كيف يمكن أن نحلل حالة طفل يستمتع برؤية الدم، ويحب أن يذبح أي شيء إلى درجة أن الحيوانات البلاستيك وألعابه يقوم بذبحها بأي أداة، فتضطر والدته لأن تبعد كل الأشياء الحادة عن يديه. هناك الكثير من الحالات النفسية التي قد تصيب الطفل، وكل حالة لها أسبابها ونتائجها على صحة الطفل وعلى تركيزه ومستواه المدرسي. فكيف يمكننا أن نعيد الأمان النفسي للطفل؟
إن نفس الطفل في الواقع هي مقياس حساس (ترمومتر) يقيس بها حرارة عاطفة الأم والأب والإخوة، أي الأسرة وحنانها نحوه، فيستجيب للعطف والحب والرعاية والاهتمام، ويحتج على عدم الاهتمام أو المقارنة بينه وبين الآخرين وعدم القبول باللجوء إلى بعض التصرفات اللاشعورية والتي لا يتحكم فيها ويعبر من خلالها عن قلقه على ذاته وعن الصراع الذي يعيش فيه؛ لأنه يصارع بأسلوب مرضى ليشعر بالأمان والطمأنينة.
الحاجة النفسية كالحاجة إلى الأكسجين
حتى نعيد الأمان النفسي للطفل، يجب ان ندرك أنه يحتاج إلى إشباع هذه الحاجة النفسية أكثر من احتياجه للأكسجين في الحياة، لأن سوء العلاقة بين الطفل وأفراد أسرته من أشد العوامل للأعراض البادية على ابننا الحبيب، والتي تتمثل في العنف والذبح للعبه وأغراضه واستمتاعه بذلك، والتي تظهر عليه نتيجة لتوتر وقلق وضغط نفسي شديد يعيش فيه لشعوره بأنه غير مرغوب فيه، وأنه غير محبوب، فيشعر بأنه غير متكيف مع أسرته وحياته ومع ذاته أيضا.
من أهم أسباب التوتر والضغط النفسي والذي يعاني منها الطفل هي النزول المستمر في المستوى المدرسي، وما يترتب على ذلك من ردود أفعال من الأم والأب والإخوة، حيث البيئة الضاغطة المنزلية أو المدرسية عليه ليحسن من مستواه ومن أدائه الدراسي، وهو ربما يكون عنده صعوبة في التحصيل والاستيعاب، بحيث نطالبه بأن يقوم بأعمال تفوق طاقاته الذهنية، فلا يستطيع أن يجاري أقرانه في التحصيل أو أن تكون قدراته العقلية أعلى من أقرانه ومن المستوى الدراسي الذي هو فيه فيصيبه ذلك بالملل أثناء الشرح ويجد صعوبة في التركيز والانتباه.
أسئلة واختبار ذكاء
في الحالتين الصعوبة في الاستيعاب أو السهولة الشديدة في الاستيعاب يمكن أن تؤدي إلى نفس الأعراض، وهى عدم التركيز والانتباه، ولن يحسم هذا الأمر ويضعنا على الأسباب الحقيقية لهذا التوتر الشديد الذي يصيب الطفل نتيجة نزول مستواه الدراسي إلا أن نقوم باختبار ذكاء لنحدد مستواه، وبالتالي نحدد الأسباب الحقيقية وراء هذا الضغط والتوتر النفسي والذي قد يظهر في اعتدائه على لعبه وأدواته وسعادته واستمتاعه بالذبح ونزول الدم.
لذلك من الضروري الاهتمام الشديد بعمل الاختبار ومعرفة التفاصيل عن علاقة الوالدين بالطفل والأساليب التي يستخدمانها في معاملته، وخاصة مع تراجع مستواه وعلاقته بزملائه في الفصل وإخوته ومدرسيه.
وعندما نتحدث عن طفل يحب ويستمتع بمنظر الدم.. يجب أن نجد الأجوبة عن الكثير من الأسئلة: هل هذا الاستمتاع يكون عندما يجرح أحدا أم فقط ارتبط بالحيوانات (خروف العيد مثلا ورؤية والده أو أحد أفراد عائلته يذبح)؟ هل يتألم عندما يرى منظر الدم لأطفال أو كبار على شاشات التلفزيون؟- ما نوعية الأفلام والمسلسلات التي يشاهدها؟ هل هي كرتونية فيها العنف والدماء أو أفلام حقيقية أيضا مرعبة وفيها دماء؟ وهل ارتبط هذا الذبح والاستمتاع بمنظر الدم منذ صغره أم حديثا مع نزول مستواه الدراسي؟ وما هي الأساليب التي اتخذها الوالدان منذ صغره لتوضيح الفرق بين دم الخروف الذي يذبح في العيد وأي دم آخر فهذا كله سيفيد في وضع الخطوات العملية للعلاج.
خطوات هامة لاستعادة الأمان النفسي للطفل
حتى يشعر الطفل بالأمان والطمأنينة ويستعيد الأمان النفسي الذي يفتقده هذه بعض الخطوات والنصائح المفيدة:
- الحب والعطف والحنان لبناء واستعادة علاقة قوية مع الطفل، فالتعبير عن الحب يجب أن يكون دائما، ولا يمنع من ذلك أي سلوك لا يعجب للطفل، فنحن نحب أبنائنا في كل وقت ولا يعجبنا تصرفاتهم أحيانا، فلابد من الحب غير المشروط، فلنحاول أن نثبت له الحب باهتمامنا بحديثه والإنصات إليه مهما كان كلامه سيشغلنا عن أعمالنا، فهذه بداية إعادة علاقة قوية لاستعادة الطفل.
- مشاركته ألعابه واهتماماته، والحديث عن ذلك معه، وتمثيل بعض اللقطات من قصة نقرأها معه ونشارك إخوته الصغار معكه في ذلك، ويفضل تخصيص وقت يومي للعب معه أو مشاركته حديثه ولو نصف ساعة يوميا.
- إفساح صدورنا لابننا، وأن ندعه يعبر عن ثورته على سلطتنا أحيانا بطريقة تسمح بإظهار الغضب بدلا من كبته والتنفيس عنه بالعنف مع لعبه في الخفاء، فلا بد أن نساعده على التخلص من التوتر النفسي الذي يعاني منه في المواقف أولا بأول بدلا من التنفيس عنه في الخفاء بالسلوك غير السوي. ومن ثم نستعيد شيئا فشيئا الأمان النفسي للطفل.
- نجعل الطفل يقوم بدور محبب له يشعر بمسئوليته فيه عن إخوته الصغار، مثل أن يحكي قصة لإخوته ويسألهم عن الاستفادة منها، ونشجعه على ذلك بشراء المزيد من القصص أو الدخول على الإنترنت والحصول على القصص ثم يحكيها لإخوته، ونشعره بأهمية ما يقوم به في أنه يساعد في غرس القيم والمعاني الجميلة عند إخوته الصغار.
- التعرف على مزايا الطفل، فكل طفل من أبنائنا لديه من الصفات الكثير الرائع إذا تأملنا ولاحظنا سلوكياتهم لنأخذ منها ونبرز كل ما هو جميل ونغض الطرف الآن عما لا يعجبنا، وأيضا نتعرف على نقاط قوته حتى نمتدحها دوما ليستعيد ثقته بنفسه، ويتحقق الأمان النفسي للطفل
- اكتشاف هوايات الطفل أيا كانت (الرسم، كرة القدم، اللعب مع أقرانه، الكتابة، حكي القصص، التمثيل…) وضرورة تشجيعه على ممارستها.
- الاشتراك معه في لعبة رياضية يحبها، فإنها من أفضل الوسائل لإزالة التوتر، ومن أفضل الطرق للتعرف على أصدقاء جدد غير زملاء الدراسة؛ لأن الأخذ والعطاء ينمي الشخصية الاجتماعية ويساعده على التعبير عن مكنونات نفسه، ويساعده على التخلص من الشعور بالذنب أو بالاضطهاد، وكلاهما يوتره نفسيا وجسديا، وقد يدفعه هذا إلى الانتقام والعنف والعبث بلعبه بطريقة غير سوية.
- تحديد ميعاد أسبوعي للخروج مع الأبناء للتنزه في الهواء الطلق، مع الابداع في إضفاء روح المرح والدعابة عليهم ومشاركتهم طفولتهم ومرحهم.
- التقليل قدر الإمكان من الأوامر والنواهي والتي تجعل الأطفال يشعرون بالملل، وليس معنى ذلك ترك الحبل على الغارب، فخير الأمور الوسط، فالحزم مع المرونة والتسامح وغض الطرف أحيانا والمحبة تحقق التربية الاستقلالية الرائعة والسليمة.
- الابتعاد عن الأساليب التي تدمر الثقة بالنفس، كمقارنته مع إخوته وأصحابه أو النقد أو التوبيخ أو النعت بنعوت سلبية أو التهديد المستمر أو التخويف المستمر أو الصراخ وعدم وجود لغة حوار هادئ.
الخلاصة
وفي النهاية، لابد أن نعرف أن من أفدح المصاعب الانفعالية التي يعاني منها الطفل الناشئ والتي قد تبقى آثارها السيئة طوال حياته إنما تنتج من عدم شعوره بالأمان والطمأنينة، الأمر الذي يؤدي إلى الشعور بعدم القبول أو أنه منبوذ أو مكروه أو مهمل، مما قد يدفعه إلى الانتقام أو التخريب أو العنف في تصرفاته، لذلك لابد من السعي لإعطاء أولادنا الأمان بكل الوسائل الممكنة.
لابد أن نعرف أن حياة أولادنا ليست هي الدراسة فقط، فهذا يضر بأبنائنا وبشخصياتهم المستقبلية، وإن الله أعطى كل منا ملكات وقدرات ومواهب فريدة، وذكاء الأم والأسرة في تفجير هذه الطاقات ومعرفتها جيدا والاستفادة المثلى منها.