منذ قرون والناس يتحدثون عن “العين” كقوة خفية تصيب وتُضعف وتؤذي، وكأن النظرات تحمل في طياتها سهامًا تطعن في الخفاء. فهل نحن أمام خرافة شعبية تناقلها الناس بحُسن نية، أم أن للعلم ما يقوله في هذا الباب؟ بين الحكايات الشعبية، والنصوص الدينية، والدراسات العلمية الحديثة، تظل الأسئلة قائمة: هل للعين فعلًا طاقة تؤثر على الآخرين؟ وهل يمكن أن تسبب النظرات المتوترة أو الحاسدة ضررًا حقيقيًّا؟ وهل الحسد حقيقة؟ ولماذا يعاني الناس من هذا الخوف؟ وهل نعيش في ظل قناعة دينية وعقلية، أم في أسر خرافة شعبية؟
ما بين الأسطورة والواقع، والعلم والدين، والخرافة والمنطق، يحاول هذا المقال أن يوضح أين نقف نحن من هذا الاعتقاد العميق.
هذا المقال رحلة بين الإيمان والتشكيك، بين ما نرويه وما نرصده، لنفهم ما إذا كانت العيون تُبصر فقط… أم تَجرح أيضًا.
عين الحسود فيها عود
نسمع في حياتنا اليومية كثيرًا من الأمثال الشعبية التي تعكس وجدان الناس ومخاوفهم، ومنها المثل الشهير: “عين الحسود فيها عود“. هذا المثل الشعبي يعبر عن الخوف من الحسد وتأثيره السلبي، وكأن العين الحاسدة تحمل في داخلها “عودًا” كالسهم يصيب من تنظر إليه، فهو ليس مجرد كلمات تقال، بل يمثل قناعة راسخة ومتأصلة في عقول الناس عبر الأجيال. فالحسد قوة خفية قادرة على إلحاق الضرر دون سبب واضح.
ان المثل الشعبي “عين الحسود فيها عود” هو تعبير بلاغي مجازي يحمل في طيّاته تصورًا شعبيًا قديمًا عن مدى تأثير نظرة الحاسد وسُمّيتها، فكلمة “عود” هنا لا تُشير إلى العود المعروف المستخدم في الطيب أو الموسيقى، بل المقصود بها “الرمح” أو “السهم” أو حتى “العود اليابس الذي يُوجع”، أي أن في العين الحاسدة ما يُشبه السلاح الذي يخترق ويؤذي. فالعين في هذا السياق ليست مجرد وسيلة للنظر، بل تتحول إلى أداة حاقدة، قادرة على إصابة الناس بأذى حقيقي، سواء في الصحة أو المال أو الحال حسب الاعتقاد الشعبي.
ويُقال هذا المثل عندما يصادف الناس واقعة سيئة تأتي بعد مدحٍ أو بعد نظرة من شخص يُعرف بالحسد، فيربط العامة بين الحدث و”العين”، ويُصبح المثل وكأنه تفسير جاهز لما حدث، دون الحاجة للبحث عن أسباب مادية أو واقعية. وهكذا صار هذا المثل جزءًا من الثقافة الشعبية التي ترى أن بعض العيون تجرّ الضرر معها أينما وقعت، وأن الحسد شيء “يضرب” ولا يرى، لكنه محسوس في نتائجه، مثل كسر مفاجئ، مرض غير مبرر، تعطّل غير متوقع، أو زوال نعمة دون مقدّمات. في المجمل، يعكس هذا المثل رؤية اجتماعية متوارثة ترى في الحسد قوة خفية لكن مؤذية، ويُجسّد الخوف من نظرات الآخرين، خاصة في مجتمعات يغلب عليها الطابع العاطفي والميل لتفسير الأحداث بما يتجاوز الأسباب المادية المحضة.
في الموروث الشعبي، تتحول العين من مجرد أداة بصرية إلى رمز للخطر، تعكس خوفًا جماعيًا من الحسد. ويُترجم هذا الخوف اجتماعيًا إلى تجنب إظهار النعمة أو الفرح، خوفًا من نظرات الآخرين. ومع الوقت، يتأصل هذا الشعور لدرجة أن بعض الناس يفسّرون أي فشل أو مرض بأنه بسبب ‘العين’، لا بسبب واقعي. وهكذا، يصبح الخوف من الحسد حاجزًا نفسيًّا واجتماعيًّا يمنع الناس من الثقة بأنفسهم أو الاحتفال بنجاحاتهم.
الحسد في النصوص الدينية
يشغل الحسد مكانة بارزة في النصوص الدينية، حيث يُصوَّر كقوة داخلية مدمّرة، تدفع الإنسان إلى الشر وتُفسد العلاقات الإنسانية. في الإسلام، يظهر الحسد بوضوح في القرآن الكريم، بدءًا من قصة قابيل وهابيل، التي تُعد أول جريمة قتل في التاريخ، حيث حسد قابيل أخاه فقتله. كذلك تُبرز قصة يوسف وإخوته في سورة يوسف عمق الحسد وآثاره، إذ ألقى الإخوة يوسف في الجب بدافع الغيرة من محبة أبيهم له. ويؤكد القرآن خطر الحسد صراحة في سورة الفلق في قوله تعالى : { ومن شر حاسد اذا حسد } (الفلق: 5) مما يدل علي ضرورة الاستعاذة بالله منه.
وفي السنة النبوية، حذّر النبي محمد ﷺ من الحسد باعتباره داءً خفيًّا يفسد الإيمان، فقال عليه عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا ” (البخاري ومسلم).
وقد وصفه العلماء المسلمون، كالإمام الغزالي وابن القيم، بأنه مرض قلبي يتمنى فيه الحاسد زوال النعمة عن الآخرين، لا مجرد الرغبة في امتلاكها.
أما في الديانات الأخرى، كاليهودية والمسيحية، فقد ورد الحسد في سفر التكوين أيضًا من خلال قصة يوسف، وأُدين الحسد في الوصايا العشر باعتباره من الرغبات المحرّمة.
“لا تشتهِ بيت قريبك، ولا امرأته، ولا عبده…”.
تعكس هذه النصوص اتفاقًا عامًا بين الأديان السماوية على أن الحسد ليس مجرد شعور، بل قوة سلبية تُحرّك الإنسان نحو الإثم، وتُضعف صلته بالله والناس، وتُهدّد سلامه الداخلي والاجتماعي. ولذلك، دعت هذه النصوص إلى محاربة الحسد بالإيمان، والتسليم، والرضا بما قسمه الله.
وجهة النظر العلمية والنفسية
بينما تتعامل النصوص الدينية والثقافات الشعبية مع الحسد كقوة خفية تؤذي الآخرين، يقف العلم الحديث أمام هذه الفكرة بمزيد من التشكك والتفكيك ، حيث يُعد الحسد من منظور علم النفس شعورًا إنسانيًا طبيعيًا ناتجًا عن المقارنة الاجتماعية، يحدث عندما يشعر الإنسان أن شخصًا آخر يمتلك شيئًا يفتقده هو، سواء كان مالًا أو جمالًا أو نجاحًا. لا يرى العلم في “العين الحاسدة” طاقة خارقة تنتقل وتُصيب، بل يفسّر الظواهر المصاحبة لها من خلال ما يُعرف بـ”تأثير النوسيبو” – وهو تأثير نفسي يجعل الإنسان يشعر بالتعب أو المرض نتيجة توقعاته السلبية، كما يحدث في المقابل مع “تأثير الدواء الوهمي” (البلاسيبو)، أي أن الشخص إذا اقتنع بأنه محسود، قد تظهر عليه أعراض فعلية من القلق، الصداع، ضعف التركيز، أو حتى اضطرابات جسدية، لكن ليس بسبب قوة سحرية، بل بسبب الضغط النفسي.
أما في الفيزياء وعلم الأعصاب، فلا توجد أدلة قاطعة على أن النظر يمكن أن يُسبب تأثيرًا ماديًا مباشرًا على الأشخاص أو الأشياء، رغم وجود بعض التجارب المثيرة للجدل حول الإشعاع الحيوي أو “شعاع العين”، والتي لم تُثبت علميًا بما يكفي لتُدرج ضمن الحقائق المقبولة. لذلك، فإن المجتمع العلمي لا يُنكر أثر الحسد من حيث نتائجه النفسية والاجتماعية، لكنه يُفكّك فكرة “الضرر المباشر بالنظر”، ويرى فيها مزيجًا من التهيؤ الذاتي والضغوط الاجتماعية والموروثات الثقافية.
تأثير شعاع العين بين الادعاء والبحث العلمي
في ظل الاعتقاد الشائع بأن العين قد تؤذي، ظهرت بعض التجارب والدراسات المثيرة للجدل التي حاولت تفسير هذه الظاهرة علميًا. ورغم أن معظم العلماء لا يعتبرون هذه التجارب دليلًا قاطعًا، فإنها تفتح مجالًا للنقاش حول ما إذا كان هناك أثر حقيقي للنظر الحاسد على الإنسان أو حتى الأشياء. من بين أبرز هذه المحاولات:
- تجربة الطبيب النفسي كولين روس، الذي زعم أنه استطاع تشغيل نغمة على الحاسوب باستخدام إشعاع صادر من عينيه. وقدم عرضًا رسميًا عام 2008 لمؤسسة “جيمس راندي”، المعروفة بتحدّي إثبات الظواهر الخارقة.
- أبحاث المؤلف الإنجليزي الشهير روبرت شيلدريك عام 2003 في الأوساط العلمية، حيث أجرى دراسات مستفيضة أثبت فيها أن الشخص بإمكانه معرفة أن هناك شخص آخر يُحدِّق فيه دون أن يراه، وأصبحت هذه المسألة ظاهرة علمية.
- دراسات الفوتونات الحيوية والتأثير عن بعد، كتجارب ستانلي كريبنر وآلان كوبرشتين، التي تفترض وجود قدرة عقلية على التأثير عن بُعد عبر النظر أو النية.
- تأثير الجريملين على الآلات، الذي طرحه الباحثان روبرت جان وبرندا دون بجامعة برنستون، إذ تحدثوا عن إمكانية التأثير على أداء الأجهزة بمجرد النظر.
- حالات فردية مثل ماثيو مانينغ أو نيليا ميخايلوفا، والتي زُعم أنها تملك قدرات خارقة للتأثير على الأجسام أو المواد بالنظر فقط، لكن أغلب هذه الادعاءات لم تُوثّق بأساليب علمية صارمة، وظلت محط جدل.
تقول الكاتبة والباحثة الإنجليزية والصحفية (لين ماكتاجارات) في كتابها: (البحث عن سر قوة الكون): لقد كشف العلم الحديث أن للعين قوى خارقة، كما أظهرت الدراسات أن هذه القدرات ليست حكرًا على أحد، أو خاصية يتمتع بها أناس متميزون عن غيرهم، بل هي موجودة في معظم البشر، وأقل البشر شريطة أن يدرك قدراته، ويعرف الطرق لاستخدامها.
وقد أوردت هذه الباحثة عدة شواهد ونماذج توفرت فيهم هذه الخاصية، فقالت: “ولعل أعجب القدرات على اختراق المادة بالنفس، امتلكها الشاب (ماثيو مانينغ) من قرية لينتون قرب مدينة كامبردج، فقد كان باستطاعته طوي الملاعق والسكاكين وتغيير شكلها بمجرد النظر، وكان ينظر إلى عقارب الساعة فيوقفها عن الحركة، وكان يستطيع إيقاف التيار الكهربائي، وثبتت لديه القدرة على التأثير في سريان الدم في الأوعية والشرايين، وكذلك التأثير على مرض السرطان.
ويعرف عن نابليون بونابرت أنه كان ذو نظرة حسد ثاقبة فقد عرف عنه أنه إذا ثبت نظره على خصمه سبب له متاعب كبيرة، وإذا نظر بنظرته الحاسدة إلى شيء ما حطم ذلك الشيء، ولم يكن بياض عينيه أبيضًا، بل كان لونه صفراويًّا.
أما أكثر هذه الحالات غرابة، وأكثرها مصداقية، وذات توثيق علمي، هي التجربة التي أجريت على نيليا ميخايلوفا (التي كانت باستطاعتها، وبمجرد النظر من على بعد ستة أقدام أن تفصل بياض البيضة عن صفارها، مستخدمة في ذلك مقدرتها الخاصة جدًّا في تحريك الأجسام المادية عن بعد ودون أن تقربها).
وقد أجريت هذه التجربة وسط حشد من العلماء بجامعة ليننجراد، وباستخدام آلات التصوير لتسجيل الحدث لحظة بلحظة، وباستعمال العديد من الأجهزة التي تقيس الضغط والنبض، وأنواع الإشعاعات التي تسود المخ أثناء التجربة، وقد نجحت السيدة نيليا في فصل صفار البيضة عن بياضها خلال نصف ساعة، وقد كشفت الملاحظة وأجهزة القياس على جسد السيدة نيليا عن الآتي: نشاط غير منتظم في القلب مع زيادة النبض، (240) ارتفاع شديد في نسبة السكر، كما فقدت رطلين من وزنها، وخرجت من التجربة تعاني من الضعف بشكل عام. أصيبت بما يشبه فقدان البصر المؤقت، أيضًا كانت تعاني من آلام شديدة في الأطراف، وظلت لعدة أيام بعد التجربة غير قادرة على النوم، كما فقدت قدرتها على التذوق.
ورغم جاذبية هذه القصص، تبقى أغلبها خارج نطاق القبول العلمي الرسمي، لأنها تفتقر إلى إعادة التجريب تحت ضوابط منهجية دقيقة، وهو ما يجعل العلم يتعامل معها بتحفّظ شديد، ويضعها ضمن “الباراسيكولوجي” أو “الظواهر الخارقة غير المثبتة”.
الحسد كظاهرة اجتماعية
لا يمكن فصل الحسد عن السياق الاجتماعي الذي ينشأ فيه، فهو ليس فقط شعورًا فرديًا، بل ظاهرة تنتشر وتتفاقم في المجتمعات التي تعاني من التفاوت الطبقي، أو الضغوط الاقتصادية، أو غياب العدالة والفرص المتكافئة. فحين يشعر الإنسان أن الآخرين نالوا ما لم يستطع هو الحصول عليه، لا لقصور فيه، بل لخلل في المنظومة من حوله، تبدأ مشاعر الغيرة في التحول إلى حسد، ومن ثم إلى مشاعر سلبية تجاه المجتمع ككل.
في مثل هذه البيئات، يصبح النجاح مدعاة للخوف لا للفخر، ويتحول التميز إلى عبء على صاحبه، لأنه يخشى أن يكون هدفًا لنظرات الآخرين وكلامهم. وقد يدفع الخوف من الحسد كثيرًا من الناس إلى إخفاء ما يملكون، أو تجنّب الحديث عن إنجازاتهم، مما يخلق بيئة يسودها الكتمان، ويختفي منها الفرح الجماعي والاحتفال بالنجاح.
ومع الوقت، يتجاوز الحسد كونه شعورًا فرديًا ليُصبح ظاهرة اجتماعية مركبة، ترتبط بالفجوة بين الطبقات، وضعف الوعي التربوي، وغياب ثقافة الاحتفاء بالنجاح. وهنا لا يعود الخوف من الحسد مجرد انفعال عابر، بل يتحوّل إلى سلوك جماعي يتجذّر في الوعي العام، ويُستخدم أحيانًا كذريعة لتبرير الإخفاق، أو كآلية دفاعية للهروب من مواجهة الأسباب الحقيقية للفشل.
الحسد بين العلم والخرافة
في كثير من المجتمعات، تداخلت الموروثات الشعبية والخرافات مع المعتقدات الدينية والعلمية في تفسير ظاهرة الحسد، مما أدى إلى تشويه الفهم الصحيح وتحويل المسألة إلى مصدر دائم للقلق والخوف غير المبرر. فقد أصبح البعض يلجأ إلى ممارسات لا أصل لها، كتعليق الخرزة الزرقاء، رش الملح، التبخير، أو ترديد تعاويذ غامضة، ظنًا منهم أنها ترد العين وتمنع الأذى. وعلى الرغم من بساطة هذه الطقوس، إلا أنها تُعزّز الاعتقاد بوجود قوى خارقة غير مثبتة لا دينيًا ولا علميًا، وتُضعف من اعتماد الإنسان على الإيمان الصحيح أو العقل الواعي.
أما الدين الإسلامي، فقد قدّم تصورًا متوازنًا وعميقًا لمسألة الحسد، معترفًا بوجوده كحالة روحية ونفسية تستوجب التحصّن بذكر الله، وقراءة المعوذتين، واليقين بأن الله وحده هو النافع والضار. الإسلام لا ينكر الحسد، بل يُعلّمنا أن ما يصيبنا لم يكن ليخطئنا، ويحثنا على مواجهة الخوف بالثقة في الله لا بالخرافات أو الوساوس.
ومن منظور علم النفس الحديث، لا يُعد الحسد قوة خارقة تنبع من العين وتؤثر ماديًا في الآخرين، بل يُنظر إليه كشعور داخلي ناتج عن مقارنة النفس بالآخرين، يتولّد غالبًا عن الشعور بالنقص أو الإحباط. وقد أظهرت الدراسات النفسية أن مجرد اعتقاد الشخص بأنه محسود يمكن أن يسبب له أعراضًا بدنية ونفسية حقيقية، مثل الصداع والتوتر والأرق، فيما يُعرف بتأثير “النوسيبو”، وهو عكس تأثير الدواء الوهمي، حيث تؤدي التوقعات السلبية إلى نتائج سلبية فعلية.
إن الخلط بين الدين والخرافة، وبين الاعتقاد النفسي والتفسير الغيبي غير المنضبط، يحوّل الحسد إلى قيد نفسي وسلوكي، ويجعل الإنسان حبيسًا لنظرة الآخرين، يفسّر فشله أو مرضه أو تعثّره دائمًا بأنه “عين”، بدلًا من مواجهة الأسباب الواقعية. وهكذا، يكون التفريق بين ما هو إيماني وما هو وهمي ضرورة لتحرير العقل والوجدان، والعيش في طمأنينة تنبع من التوكّل على الله، لا من أدوات لا تغني ولا تنفع.
خاتمة
إن المثل الشعبي “عين الحسود فيها عود” ليس مجرد عبارة تُردّد، بل هو خلاصة تجربة مجتمعية طويلة من القلق الجمعي تجاه الحسد، وتأثيره في النفوس والعلاقات. فالحسد في جوهره مزيج معقّد من الشعور البشري، والتفسير الديني، والتأويل النفسي، والتفاعل الاجتماعي. وفي الوقت الذي يُقر فيه الإسلام بوجود الحسد والعين، فإنه يوجّهنا إلى التحصّن بالإيمان، لا بالهلع، وإلى الاتكال على الله، لا على الطقوس أو الخرافات.
علينا أن نُربّي أنفسنا وأبناءنا على أن الرزق والنفع والضر بيد الله وحده، لا بيد الحاسد ولا بنظرته. فاليقين بهذه الحقيقة يمنحنا الطمأنينة، ويحررنا من الخوف المبالغ فيه، ويُعيد الثقة إلى قلوبنا، كذلك تنقية هذا الاعتقاد من شوائب المبالغة والخرافة، وربطه بوعي ناضج وإيمان سليم، هو السبيل الحقيقي للتمييز بين التوكل الصادق والوساوس التي تعيقنا.
وفي النهاية، تبقى “عين الحسود فيها عود” تعبيرًا رمزيًا عن مخاوفنا البشرية العميقة من فقدان النعم والنجاحات، لكنها لا يجب أن تحولنا إلى أسرى للخوف والقلق. فالحياة تستحق أن تُعاش بثقة وإيمان، وبعقل منفتح يعترف بالواقع دون أن يستسلم للخرافات أو التفسيرات المبالغ فيها.
والحقيقة أن قوتنا الحقيقية تكمن في وعيّنا، وفي قدرتنا على حماية أنفسنا وأحبائنا بالدعاء والعمل الصالح، وبمواجهة التحديات بالعزيمة، لا بالنظرات أو الكلمات العابرة.