( 5/230 )
3- الذخيرة للقرافي ( 5/ 294 )
4- التاج والإكليل للمواق ( 6/530 )
5- حساب المضاربة في المصارف الإسلامية عبد الله العجلان. ص 239
6- الاستثمار قصير الأجل في المصارف الإسلامية لحسين يوسف داود ص 18.