يعد الشيخ العلامة عبد المجيد الزنداني أحد أبرز العلماء والدعاة في اليمن والعالم الإسلامي، وقد أسس في اليمن جامعة الإيمان، والهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وانشغل بتأصيل الإعجاز العلمي في النصوص الشرعية، وتفسير العديد من الظواهر الكونية من خلال القرآن والسنة، وهو ما فتح أمامه مجال الإعجاز الذي شكل أحد أهم انشغالاته ومجال تميزه. فضلا عن إسهاماته في ميادين الدعوة والنضال.
توفي الشيخ عبد المجيد الزنداني في أحد مشافي مدينة إسطنبول، يوم الاثنين 13 شوَّال 1445هـ، الموافق 22 أبريل 2024، عن اثنين وثمانين عامًا، بعد مُعاناة المرض.
علماء وهيئات وشخصيات تنعى الزنداني
توالت بيانات النعي والتعزية في وفاة الشيخ الزنداني، رئيس هيئة علماء اليمن سابقا، من جانب العلماء والمثقفين والسياسيين والإعلاميين ومن قبل الهيئات الإسلامية وذلك بعد وفاته عن 82 عاما.
وكتب نجله محمد بن عبد المجيد الزنداني، في منشور على منصة إكس، “إنا لله وإنا إليه راجعون. وقالت أسرة الشيخ، في بيان، “ببالغ الحزن والأسى وبقلوب راضية بقضاء الله وقدره، ننعى وفاة والدنا الشيخ العلامة عبد المجيد بن عزيز الزنداني، الذي توفاه الله عز وجل إليه يومنا هذا الاثنين”.
ونعت وزارة الأوقاف والإرشاد اليمنية الشعب اليمني والأمة الإسلامية عبر حسابها على منصة اكس وفاة الشيخ عبدالمجيد الزنداني واصفة إياه أنه أحد أبرز العلماء والدعاة في اليمن والعالم الإسلامي، وأنه ترك أثراً محموداً في أجيال متعاقبة وشارك وأسس وترأس العديد من المنشآت الدعوية والمؤسسات العلمية والهيئات على مستوى اليمن والعالم العربي والإسلامي.
وقال الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عبر منصة إكس، إنه “يعزي الأمة الإسلامية في وفاة الشيخ العلامة عبد المجيد الزنداني، عضو الاتحاد، والهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة”.
كما نعت هيئة علماء فلسطين الشيخ الزنداني الذي وصفته بأنه “قامة شامخة من قامات العلم والدعوة في الأمة الإسلامية، مؤسس جامعة الإيمان في اليمن، ومؤسس الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وأحد رموز العمل الإسلامي في اليمن الشقيق والعالم الإسلامي”. وقالت إنه “لبّى نداء ربه تعالى عقب حياة حافلة قضاها في الدعوة إلى الله تعالى ونشر العلم وتربية الأجيال والذود عن الحرمات والمقدسات وخدمة قضايا الأمة، وفي القلب منها قضية فلسطين والقدس”.
أما هيئة علماء المسلمين في العراق، فقد وصفته بأنه “كبير علماء اليمن، وأبرز أعلام علماء الأمة الإسلامية”، وقالت إنه قضى عمره بين “أروقة العلم، والدعوة، ونصرة المسلمين والدفاع عن قضاياهم”.
وكتب العالم والداعية الشيخ على الصلابي “في ذمة الله، الشيخ عبد المجيد الزنداني (رحمه الله). ببالغ الحزن والأسى وبقلوب راضية بقضاء الله وقدره، ننعى وفاة والدنا الشيخ العلامة عبد المجيد بن عزيز الزنداني اليوم الاثنين، إنا لله وإنا إليه راجعون”.
من هو الشيخ عبد المجيد الزنداني؟
عبد المجيد بن عزيز الزنداني (1942 – 22 أبريل 2024) عالم يمني وداعية ومؤسس كل من جامعة الإيمان باليمن، والهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مكة المكرمة، ورئيس مجلس شورى حزب التجمع اليمني للإصلاح.
ولد عبد المجيد الزنداني في قرية “الظهبي” في مديرية الشعر من محافظة إب إحدى محافظات الجمهورية اليمنية، في عام 1942م، وأصله من مِنطقة زندان في مديرية أرحب في محافظة صنعاء، وإليها نسبته، وينتمي لقبيلة أرحب.
تلقَّى تعليمه الأولي في الكتَّاب إبان الحكم الإمامي في اليمن، ثم في عدن، وأكمل الدراسة النظامية فيها. ثم التحق بكلية الصيدلة في جامعة عين شمس، في جمهورية مصر العربية، درس فيها سنتين ثم تركها، وأخذ يقرأ في علوم الشريعة، والتقى بعض علماء الأزهر الشريف وأخذ عنهم، واتصل ببعض الطلاب اليمنيين في مصر مثل محمد محمود الزبيري، وعبده محمد المخلافي.
وقبل أن يعود إلى اليمن، في عام 1978م اتجه إلى المملكة العربية السعودية وتفرغ لدراسة العلوم الشرعية لدى كبار علماء السعودية، ليكمل ما كان بدأه من طلب للعلم في الأزهر الشريف.
وظائفه ونشاطاته العلمية والتربوية
بعد عودته إلى اليمن من مصر عينه الرئيس عبد الله السلال في أول حكومة بعد قيام الجمهورية، نائبًا لوزير الإرشاد القومي والإعلام. وفي عام 1968م ألف “كتاب التوحيد” لطلَّاب المدارس للمرحلتين الإعدادية والثانوية، وتولَّى إدارة الشؤون العلمية في وِزارة التربية والتعليم “المعارف”. وفي عام 1975م عُين رئيسًا لمكتب التوجيه والإرشاد في عهد الرئيس عبد الرحمن الأرياني، ثم نائبًا لوزير المعارف.
وبعد رحيله إلى السعودية عمل في التدريس وإلقاء المحاضرات في مدارس المملكة وجامعاتها. وأسس مع عدد من العلماء “الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة”.
في عام 1991 أسس الزنداني جامعة الإيمان في صنعاء في اليمن، وفي عام 1995م أصبح نائبا لرئيس مجلس الرئاسة، وسرعان ما قدم استقالته من المجلس في 1996م.
بسبب توتر الوضع الأمني، اضطر عبد المجيد الزنداني إلى مغادرة اليمن في منتصف يوليو 2015 منقلا إلى المملكة العربية السعودية قادما من مدينة تعز، التي ظل متخفيا فيها منذ سبتمبر 2014. وبعد أكثر من خمسة أعوام من إقامته في السعودية، غادر الزنداني في نوفمبر 2020، مقر إقامته في المملكة متجها إلى إسطنبول في تركيا.
مؤلفاته وبحوثه وآثاره
أثرى عبد المجيد الزنداني المكتبة العربية والإسلامية بالعديد من المؤلفات، كما أن له العديد من الأشرطة والمحاضرات التي فصل فيها مظاهر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. ومن أبرز كتبه:
- تأصيل الإعجاز العلمي
- علم الإيمان
- طريق الإيمان
- نحو الإيمان
- البينة العلمية في القرآن الكريم
- توحيد الخالق
- التوحيد
- أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ
- الأقمار الصناعية تشهد بنبوة محمد
- منطقة المصب والحواجز بين البحار
رائد الإعجاز
يعتبر الشيخ عبد المجيد الزنداني أكثر العلماء المسلمين الذي انشغلوا في هذا العصر بتأصيل الإعجاز العلمي في النصوص الشرعية، حيث وسع مداركه من خلال المطالعة واستنطاق النصوص الشرعية ومحاولة فهمها في ضوء الحياة المعاصرة والاكتشافات العلمية، وهو ما فتح أمامه مجال الإعجاز العلمي في القرآن الذي شكل أحد أهم انشغالاته ومجال تميزه، فكان أكبر المهتمين بالبحث في قضايا “الإعجاز العلمي” في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وقد لاقت بحوثه وكتاباته في هذا المجال استحسانا وقبولا من طرف العلماء المسلمين وغير المسلمين.
وقد شكل الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية أحد الانشغالات الأهم لعبد المجيد زنداني، واعتبر على نطاق واسع أحد أبرز العلماء المعاصرين الذين حاولوا البرهنة على سبق القرآن في مجال الحديث عن الاكتشافات العلمية في مجالات كثيرة كالطب، وخلق الإنسان، والجيولوجيا.
وساهم في تأسيس الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة في المملكة العربية السعودية وترأسها بعد ذلك، وعندما عاد إلى اليمن أسس جامعة الإيمان للعلوم الشرعية، وتواصلت مصنفاته وأبحاثه في علم الإيمان والإعجاز.
آراؤه الجدلية ومواقفه وانتقاداته
علاج الإيدز
أعلن الزنداني في قناة الجزيرة الإخبارية اكتشافه علاجًا من الأعشاب الطبيعية للشفاء من مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز). ودعا جميع شركات الأدوية ومنظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة إلى زيارة اليمن للاطِّلاع على العلاج، ورؤية نتائج الفحوص، رافضًا إعطاء تفاصيل عن الأعشاب ومكان نموِّها، لضمان عدم تسريب الاختراع قبل تسجيل براءته.
وقال الزنداني: إن اكتشاف العلاج لم يكن مصادفة، مشيرًا إلى أن البحث فيه يعود إلى 15 عامًا عندما أنشأ فريقَ بحث في المدينة المنورة في الطب النبوي والإعجاز الطبي في السنَّة النبوية. وذكر أن نحو 15 شخصًا استطاعوا التخلُّص من الفيروس في مَّدة استغرقت ما بين ثلاثة أشهر إلى سنة بعد تناولهم العلاج. وامتنع الزنداني من كشف طريقة العلاج حتى يتم تسجيل براءة الاختراع، خوفًا من أن تسرق إحدى شركات الأدوية العلاج المكتشَف. ثم عاد وقال: إن تسجيل براءة الاختراع يتطلَّب إعطاء جميع البيانات عن الدواء، وهو غير مستعد لعمل هذا، خشيةَ سرقة العلاج.
ثم حاز الزنداني براءة اختراع في أسلوب استخدام الأعشاب في علاج الإيدز، من المنظمة العالمية للملكية الفكرية، ونشر تطبيقه البحثي على موقعها في أبريل 2011.
زواج فرند
أثارت فتوى الزنداني زواج الصداقة التي اشتهرت باسم (زواج فرند) ضجَّة كبيرة في الشارع العربي والإسلامي، وأثارت غضب مشايخ الأزهر وغيرهم، وجعل بعض الناس يتخذون من فتواه دليلًا على بطلان اجتهاده، وأنه غير مؤهل للاجتهاد الفقهي، كونه متخصصًا في الإعجاز العلمي، ووصفه بعض المعارضين له بالتشيع، معتبرين الفتوى مخالفة للشرع.
ولكن الشيخ عبد المجيد الزنداني ردَّ قائلًا:”أنا لا أدعو إلى مصطلحات غير شرعية، وأرى أن يكون اسم هذه الصورة من الزواج: الزواج الميسَّر للمسلمين في الغرب، بدلًا من مصطلح: زواج فريند.”
وأكَّد أن هذا الزواج زواج شرعي، وصورته: أن يتزوَّج الشاب بالشابة بعقد شرعي صحيح مستوفٍ للشروط والأركان، من موافقة الولي وحضور الشاهدَين وتسمية المهر، ولو لم يكن لهما سكن يأويان إليه، فيستمتع أحدُهما بالآخر، ثم يأوي كل واحدٍ منهما إلى منزل والده. فهو ليس زواج متعة مؤقتًا بمدَّة في العقد، ولا زواجًا بلا ولي أو شهود أو مهر”.
عذاب القبر
في مطلع عام 2000 ألقى الزنداني محاضرةً عن أصوات المعذَّبين في القبور، وأنها من أمثلة الإعجاز العلمي في القرآن بعد أن تسلًم شريطًا مشبوهًا يتحدَّث عن اكتشاف علماء في الجيولوجيا لأصوات بشرية تحت الأرض، حين قاموا بالحفر في شبه جزيرة في سيبيريا اسمها كوليسري قرب الحدود النرويجية مع روسيا. استشهد الزنداني أيضًا بطلَّاب روسيين يدرسون لديه في اليمن، وقال أن إذاعة أمريكية في شيكاغو كانت قد نشرت نفس القصة وأضاف أنه أرسل مندوبًا إلى موقع الحدث في سيبيريا ليتوثق من تفاصيل القصة من أصحابها العلماء. وقال أن فريق البحث الروسي كان يرأسه بروفسور يُدعى أزاكوف نسب إليه الزنداني عبارة شهيرة يقول فيها:”كشيوعي أنا لا أعتقد بوجود الله، لكن كعالم أنا أصبحت أعتقد بوجود الجحيم.” ظل الزنداني مصرًّا على فكرته سنوات، ودخل في جدال مع بعض علماء دين آخرين، وحين تبيَّن له أن المعلومات التي تسلَّمها كانت مزيفة، اعتذر عن الخطأ وفنَّد شريطه السابق، وتراجع عمَّا فيه.