في تاريخنا الإسلامي شخصيات عظيمة لها في مخيلتنا وفي نفوسنا مكانة عظيمة، واحترام كبير وشعور بالاعتزاز كلما قرأنا في سيرهم أو ذكرنا أسماءهم، لدرجة أننا نسمي أبناءنا ومدارسنا وشوارعنا بأسمائهم، كأمثال صلاح الدين الأيوبي الذي هزم الصليبيين الفرنج في معركة حطين واستعاد بعدها بيت المقدس أو سيف الدين قطز ومعه الظاهر بيبرس اللذان قادا جيش المسلمين في حربه ضد الوحش المغولي، وانتصاره في معركة عين جالوت أو القائد المحنك طارق بن زياد الذي قاد الفتح الإسلامي في الأندلس، ومن ثم مساهمته في تكوين حضارة إسلامية امتدت لما يقارب من ثمانية قرون، وغيرهم كثير ممن سجلت إنجازاتهم صفحات تاريخنا وتزخر بسيرهم أرفف مكتباتنا.

الشدائد تظهر ماخفت من معادن الرجال في أوقات الترف والنعيم

لاشك أنهم كانوا قادة عظام وقاموا بأعمال عظيمة في أوقات حرجة من التاريخ لكن مشكلتنا أننا رسمنا لهم في مخيلتنا صورة تقترب للكمال في عباداتهم وأخلاقهم وشجاعتهم وإخلاصهم للأمة وللدين، وورّثنا هذه الصورة لأبنائنا وأحفادنا جيلا بعد جيل، بينما الحقيقة أن هؤلاء القادة كانت فيهم من المثالب وضعف الأخلاق أحيانا  وحظوظ النفس أحيانا أخرى كالتي فينا على تفاوت فيها وربما في بعض الأحيان أكثر !!

ولذلك أصبح جيل اليوم ينتظر – لكي تحقق الأمة انتصارا – أن تُخرج هذه الأمة قادة كأمثالهم وبمواصفات كمالية كالتي وضعناها في مخيلتنا ، ومن ثم أصبحنا لانرجوا من جيل اليوم وقادته أي خير ولا نتوقع أي انتصار للأمة ما دمنا لانملك قادة بتلك المواصفات الملائكية .

والذي ينطبق على الأفراد ينطبق على الدول ، فقد لعبت دول مثل دولة السلاجقة والدولة الأيوبية ودولة المماليك دورا كبيرا في هزم الصليبيين والتتار كما لعبت دولة المرابطين دورا كبيرا في الدفاع عن الإسلام وأهله هناك في المغرب العربي، والدولة العثمانية لاحقا التي كانت حارسة الإسلام أمام الغرب كما أنها تصدت لخطر الدولة الصفوية من الشرق ، ولولا تلك الدول لتغيرت كثيرا صفحات التاريخ الإسلامي.

كانوا قادة عظام وقاموا بأعمال عظيمة في أوقات حرجة من التاريخ لكن مشكلتنا أننا رسمنا لهم في مخيلتنا صورة تقترب للكمال

فهذه الدول لم تكن بأوصاف الخلافة الراشدة ولم يكن حكامها كالخلفاء الراشدين في ورعهم وتقواهم وسمو أخلاقهم، إنما كانت ممالك تحكم بالوراثة ، ولكن الله هيأ لها في لحظات عصيبة من التاريخ أن تؤدي أدوارا لاتقل أهمية عن تلك التي أدتها دول الخلافة الراشدة ، فإن الشدائد تظهر ماخفت من معادن الرجال في أوقات الترف والنعيم.

وبالمثل فإنني أعتقد جازما أن أمتنا رغم الانحلال والضعف الشديد الذي يعتريها ولكي تحقق انتصارا يعيد لها الحياة ويجدد فيها شبابها ليست بحاجة لظهور المهدي أو نزول عيسى من السماء ولربما يهيئ الله لهذه الأمة رجلا لا نظنه من الصالحين قد يعيد إنجازات صلاح الدين وقطز وطارق بن زياد و يسجل صفحات من التاريخ سينظر لها الأجيال القادمة بعين الفخر والاعتزاز.