في النصف الشرقي من الكرة الأرضية، تحديداً في بلاد كوريا الجنوبية ستتفاجىء عند سماعك صوت الآذان وعبارة “السلام عليكم” عند الترحيب بك. أجل إننا في كوريا الجنوبية ولسنا في دولة عربية !

في بلدٍ نصف سكانه بلا دين، ستجد مجموعة لا بأس بها من المسلمين، ففي العاصمة سيول وحدها يتواجد حوالي 150000 شخص مسلم وثلثلهم من أصل كوري. في العام 1976 تمَّ افتتاح أول مسجد في وسط العاصمة سيول، وفي منطقة اتايوان السيولية ستجد الكثير من مطاعم الأكل الحلال والمتاجر الإسلامية. ويعتبر مسجد سيول المركزي واحداً من خمسة عشر مسجداً في البلاد، هذا فضلاً عن الغرف المخصصة للصلاة في المطار والجامعات والمتاجر الكبرى.

أن تكون مسلماً في كوريا فهذا يعني أن تتمسك بالحضارة والثقافة الكورية وأن تمارس أيضاً الطقوس الإسلامية، فالشخص المسلم في كوريا لن يشبه الشخص المسلم العربي إلا في ممارسة الطقوس الدينية، وذلك يعود إلى الاختلاف الحضاري والثقافي.

يعود تاريخ كوريا الجنوبية مع الإسلام إلى منتصف القرن السابع حيث كانت التجارة مزدهرة ما بين العرب والتانغ في الصين ومن هناك امتد هذا الرباط الثقافي والتجاري إلى كوريا الجنوبية، وفي القرن التاسع اتخذ بعض تجار العرب والفرس من كوريا الجنوبية مكاناً دائماً لهم للاقامة وقد أسسوا المدن التي يطغى عليها الطابع الإسلامي، ومع مرور الزمن اندمج المسلمون مع الشعب الكوري وكان الزواج من الكوريات أهم عامل في التفاعل الحضاري وتثبيت الإسلام في كوريا. في القرن الخامس عشر اتسعت عملية التبادل التجاري بين كوريا الجنوبية الأخرى، الأمر الذي أدى إلى دخول مجموعة من قبيلة “هوي” وهي قبيلة مسلمة في الصين.

إبان حكم مملكة الكوريو استطاع المغول في وسط آسيا توسيع رقعة بالاتفاق مع سلاسة يوان وقد شمل هذا النفوذ منطقة كوريا الجنوبية بالاضافة إلى شمالي الصين والخيتان والجور شين، وفي تلك الفترة هاجرت أسر يابانية وعربية وفيتنامية ويوغورية ومنشورية وصينية إلى كوريا الجنوبية. في القرن العشرين وخلال الحرب الكورية أرسلت تركيا وتحت طلب من الأمم المتحدة لواء تركي يضم الفرق التركية العسكرية، وخلال الحرب كان للأتراك دوراً في المساعدة الانسانية والتعليمية والمساهمة الثقافية، وبعد انتهاء الحرب ظلت بعض الفرق التركية كقوة لحماية السلام، وفي العام 1955 تمَّ بناء أول مسجد اسلامي في كوريا الجنوبية. وفي العام 1962 أعطت الحكومة الماليزية هبة مالية لبناء مسجد في سيول والذي قد تمَّ افتتاحه لاحقاً في العام 1976، وتنتشر المساجد اليوم في العديد من مدن كوريا الجنوبية مثل بوسان وأنيانغ وجيونغ جي وجوان جو وجيون جو وداي جو وكاي سونغ.

للاقتصاد الشرق أوسطي والعربي دور في تعزيز حركة الأموال في كوريا الجنوبية، فلكوريا الجنوبية دور في بناء برج خليفة ومحطة براكة للطاقة النووية في الامارات العربية المتحدة ومحطات توليد الطاقة في المملكة العربية السعودية. وتسعى كوريا لبناء مدارس حكومية اسلامية مخصصة للأطفال المسلمين، والخطة تسمل أيضاً افتتاح مركز ثقافي اسلامي وجامعة اسلامية، وفي العام 1990 تمَّ تأسيس مدرسة سلطان بن عبد العزيز في كوريا الجنوبية لتعليم اللغة العربية والثقافة الإسلامية، والجدير بالذكر أن وزارة الخارجية الكورية تقيم إفطار رمضاني كل سنة منذ العام 2004.

الكثير من الفتيات الكوريات يرتدين الهانبوك، أو الفستان الطويل والمحتشم وهو الزي الكوري الرسمي والتقليدي، فعند رؤيتك للفتيات الكوريات في هذا اللباس لن تستطيع أن تميز بين الفتاة المسلمة وغير المسلمة لأنه لباس موحَّد، ومن وجهة نظرهن أنَّ هذا اللباس لا يتناقض مع الشريعة الإسلامية لأنه محشتم ويستر جسد الفتاة.

يُغير المسلمون الكوريون اليوم وبشكل مدهش وسلس الصورة البشعة التي يصورها الاعلام عن الإسلام بأنه دين الاجرام والقتل، فمن خلال الفن والرسم استطاعت الفنانة الكورية منى هيونمن باي إظهار التقارب والتجانس ما بين الدين الإسلامي والحضارة الكورية، وربما يكون الفن أحد الوسائل الأكثر تأثيراً على الشعب الكوري من خلال إظهار الصورة الجيدة عن هذا الدين وخلق مساحة من الأمان بين الكوري المسلم والكوري غير المسلم. فالهانبوك على سبيل المثال لا يختلف كثيراً عن اللباس الإسلامي المحتشم وهو نقطة التقاء من خلال الملبس. وبما أنَّ الإسلام لا يزال دين غريب في كوريا، يحاول الكثير من مسلمي كوريا استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل انستغرام لتعريف الناس على هذا الدين بصورة جيدة وتقريبه إلى الأذهان.

إن الإسلام ليس حكراً على بلد أو عرق معين، فالانفتاح والتقارب الايجابي ما بين الحضارات والثقافات يجعل من التناقضات واحة للحوار والتلاقي والرقي، وهذه السياسة المنفتحة التي تتبعها كوريا الجنوبية جعلت عدد السياح المسلمين يصل إلى 1,2 مليون سائح عام 2017، ومن المحتمل أن يرتفع هذا العدد في السنوات القادمة.

الانسانية دائماً فوق كل اعتبار وبإنسانيتنا نرتقي ونجلب احترام الغير لنا، هكذا هي كوريا الجنوبية التي تحترم الآخر رغم كل اختلافاته لا بل تسعى إلى الاستفادة منه وتطوير مخزونها الحضاري والثقافي عن طريق هكذا تقارب حضاري.