الصحيح من أقوال أهل العلم : أن المسيح الدجال بشرٌ ؛ دلّ على ذلك عدّة أدلة ؛ منها :
1- حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه : أن رسول الله ﷺ قال : ” بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ ؛ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ يَنْطُفُ أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً ؛ قلْتُ : مَنْ هذا ؟ قالُوا : ابْنُ مَرْيَمَ ؛ ثُمَّ ذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ ؛ فَإِذَا رَجُلٌ جَسِيمٌ أَحْمَرُ جَعْدُ الرَّأْسِ ؛ أَعْوَرُ الْعَيْنِ ؛ كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ ؛ قَالُوا : هَذَا الدَّجَّالُ ؛ أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ؛ ابْنُ قَطَنٍ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ ” . صحيح البخاري (7128).
فقوله ﷺ : ” فَإِذَا رَجُلٌ جَسِيمٌ أَحْمَرُ…” ؛ دليل على أنه رجلٌ من الرّجال.
2- حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : ذكر رسولُ الله ﷺ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيه ورَفَّعَ ؛ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِى طَائِفَةِ النَّخْلِ ؛ فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيه ؛ عَرَفَ ذَلِك فِينَا ؛ فقال : ” مَا شَأْنُكُمْ ؟” قُلْنَا : يا رَسُولَ اللَّهِ ؛ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيه ورَفَّعْتَ ؛ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِى طَائِفَةِ النَّخْلِ . فَقَال : ” غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِى عَلَيْكُمْ ؛ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ ؛ وإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ ؛ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ ؛ واللَّهُ خَلِيفَتِي على كُلِّ مُسْلِمٍ ؛ إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ ؛ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ ؛ كَأَنِّى أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ ؛ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ ؛ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ …”. صحيح مسلم (2937).
والشاهد من الحديث قوله ﷺ : ” إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ…”.
3- وأيضاً : حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها الطويل وفيه : قال ﷺ : ” أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ ؟” قالُوا : اللَّهُ ورسُولُهُ أَعْلَمُ . قال : ” إِنِّي واللَّهِ ما جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلاَ لِرَهْبَةٍ ؛ ولَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيّ كَانَ رَجُلاً نَصْرَانِيًّا ؛ فَجَاءَ فَبَايَعَ وأَسْلَمَ ؛ وحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِى كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ ؛ حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِى سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ ؛ مع ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنْ لَخْمٍ وجُذَامَ ؛ فَلَعِبَ بِهِمُ المَوْجُ شَهْرًا فِى الْبَحْرِ ؛ ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فى الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ ؛ فَجَلَسُوا فِى أَقْرُبِ السَّفِينَةِ ؛ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ ؛ لاَ يَدْرُونَ ما قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ ؛ فقَالُوا : وَيْلَكِ ما أَنْتِ ؟ فقالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ . قالوا : وما الْجَسَّاسَةُ ؟ قالت : أَيُّهَا الْقَوْمُ ؛ انْطَلِقُوا إِلى هذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ ؛ فإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ . قال : لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلاً ؛ فَرِقْنَا مِنْها أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً . قَال : فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ ؛ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا ؛ وأَشَدُّهُ وِثَاقًا ؛ مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلى عُنُقِهِ ؛ ما بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ قُلْنَا : وَيْلَكَ مَا أَنْتَ ؟ قَال : قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِى …”. الحديث في صحيح مسلم (2924).
والشاهد من الحديث : قول تميم الداري رضي الله عنه : ” فإذا فِيه أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا…” .
وهو يدلُّ أيضاً : على أنه موجود الآن في تلك الجزيرة .
– قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله : “… وهذا الحديث يدل على وجود الدّجال ؛ وأنه موثّق بتلك الجزيرة ، وأنه يَخرج في آخر الزمان عندما يُؤذن له بالخروج ، وهو مخصِّص لحديث : ” أنه لن يأتي مائةُ سنة ؛ وهناك على ظَهْرٍ الأرض نفسٌ ” ، فيكون هذا الحديث مخصصاً للجسّاسة ، والدجال من ذلك ، وأنه موجود ، وسيخرج في آخر الزمان ، فيكون ما جاء في حديث الجساسة والدجال ؛ مستثنى من عموم ذلك الحديث ”.
– وكذا قال الشيخ الألباني في تعليقه على حديث : ” ما من نفسٍ منفوسة ” : ما من نصٍّ عام ؛ إلا وقد خصص ، وهذا من ذاك ،… اهـ .
4- عَنْ عبادة بن الصامت أنه حدثهم : أن رسول الله ﷺ قال : ” إِنِّى قَدْ حَدَّثْتُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ ؛ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ لاَ تَعْقِلُوا ؛ إِنَّ مَسِيحَ الدَّجَّالِ رَجُلٌ قَصِيرٌ ؛ أَفْحَجُ جَعْدٌ ؛ أَعْوَرُ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ ؛ لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ وَلاَ جَحْرَاءَ ؛ فَإِنْ أُلْبِسَ عَلَيْكُمْ ؛ فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ” . رواه أبو داود (4320) وأحمد في المسند (22764) وصححه الألباني .
والشاهد : قوله ﷺ : ” إِنَّ مَسِيحَ الدَّجَّالِ ؛ رَجُلٌ قَصِيرٌ أَفْحَجُ ”.
والأفْحَج : هو الذي إذا مشى باعد بين رجليه . والعين الحَجراء : هي الغائرة .
قال المُناوي : ” الدَّجال آدميٌ يخرجُ آخر الزمان ؛ يبتلي اللهُ عباده به ؛ ويقدره على أشياء تُدهش العقول ؛ وتحير الألباب ؛ يغترّ بها الرُّعاع ؛ ويثبت اللهُ من سَبَقت له السعادة . وخالف في خروجه ؛ شذوذٌ من الخوارج والجهمية ؛ وبعض المعتزلة ؛ وما زعموه ؛ تردُّه الأخبار المفيدة للقطع ” . فيض القدير (3/537) .
5 – عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّم ذَكَرَ الدَّجَّالَ ؛ فَقَال : ” أَعْوَرُ هِجَانٌ أَزْهَرُ جُفَالٌ , كَأَنَّ رَأْسَهُ أَصَلَةٌ ؛ أَشْبَهُ النَّاسِ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ , ولَكِنَّ الْهُلَّكَ كُلَّ الْهُلَّكِ ؛ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ” . رواه أحمد (2148), ابن حبان (6796), الطبراني (11711) وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط.
الشاهد : قوله ﷺ : ” أَشْبَهُ النَّاسِ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ …”.
قال الشيخ الألباني رحمه الله : والحديث صريح في أن الدجال الأكبر من البشر ؛ له صفات البشر ، لا سيما وقد شُبه به عبد العزى بن قطن ، وكان من الصحابة … فالدجال من البشر ؛ وفتنة أكبر من ذلك ؛ كما تضافرت على ذلك الأحاديث الصحيحة ، نعوذ بالله منه “. موسوعة الألباني في العقيدة (9/250) باب الدجال من البشر.
– وكونه من البشر : هو قول الجمهور ؛ من الصحابة فمن بعدهم ؛ فهو قول عمر بن الخطاب, وعبد الله بن عمر, وجابر بن عبد الله , وأبو ذر رضي الله عنهم أجمعين , وهو قول ابن بطال ؛ والبيهقي ؛ وابن كثير ؛ وشيخ الإسلام ابن تيمية ؛ والشوكاني وغيرهم.
وقد أختلف أصحاب هذا القول – وهو أنه بشر – على قولين:
1- أنه ابن صياد .
2- أنه صاحب الجسَّاسة.
– أما من قال : إن ابن صياد هو المسيح الدجال ؛ فهم : عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمر ، وجابر بن عبد الله ، وأبو ذر ؛ رضي الله عنهم أجمعين ، وكانوا يقطعون بذلك ، وتابعهم على هذا جماعة من أهل العلم كابن بطّال – كما في فتح الباري (13/325)- والقرطبي الذي قال في تذكرته : الصحيح أنّ ابن صياد هو الدجال . التذكرة (815) .
وكذلك ظاهر كلام النووي يشير إلى ميله للقول بأن ابن صياد هو الدجال . شرح مسلم للنووي (18/48)
وكذا مال الشوكاني رحمه الله إلى أنّ ابن صياد هو الدجال ؛ في نيل الأوطار (8/16-22) .
واستدلوا لذلك بالآتي :
1-عن محمد بن المنكدر قال رأيت جابر بن عبد الله يَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّ ابْنَ الصَّائِدِ الدَّجَّالُ ؛ قلتُ : تَحْلِفُ بِاللَّهِ ؟! قال : إِنِّي سمعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلى ذلِك عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ ؛ فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ ﷺ . كما في صحيح البخاري (7355).
ولعل هذا كان على حسب ما ظهر لهم من صفاته ، فأمره كان ملتبساً ، وكانوا يظنون أنه الدجال ، والرسول ﷺ لم يجزم بأمره بشيء أول الأمر ، ثم بعد ذلك جاءه البيان أنه غيره ؛ وأنه إنما يأتي في آخر الزمان ؛ كما صرح به في حديث تميم .
وأما قسَمُ بعض الصحابة بالله أنه ابن صياد ؛ فهو على غالب ظنهم ، وليس بيقين.
2- عن عبد الله بن عمر قالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَمَرَرْنَا بِصِبْيَانٍ فِيهِمُ ابْنُ صَيَّادٍ ؛ فَفَرَّ الصِّبْيَانُ وَجَلَسَ ابْنُ صَيَّادٍ ؛ فَكَأَنَّ رسُولَ اللَّهِ ﷺ كَرِهَ ذَلِكَ ؛ فقال لَهُ النَّبِي ﷺ : ” تَرِبَتْ يَدَاكَ ؛ أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ ؟ ” فَقَال : لا ؛ بلْ تَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ ؟ فَقَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : ذَرْنِي يا رسُولَ اللَّهِ ؛ حتَّى أَقْتُلَهُ ؛ فقال رسُولُ اللَّهِ ﷺ : ” إِنْ يَكُنِ الَّذِي تَرَى ؛ فَلَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ ” . صحيح مسلم (2924) .
3- عن نافع قال : لَقِيَ ابْنُ عُمَرَ ابْنَ صَائِدٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ ؛ فَقَال لَهُ قَوْلاً أَغْضَبَهُ ؛ فانْتَفَخَ حَتَّى مَلأَ السِّكَّةَ ؛ فَدَخَل ابنُ عُمَرَ علَى حَفْصَةَ ؛ وقَدْ بَلَغَهَا ؛ فقَالَتْ لَهُ : رَحِمَكَ اللَّهُ ؛ ما أَرَدْتَ مِنِ ابْنِ صَائِدٍ ؛ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَال : ” إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا ” . صحيح مسلم (2932).
4- عن عبد الله بن مسعود قال : واللهِ ؛ لَأَنْ أَحْلِفَ تِسْعًا ؛ أَنَّ ابنَ صَيَّادٍ هو الدَّجَّالُ ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ وَاحِدَةً ؛ أَنَّهُ لَيس بِهِ . مشكل الأثار (7/387) وسنده صحيح .
5 -عن جابر قال : فَقَدْنَا ابْنَ صَيَّادٍ يَوْمَ الْحَرَّةِ . رواه أبو داود (4334) وهو صحيح .
– والقول الثاني : وهو الأصح : قولُ من قال : أنّ ابن صياد ؛ ليس هو الدجال ، وإنما ابن صياد كان دجالٌا من الدَّجاجلة ، ولكنه ليس هو الدجال الأكبر ، وذلك أن الدجال الأكبر ؛ هو ما جاء ذكره في حديث الجسّاسة السابق في صحيح مسلم ؛ وهو الذي يخرج في آخر الزمان .
وثبت عن النبي ﷺ أَنَّهُ قَال فِي صفة الدَّجَّال أنه : ” أَعْوَرُ هِجَانٌ ؛ أزْهَرُ جُفَالٌ , كَأَنَّ رَأْسَهُ أَصَلَةٌ ؛ أَشْبَهُ النَّاسِ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ ” . ولم يثبت أن أبن صياد كان كذلك.
– قال البيهقي في كتاب ” البعث والنشور” : اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافًا كثيرًا ؛ هل هو الدجال ؟ قال : ومَنْ ذهب إلى أنه غيره ؛ احتج بحديث تميم الداري في قصة الجساسة الذي ذكره مسلم .
قال : ويجوز أنْ توافق صفة ابن صياد صفة الدجال ؛ كما ثبت في الصحيح أن أشبه الناس بالدجال عبد العزى بن قطن . وكان أمر ابن صياد فتنة ابتلى الله تعالى بها عباده ، فعصم الله تعالى منها المسلمين ، ووقاهم شرّها.
قال : وليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي ﷺ لقول عمر ، فيحتمل أنه ﷺ كان كالمتوقف في أمره ، ثم جاءه البيان أنه غيره ؛ كما صرح به في حديث تميم ” .انتهى
– وقال شيخ الإسلام : ” … وهذا بخلاف الأحوال الشيطانية ؛ مثل حال عبد الله بن صياد الذي ظهر في زمن النبي ﷺ وكان قد ظنّ بعض الصحابة أنه الدّجال ؛ وتوقف النبي ﷺ في أمره ؛ حتى تبين له فيما بعد أنه ليس هو الدجال ؛ لكنه كان مِنْ جنس الكهان ” . الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (1/321).
– وقال الحافظ ابن كثير : ” قال بعض العلماء : إنّ ابن صياد كان بعض الصحابة يظنه الدجال ، وهو ليس به ؛ إنما كان رجلاً صغيراً … والمقصود أنّ ابن صياد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان قطعاً ، وذلك لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية ؛ فإنه فيصل في هذا المقام ” . النهاية لابن كثير (1/54).
– وقال ابن كثير أيضًا : “وقد قدمنا أنّ الصحيح أن الدجال غير ابن صياد ، وأن ابن صياد كان دجالًا من الدجاجلة ، ثم تيب عليه بعد ذلك ، فأظهرَ الإسلام ، والله أعلم بضميره وسريرته ، وأما الدجال الأكبر ؛ فهو المذكور في حديث فاطمة بنت قيس الذي روته عن رسول الله ﷺ عن تميم الداري ، وفيه قصة الجساسة ، ثم يؤذن له في الخروج في آخر الزمان “. المصدر السابق (1/59).
– ومال الحافظ ابن حجر إلى ذلك في فتح الباري (13/326) ؛ وكذا البرزنجي في الإشاعة (219) .
– وقال شمس الدين السفّاريني : ” وحاصل كلام الحافظ ابن حجر ؛ أن الأصح أنّ الدجال غير ابن صياد ؛ ووافقه في الإشاعة ، وإنْ وافقه ابن صياد في كونه أعور ؛ ومن اليهود وأنه ساكن في يهودية أصبهان “. لوامع الأنوار (2/108).
الخلاصة : يتضح مما سبق أن الدجال من بني آدم ؛ وليس هو ابن صياد ولا هو شيطان ؛ وأنه حي موجود الآن ، وذلك منذ بعثة الرسول ﷺ .
وأنه مربوط موثق بالحديد وثاقاً شديداً ، ومحبوس في دير بجزيرة من جزائر البحر ؛ كما جاء في خبر تميم الداري رضي الله عنه المتقدم.
– وقد جعل الله تعالى لخروج الدجال أمَارَات ، فيما ذكر في حديث تميم من جفاف بحيرة طبرية ، وجفاف عين زغر ، وعدم إثمار نخل بيسان .
– أما مَنْ الذي حبس الدجال في تلك الجزيرة ؟ فلم يرد في ذلك دليل شرعي صحيح .
هذا وقد أُمرنا بالاستعاذة من فتنة الدجال ؛ فروى مسلم ( 588 ) : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : ” إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ ؛ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ ، يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ”.