* شيلي رايت

يدور النظام المدرسي الحالي حول الأكاديميات، وأعتقد أن هذا النظام  فشل فشلا ذريعا لتقديم ما يحتاجه أطفالنا.

ولنكن صادقين، أعتقد أن النظام الأكاديمي فى التعليم يعاني من المبالغة في أحسن أحواله، وفي أسوئها فإنه يدمر عدداً من أطفالنا.

أنا لا أقول أن أطفالنا يجب أن لا يتعلموا القراءة، أو الرياضيات، أو يتقنوا المهارات القيمة الأخرى، ولكن أغلب تركيز أطفالنا أثناء اليوم الدراسي هو على المحتوى دون دراية كافية بجدواه وفائدته، وبدلا من قضاء الساعات على الدراسة ينصرف الوقت لملء أوراق التمارين والواجبات أو نسخ المحاضرات التي بإمكانهم العثور عليها من جوجل خلال 30 ثانية.

أغلب هذه المحاضرات مملة وغير ذات صلة بحياتهم، ومن خلال تجربتي الشخصية، معظم هذا المحتوى يتم حفظه ببساطة من أجل الامتحان ثم يُنسى بسرعة .

وإذا ما تأملنا الأمر جيدا سنجد غالبا هنالك إجابة واحدة صحيحة لكنها تزرع في طلابنا الخوف من الفشل.

إجادة القفز

الأطفال الذين نعتبرهم “أكاديميين” هم الذين يجيدون القفز من حلقة السيرك. لقد فهموا كيف يعمل النظام التعلمي وتحركوا وفق متطلباته بحسب ما يطلب منهم لكنهم فى حقيقة الأمر لا يتطورون من خلال تعلمهم، إنهم بارعون فقط فى تلبية طلبات النظام التعليمي.

تبين البحوث تفوق بعض الطلاب الأقل مشاركة في الصف الدراسي وأنهم يحسنون صنعا لأنهم يعرفون كيفية “الأداء فى المدرسة”.

هل هذا أفضل ما لدينا لنقدمه لهم ؟ ماذا لو كنت غير”أكاديمي”؟ معظم هؤلاء الأطفال قضوا سنوات طويلة من حياتهم  وينتابهم شعور أنهم دون المستوى المطلوب. لديهم شعور بالغباء. وبالنسبة للبعض، فإن ذلك يغير جذريا مسار حياتهم. للأسف، كثير منهم يشعر بالتعافي بعد تخرجه من المدرسة. هل هذا  ما نريده لهم؟

كنت أدرس بهذه الطريقة

بكل أمانة، يجب أن أعترف أني كنت أؤمن بهذا النظام الأكاديمي. لسنوات عديدة جدا يجلس طلابي في الصف وأنا أسأل الأسئلة ولدي الإجابات وبذلك أسيطر على العملية التعليمية.

والحقيقة أنني فعلت ذلك لأن ذلك ما أعرفه و تدربت عليه، وهذا ما رأيته مراراً وتكراراً في الجامعات وفي الفصول الدراسية للمعلمين الآخرين وكنت أعتقد أن إحراز الدرجات الجيدة هو الأهم.

 كنت أعتقد كمعلم لغة إنجليزية بأن قمة النجاح في إتقان اللغة هي القدرة على كتابة “مقال” ولكن تغير موقفي كليا وأصبحت أعتقد الآن أن كتابة المقال التقليدي أحد أكثر الأشياء عديمة الفائدة التي نعلمها لطلابنا.

مؤخرا، بدأت أسأل الناس الذين أعرفهم، “هل سبق أن قمت بكتابة مقال؟” لم أجد شخصاً واحد يقول نعم. وأتساءل كم من المعلمين باستثناء أولئك الذين تلقوا دروسا في الجامعة، قاموا بكتابة مقالات حقيقية. إذا جاز لي أتساءل كم من مدرسي اللغة الإنجليزية يقومون بكتابة المقالات بانتظام؟

أنا لا أقول أن أطفالنا لا يجب أن يتعلموا الكتابة، بل على العكس، أعتقد أنه يجب عليهم اتقان مهارات التحدث بدرجة مقنعة لكن في نفس الوقت هم بحاجة لمعرفة ما يعتقدون أنه مهم ولماذا يقومون به.

ببساطة، أعتقد أن تعلم كتابة المقال وسيلة لم تعد لها فائدة، على الأقل في المرحلة الثانوية.

لقد أدركت أيضاً أن كونك “أكاديمي” لا يخبرك كثيرا عن نفسك إنما هي دلالة على إجادتك في المدرسة، وهذا أمر جيد إذا كنت تخطط لقضاء حياتك في الأوساط الأكاديمية، ولكن عدد قليل جدا من طلابنا ينوون القيام بذلك. هذا الأمر لا يشير إذا كنت سوف تنجح في زواجك، وتربية أطفالك، وإدارة أموالك، أو تنفع مجتمعك.

ينبغي أن تكون المدرسة مكان اكتشاف رغبات الطفل، ينبغي أن يكون الطفل قادراً على طرح الأسئلة التي تهمه ومتابعة البحث عن أجوبة، يجب أن يكتشف ذاته ومايدفعه للحماس، يجب أن يكتشف أنه يستطيع أن يحدث فرقا من الآن.

وقبل كل شيء، يجب أن يتخرج من المدرسة وهو على دراية بما يجيده.

اليوم، أعتقد أن معظم الأطفال يتخرجون وهم يعرفون إذا ما كانوا جيدين في المدرسة أم لا.  بعض الطلاب لديهم عدد من المواهب وأحيانا المنهج الموضوع لا يتناسب مع ملكاتهم، بسبب عدم اعتبارها “معرفة حقيقية” على الأرجح.

في منهج الأحياء الذي كنت أدرسه على مدى سنوات ماضية أحد الأهداف التي يحتاج طلابي لمعرفتها هو استنساخ ديدان الأرض. حقا ؟ من بين كل الأشياء التي يمكن تدريسها من علم الأحياء لطالب بلغ الـ 17 عاما  قرر شخص ما – أو هيئة ما – أن إستنساخ دودة الأرض هو  أمر ضروري !

طلابنا فقدوا خاصية الفضول

 الفضول صفة تنشأ منذ الصغر وتنمو مع الأطفال في بيئتهم بشكل طبيعي دون أن يخبرهم أحد.

الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنة وثلاث سنوات يتساءلون باستمرار، وأحيانا بشكل مزعج، “لماذا؟”  ولاحظت أن طلابي عندما يصلون للفصل العاشر يفقدون حاسة الفضول.

نتيجة لذلك، عندما أقوم بتعليم فئة جديدة من الطلاب أبدأ بإتباع أسلوب مغاير من خلال تخيل ما يمكن أن تكون عليه المدرسة، خلافا لما خبروه طوال 10 سنوات، عندها فقط يمكننا الانتقال إلى عمل يساعدهم على أن يصبحوا متعلمين مدى الحياة ويجعلهم يستمرون في البحث عن إجابات.

مؤخراً قرأت للكاتبة  أماندا لانغ  كتابها “قوة لماذا” تقول فيه : ” الأطفال الفضوليين يتعلمون كيفية التعلم، وكيفية الاستمتاع بذلك – وهذا أكثر من أي شكل محدد للمعرفة، وهذا هو ما سوف يحتاجون إلىه في المستقبل. العالم يتغير بسرعة كبيرة بحيث أنه بحلول الوقت الذي يتخرج الطالب من الجامعة، كل شيء  تعلمه قد يكون بالفعل قد تقادم. الأمر الرئيس الذي يحتاج الطلاب إلى معرفته هو ليس ما يفكر به ولكن كيف يفكر من أجل مواجهة التحديات والمشاكل الجديدة “.

تعلم كيف تتعلم وتفشل

لا يحتاج نظام مدارسنا إلى خلق أطفال جيدين في المدرسة. بدلا من ذلك، نحن بحاجة إلى خلق بيئة محفزة لمشاركة المتعلمين، وتعزز الإبداع، وتضع مسؤولية التعلم في مكانها الطبيعي – مع طلابنا- وبدلا من طريقة الدراسة عن ظهر قلب، يحتاج المعلم لاستخدام المحتوى لتعليم المهارات.

نحن بحاجة إلى بناء بيئات تتيح فرصة حدوث حالة فوضى وهدم وبناء للأشياء والأفكار، نظام يسمح للطلاب تعلم أدوات التعلم، وتمييز أفضل الوسائل بحيث يشارك الطلاب في البحوث وكيفية تحديد الموارد بمصداقية في ظل وفرة المعلومات.

وعلاوة على ذلك، يحتاج طلابنا ليكونوا قادرين على ابتكار حلول والفشل مرارا وتكرارا وكل ذلك فى جو من التعاون. إنهم في حاجة  للقدرة على التواصل باستخدام وسائل الطباعة، والتصوير الفوتوغرافي والفيديو.

ثلاثة أسئلة مهمة للطالب

لقد أدركت مع طلابي أنهم بحاجة إلى أن يكونوا قادرين على الإجابة على ثلاثة أسئلة، بغض النظر عن ما نقوم البحث عنه:

ما الذى تتعلمه؟

كيف تتعلمه؟

كيف ستثبت لي أنك تتعلم؟

في كثير من الأحيان طريقة فهم الطلاب للسؤال الأخير تعود إليهم ودائما تفاجئني النتائج التى يتوصلون اليها.

لقد  طرأ تغيير كبير على الفصول الدراسية التى أدرسها وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية وتحولنا إلى نموذج التربية البنائية التي لم تقتصر على تغيير نمط تفكيري وإنما امتدت لطلابي، وأصبحنا نتعلم في فصول دراسية يطلق عليها “فصول التحقيق”، كما اعتمدنا على طريقة ( PBL التعلم القائم على المشاريع ) وتقوم على تطبيق الطلاب لمعارفهم في حل مشكلات حقيقية.

كانت هذه الرحلة في بعض الأحيان مؤلمة وفوضوية، ولكن تستحق الجهد.

إن أكبر درس تعلمته هو أن طلابي سوف يتجاوزون توقعاتي إذا سنحت لهم الفرصة.