في مستهل القرن الثالث الهجري وما تلاه، ظهرت لدى العرب والمسلمين فكرة التّجوال في البلاد، ورصدِ ما بها من أعاجيب، ووصف الأقاليم وتضاريسها، وطبيعة حياة الشعوب، وتدوينها في كتب أضحت فيما بعد أيقونة ومنهاجا، ومرجعا يعود إليه الباحثون عربيا وغربيا، وتسطّر بشأنه العديد من المقالات والكتب. هؤلاء 10 من أشهر الرحالة العرب والمسلمين – وغيرهم كثيرون- من شغلوا العالم برحالاتهم. الترحال في الأرض و السفر من السنن التي يدعو إليها القرآن الكريم سورة العنكبوت : “قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” ، و قد انطبق السير في الأرض و الترحال على العديد من الرحالة العرب والمسلمين، منهم من ارتحل من نفسه و منهم من اضطرته الظروف و المقادير إلى تغيير المنزل و السفر المستمر، و لا شك أن الرحالة العرب كانو كثرا إلا أن بعضهم اشتهر دون الآخرين، لذا إرتأينا أن نلقي نظرة على 10 من أشهر الرحالة العرب والمسلمين، الذين كان لهم أثر كبير في المسارات الجتماعية والاقتصادية والثقافية والانسانية.

1- ابن بطوطة .. أمير البحار وتحفة النظاّر

ابن بطوطة (24 فبراير 1304 – 1377م بطنجة) (703 – 779هـ)، هو دون شك أشهر الرحالة العرب والمسلمين على الإطلاق، جاب الكثير من الأمصار و القطار و دون مشاهداته في كتابه الشهير “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار “، و اسمه محمد بن عبد الله بن محمد الطنجي المعروف بابن بطوطة ولد في طنجة لعائلة مسلمة اهتمت بالعلوم الشرعية، فتلقى ابن بطوطة العلوم الشرعية والعربية والآدب، وهذا ما أعانه على صياغة كتابه الشهير، و بعدما درس الشريعة قرر السفر حاجا، و بهذا بدأت رحلة أسفار دامت أكثر من 30 سنة و قد زار : المغرب ومصر والسودان والشام والحجاز والعراق وفارس واليمن وعمان والبحرين وتركستان وما وراء النهر وبعض الهند والصين الجاوة وبلاد التتار وأواسط أفريقي. ويعتبر ابن بطوطة من أشهر الرحالة العرب والمسلمين من أوائل الرحالة في العالم،  دار ابن العالم القديم بأسره خلال ثلاث رحلات، بدأ شغفه بالترحال عند ذهابه لمكة بقصد أداء فريضة الحج، فمر ببلاد شمالي أفريقيا حتى بلغ مصر ففلسطين وسوريا وصولًا للحجاز، وتابع لبلاد فارس مرورًا بالعراق والأناضول وكذلك دار في الجزيرة العربية. ولم يقصر رحلاته على الدول العربية، بل بلغ الهند والسند (باكستان حاليًا) وعاشر أهلها وأكمل إلى الصين والفلبين وأندونيسيا والبنغال وسيلان وجزر المالديف وغيرهم الكثير في رحلات قلّ من قام بشبيهها في عصره. كان كتابه “تحفة النُّظار في غرائب الأمصار” تحفة بمعنى الكلمة حيث جمع فيه الطرائف والغرائب والأساطير وما سمعه من تلك البلدان الكثيرة خلال 30 عامًا من الترحال. ومع ذلك فلم يرِدنا عن سيرة ابن بطوطة الشخصية سوى سطور يسيرة أوردها ابن حجر العسقلاني في كتابه “الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة”، وابن خلدون في مقدمة “العِبر وديوان المبتدأ والخبر”، ولسان الدين بن الخطيب نقلًا عن أبي البركات البربري، حين اختصّه بجملة: “هذا رجل له مشاركة يسيرة في الطّلب”، وذلك في كتابه “الإحاطة في أخبار غرناطة“.

2- الشريف الإدريسي .. راسم خريطة العالم

الشريف الإدريسي 493 هـ (1100 ميلادية)- 559هـ 1166م، هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إدريس الشريفي أو الشريف الإدريسي عالم مسلم من أهل البيت. أحد كبار الجغرافيين في التاريخ ومؤسسين علم الجغرافي، استخدمت مصوراته وخرائطه في سائر كشوف عصر النهضة الأوربية. حيث لجأ إلى تحديد اتجاهات الأنهار والمرتفعات والبحيرات، وضمنها أيضًا معلومات عن المدن الرئيسية بالإضافة إلى حدود الدول. يعتبر الادريسي واحد من 10 من أشهر الرحالة العرب والمسلمينمن، وهو أول من رسمو خريطة للعالم تطابق الشكل الذي نعرفه اليوم .

3- ابن جبير الأندلسي .. جغرافي وأديب فترة الحرب

أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير الكناني المعروف باسم ابن جبير الأندلسي ولد في فالنسيا سنة 540 هـ، 1145م، هو جغرافي، رحالة، كاتب وشاعر أندلسي عربي. أتم حفظ القران الكريم، ودرس علوم الدين وشغف بها قرر القيام برحلة الحج التي دامت ما يقرب السنتين ودون مشاهداته وملاحظاته في يوميات عرفت برحلة ابن جبير، وسميت باسم “تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار و انطلقت رحلته من غرناطة ،سبتة، بالرمو ، جزيرة كريت ، صقلية ، الاسكندرية ، القاهرة ، مكة ، المدينة ، دمشق، بغداد ، الموصل ، حلب . قرر بن جبير بدء رحلته من الأندلس للمشرق العربي بغرض الحج، فشملت رحلته مصر وبلاد النوبة والحجاز ونجد والعراق والشام والعديد من الأمصار، وقام ابن جبير بثلاثة رحلات إحداها كانت بعد سماعه بفتح صلاح الدين الأيوبي لبيت المقدس، ليزوره وقد رفع علم الإسلام فوقه، في الصورة المرفقة مسيرة رحلات ابن جبير. ألّف كتابه “رحلة ابن جبير” ودوّن فيه خلاصة رحلاته الثلاث، ومما يذكره في هذا الكتاب عن نصارى جبل لبنان: “ومن العجب أن النصارى المجاورين لجبل لبنان إذا رأوا به بعض المنقطعين من المسلمين جلبوا لهم القوت وأحسنوا إليهم، ويقولون: هؤلاء ممن انقطع إلى الله -عز وجل- فتجب مشاركتهم. وهذا الجبل من أخصب جبال الدنيا، فيه أنواع الفواكه، وفيه المياه المطردة والظلال الوافرة، وقلما يخلو من التبتل والزهادة، وإذا كانت معاملة النصارى لضد ملتهم هذه المعاملة فما ظنك بالمسلمين بعضهم مع بعض”. وقد صف لسان الدين بن الخطيب ابن جُبير الكناني الأندلسي في كتابه “الإحاطة في أخبار غرناطة” بأنه: “كان أديبًا بارعًا، شاعرًا مجيدًا، سريّ النفس، كريم الأخلاق”. كان ابن جبير من أوائل المدوّنين لحالة الناس إبان الحرب الدائرة في الشرق بين المسلمين والصليبيين، فوصف بدقّةِ الأديب حالة التوادد بين المسلمين والمسيحيين في عهد صلاح الدين الأيوبي الذي كان شديد الإعجاب به.

4- أحمد ابن فضلان .. ملهم السينما الأمريكية

أحمد بن العباس بن راشد بن حماد البغدادي، عالم إسلامي من القرن العاشر الميلادي . كتب وصف رحلته كعضو في سفارة الخليفة العباسي إلى ملك الصقالبة (بلغار الفولجا)سنة 921 م. فقد زار أحمد بن فضلان روسيا برسالة من الخليفة العباسي إلى ملك الصقالبة. وصل ابن فضلان إلى البلغار يوم 12 مايو 922 (12 محرم 310 هـ)، (وقد اتخذت تتارستان المعاصرة من تلك المناسبةً يوم عطلة دينية). وقد ألهمت رحلة ابن فضلان رواية “آكلة الموتى” وفيلم “المحارب الثالث عشر (The 13th Warrior)  من إخراج جون مكتيرنان. وقد جسّد الممثل العالمي أنتونيو باندرياس فيه شخصيةَ ابن فضلان، وإلى جواره كان الممثل العربي عمر الشريف الذي أدّى دورَ المترجم. في ختام رواية “آكلة الموتى” للروائي الأمريكي مايكل كرايتون، الصادرة عام 1976، تؤكد أن الفصول الثلاثة الأولى منها ما هي إلا إعادة سرد لشخصية أحمد بن العباس بن راشد بن حماد البغدادي، المعروف بابن فضلان، ذلك الرحالة العربي الذي عرّف العالم الإسلامي في القرن العاشر الميلادي ببلاد الترك والروس والصقالبة، من خلال رحلة بدأت عام 309 هـ، بتكليف من الخليفة العباسي المقتدر بالله.

5- أحمد ابن ماجد النجدي .. معلم بحر الهند

أحمد بن ماجد بن محمد السعدي النجدي (821هـ -906هـ) “النجدي” ملاح وجغرافي عربي مسلم، برع في الفلك، الملاحة، والجغرافيا وسماه البرتغاليون (بالبرتغالية: almirante) ومعناها أمير البحر، ويلقب”معلم بحر الهند”، ينتسب إلى عائلة من الملاحين. كتب العديد من المراجع الملاحية، وكان خبيراً ملاحياً في البحر الأحمر وخليج بربرا والمحيط الهندي وبحر الصين. ويتمتع أبن ماجد بأشهر اسم في تاريخ الملاحه البحرية لإرتباط اسمه بالرحلة الشهيره حول رأس الرجاء الصالح إلى الهند حيث قام ابن ماجد بمساعدة فاسكو دي جاما لأكتشاف طريق الجديد الموصل إلى الهند. ولأبن ماجد الفضل في أرساء قواعد الملاحه للعالم، وفقد بقيت آراؤه وأفكاره في مجال الملاحه سائده في كل من البحر الأحمر والخليج العربي وبحر الصين حتى سنة 903 هجرية وهو أول من كتب في موضوع المرشدات البحرية الحديثه.

6- الحسن الوزان ..الأسد الإفريقي

من أشهر الرحالة العرب والمسلمين رحالة اسمه ليون الأفريقي أو يوحنا ليون الأفريقي أو يوحنا الأسد الأفريقي هو الحسن بن محمد الوزان الزياتي الحسن بن محمد الوزان الفاسي. اشتهر بتأليفه الجغرافي في عصر النهضة. ولد ليون الافريقي في غرناطة 901 هـ / 1495م ثم ارتحل مع عائلته إلى فاس، و بعد أن كبر قام برحل تجارية الى تمبكتو ثم طاف المغرب و بعدها ذهب إلى مصر و تم اختطافه من القراصنة ليسلم إلى البابا ليون العاشر الذي سماه ليون و طلب منه كتابة قصة رحلاته ، فكتب كتابا اسمه : وصف افريقيا . عاد إلى تونس ليقضي بها آخر أيامه.

7- المسعودي .. العلامة والمؤرخ

العلامة والمؤرخ والرحالة علي بن الحسين المسعودي، كان من رحالة القرن الرابع للهجرة، ترك العديد من المؤلفات في التاريخ، توفي سنة 346هـ، ينحدر من أسرة عربية عريقة جدها الصحابي ابن مسعود رضي الله عنه. زار الرحالة العديد من البلدان والأمصار من المحيط الهندي وشواطئه في أفريقيا، إلى بلاد الهند والصين وبحر قزوين وآسيا الصغرى والشام ومصر وبلاد العرب. وهنا أهم رحلتين قام بهما: الأولى في عام 309هـ حيث زار مصر وبلاد فارس، وجزيرة سيلان، ومدغشقر، وعمان. والثانية في عام 314هـ حيث زار ما وراء أذربيجان وجرجان (إحدى مدن إيران حاليًا) والشام وفلسطين. كانت هذه الرحلات ذات هدف علمي بحت فقد أراد المسعودي منها زيادة معرفته بالجغرافيا والتاريخ، وهذا من تطبيق عملي للآية الكريم: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). فالإسلام لم يأت ليحارب العلم، بل ساير العلم ودفع للتعلم والتفكر وإعمال العقل في الكون والمحيط، فرحلات المسعودي العلمية كانت دليلًا على ذلك. يقول المسعودي في كتابات له عن تجارة العاج: “والفيلة في بلاد الزنجِ في نهاية الكثرة، وحشية كلها غير مستأنسة، والزنج لا تستعمل منها شيئًا في حروب ولا غيرها، بل تقتلها، وذلك أنهم يطرحون لها نوعًا من ورق الشجر ولحائه وأغصانه يكون بأرضهم في الماء، ويختفي رجال الزنج، فترد الفيلة لشربها، فإذا وردت وشربت من ذلك الماء حرقها وأسكرها، فتقع، ولا مفاصل لقوائمها ولا ركب على حسب ما قدمنا، فيخرجون إليها بأعظم ما يكون من الحراب فيقتلونها لأخذ أنيابها، فمن أراضيهم تجهز أنياب الفيلة، في كل ناب منها خمسون ومائة مَنًّ، بل أكثر من ذلك والاثنان منها ثلاثمائة مَنًّ (ميزان يساوي 180 مثقالًا)، وأكثر من ذلك فيجهز الأكثر منها من بلاد عمان إلى أرض الصين والهند، وذلك أنها تحمل من بلاد الزنج إلى عمان، ومن عمان إلى حيث ذكرنا، ولولا ذلك لكان العاج بأرض الإسلام كثيرًا”.

8- محمد المقدسي .. أكبر جغرافي عرفته البشرية

محمد بن أحمد بن أبي بكر المقدسي، علامة وجغرافي ورحالة، ولد في فلسطين في القدس سنة 335هـ، ومما ساعده على التنقل والسفر تحدثه بالفارسية كون أمه أعجمية من خراسان، كان محمد المقدسي مميزًا بشخصيته وعلمه، فقد حصل العلوم والمعارف الكثيرة، وصقل السفر شخصيته وتجربته. يقول المستشرق أليس سبرنجر عنه: “أكبر جغرافي عرفته البشرية قاطبة” ويشرح سبرنجر مقولته: “ولا أعني بذلك أن كتابه في الجغرافيا يفوق المؤلفات الحديثة في هذا الفن إذ يعوزه من أجل ذلك تجربة الأجيال التالية، ولكنه من المحتمل أنه لم يسبقه شخص في اتساع مجال أسفاره وعُمق ملاحظاته وإخضاعه المادة التي جمعها لصياغة منظمة”. ألّف المقدسي كتابًا في الجغرافيا أسماه “أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم” وهو في الآن نفسه كتاب رحلاته، فقد كان متعارفًا عن العرب أن كتابتهم في الجغرافيا تعني كتابة ما شاهدوه وعاينوه على أرض الواقع، لا الكتابة بشكل نظري. امتلك المقدسي طاقة الشباب وعلو الهمة فوظفها في السفر والترحال، فقد دار العالم الإسلامي كله، وزار مدنه وقراه، وهو لم يبلغ الأربعين، وعند بلوغه الأربعين أعلن عن كتابه “أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم” فختم تجربة عريضة من السفر والترحال بكتاب قيم، يعرّف الناس بالأقوام الأخرى ومكان عيشهم. ومما كتبه عن عجائب الدنيا: “عجائب الدنيا ثلاث: منارة الإسكندرية وقنطرة سنجة، وكنيسة الرها. فلمّا بني المسجد الأقصى جعل بدل الكنسية، فلما هدمته الزلزلة جُعل موضعه جامع دمشق (جامع بني أمية)، وهذه القنطرة على خمسة فراسخ من جبل الجوديّ، كبيرة شاهقة متصلة بالجبل على حجر مخوّخ مركبة، إذا زاد عليها الماء اهتزت.

9- محمد البيروني .. أبي الريحان الموسوعي

هو محمد بن أحمد البيروني يكنى بأبي الريحان، علامة وأديب وفيلسوف ورحالة من إقليم خوارزم، ولد في 362هـ، ويطلق المؤرخ جورج سارتون على النصف الأول من القرن الحادي عشر الميلادي اسم “عصر البيروني”، ومن المميز في البيروني عن غيره هو منهجه العلمي في وصف ودراسة الحضارات الإنسانية، وانتهت رحلته في سنة 440هـ. ومن المميز برحلة البيروني أنه صاحبَ السلطان محمودًا الغزنوي والذي فتح بلاد الهند، فراعى السلطان مكانة البيروني العلمية، عايش البيروني أهل الهند أربعين سنة يدرس ويمحص حياتهم وحضارتهم وخرج بكتابه الشهير “تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة” وهو متواجد على الشبكة العنكبوتية. ويمكن اعتبار كتابه بمثابة موسوعة جغرافية للهند وتاريخها ومعارفها في العلوم المختلفة، حتى من إمعان البيروني بحياتهم أن تعلم لغتهم القديمة السنسكريتية. تحدث في كتابه عن عقائدهم وأديانهم وعاداتهم وتقاليدهم وذكر أدق التفاصيل عن حياتهم حتى وصل للحساب والرسم والخط وأسماء الكواكب والأقمار والكثير، فسوّد مئات الصفحات في حياة الهند فكان كتابه مرجعًا لمعرفة تلك الحضارة في بداية الفتح الإسلامي لبلاد الهند والسند.

10- ابن خلدون .. مؤسس علم الاجتماع

عندما نتحدث عن أشهر الرحالة العرب والمسلمين يجب أن نتحدث طبعا عن العلامة والمؤرخ والأديب الرحالة، مؤسس علم الاجتماع والعمران عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون، عرفه العالم بأسره من مشرقه حتى مغربه لأنه مؤسس علم الاجتماع كما أسلفنا، ولد عام 732هـ من عائلة عربية أصلها من اليمن، ولكنه ولد في تونس. تنقل في بلاد المغرب والأندلس واستقر في مصر، وتولى هناك القضاء سنة 876هـ إلى أن غرقت أسرته في البحر بعد طلبه لهم للقدوم من تونس، فحزن لذلك كثيرًا وترك منصبه وتفرع للكتابة والتدريس. أينما ارتحل ابن خلدون كان يتولى منصبًا لحكمته وخبراته الكثيرة وعلمه الواسع، فمن رحلاته دخول الأندلس مرتين وزيارة مصر والحجاز والشام وأصبح أمينًا للسر لسلطان مراكش، وكذلك رافق قطز في حملته ضد تيمورلنك في الشام، وتولى رئاسة الوزراء في بجانة إحدى بلاد الجزائر. جمع ابن خلدون رحلاته في كتابه “التعريف بابن خلدون ورحلته غربًا وشرقًا” ويذكر فيه وصفًا للقاهرة: “حضر صاحبنا قاضي العسكر بفاس الكاتب أبو القاسم البرجى بمجلس السلطان أبي عنان، وسأله عن القاهرة فقال: إن الذي يتخيله الإنسان فإنما يراه دون الصورة التي تخيلها، إلا القاهرة فإنها أوسع من كل ما يُتخيل فيها”.