الأمير عبد القادر كن هو ثاني خليفة للمسلمين بدولة فوتا الإسلامية بضفاف نهر السنغال ( النطاق الحدودي الذي يتداخل فيه شمال السنغال  بجنوب موريتانيا )، و قد تولي الخلافة بعد الأمير المؤسس سليمان بال الذي اشتهر بالورع و العدل.

رفض في الأول تولي الإمامة بعد أن وقع عليه اختيار جماعة الحل العقد، و لم يقبل إلا بعد أن مورست عليه ضغوط كبيرة من قبل الأهالي و أعيان مجلس الحل و العقد البالغ عددهم 50 رجلا، و ذلك بعد أن اشترط عليهم مساعدته في تطبيق الشريعة.

نشأته و صفاته

ولد الأمير عبد القادر كن في حدود سنة 1141 هجرية حوالي 1729 ميلادي، و ترعرع في بيت علم و صلاح فوالده حمادي كان تقيا و ورعا، أما جده الحاج الأمين فقد كان درة من نفائس المنطقة علما و سخاء، و تُجمع روايات أهل المنطقة إلي أن الأمير عبد القادر كن ينتمي لآل البيت و أنه من أحفاد بني صالح الشرفاء.

و قد وصفه بعض علماء المنطقة بأنه فاق أهل زمانه علما و حلما و قيادة،

و لخص  الشيخ عبدل راب صفات الرجل في شهادته المأثورة ، حين قال واصفا أمير المؤمنين عبد القادر كن:” و خُص بجودة الفهم و وفور العلم و العقل و الحلم و البذل، و من فضائله أنه كان بساما من غير ضحك، حليما من غير سفه ، جميلا من غير زينة، عليم من غير رياء، شجاع من غير بغي، و أيده الله بحسن الأصحاب و الوزراء من مبتدأ ولايته إلي آخرها”.

مميزات حكمه

عُرف الأمير بمقاومته للوجود الفرنسي بالمنطقة، و قد كان يبعث بالرسائل إلي ممثلي الاستعمار بالمنطقة يغلظ لهم فيها القول و يحذرهم من المساس بأهل المنطقة و النيل من سيادتها ، و من مواقفه المشهودة في هذا الصدد رفضه للمقدم الفرنسي بيكارد عبور أراضي منطقة “فوتا” سنة 1802، و قد كان يمنع الفرنسيين من بيع و استعباد المسلمين، و له في ذلك مذكرات مؤثرة أرسلها للفرنسيين بـ “سينلوي” زجرا للاتجار بأبناء المسلمين كعبيد.

و من أهم وصايا الحكم التي أسس عليها ملكه وصيته الشهيرة “فليتعاهد العلماء على أنهم لا يرونني في معصية إلا و نهوني عنها، و ليتعاهد أهل الحل و العقد على أن أهل العلم إذا اتفقوا على شيء و أمورهم به أو نهوهم عنه أن يمتثلوا أو يجتنبوا”.

بسط العدل و ساوي بين الناس و أقام الأمن في حدود دولته و كان جيرانه يهابونه  و كان يقيم الحدود، و يقول فيه العالم الموريتاني الشيخ محمد المامي:” زرت الأمير عبد القادر كن و شاهدته يقيم حدود الله في المخالفين “.

و قام بتشيد المساجد التي تؤدي فيها صلاة الجمعة في جميع أنحاء دولته كما شجع حركة التعليم، حيث كان يقف خلف دعم المدارس القرآنية و طلبة العلم.

كما استطاع بناء الثقة بين مكونات شعبه و خلق أجواء من الأخوة و المحبة و المصالحة بين القبائل المتناحرة و المتحاربة ببناء مجتمع يُعلي المصالح العامة للدولة على المصالح الضيقة و الخاصة.

و امتدت فترة حكمه لبلاد “فوتا تور” لما بين سنتي 1776 و 1806، و قد اشتهر بأنه أول حاكم مسلم بالمنطقة قام بمنع تجارة الرقيق سنة 1776، و ذلك قبل قيام الثورة الفرنسية سنة 1789، التي تم بموجبها تحريم بيع الرقيق على مستوي فرنسا.

و كان يضايق سفن الأوروبيين التي تمر بالنهر محملة بالعبيد، و فرض عليها ضرائب كنوع من الردع، كما كان يبذل جهده من أجل تحرير بعض الأرقاء و ذلك بعتقهم.

و قام بمحاربة بعض المماليك الوثنية بالمنطقة ساعتها كمملكتي “كاييور و والو”، فتوسعت دولته و دخل أقوام كثر الإسلام في ظل خلافته.