لا أحد يمكنه أن ينكر أبدا، أنه عندما يسمع كلمة “إفريقيا” تمر أمام مخيلته كثير من الصور النمطية القابعة في اللاشعور، واللاصقة في العقل الباطن بشكل لا يمكن التخلص منه، وكأنه الوشم على الجسد. هي صور الفقر والجهل والتخلف والمجاعة والشحوب..فهل هذه هي إفريقيا حقا؟
عندما نقول إفريقيا، أول ما يتبادر إلى الذهن هي صور جماعات من الزنوج وهم يجوبون الشوارع نصف عراة، بعضلات مفتولة وبشرة سوداء داكنة وشعر مجعد أشعث مغبر على أثر العراك مع الحيوانات. عندما نقول إفريقيا تمر أمامك صور أطفال وقد حطت قطعان الذباب على وجوههم الملطخة باللعاب، أوصور بقايا أجساد وهياكل عظمية إلتصق فيها العظم بالجلد.
قارة سمراء اللون سوداء الحظ
عندما نقول إفريقيا، تتراءى أمامك صور القبائل وملوكها بقدر أهلها، وتبدو أمامك نساء بمختلف الأشكال والأحجام يرتدين عباءات لم تترك لونا من ألوان الطبيعة إلا وقد خطته، فهذه القارة السمراء اللون ،السوداء الحظ، لا تؤمن بالأبيض والأسود، ولا تعترف بعمى الألوان في صالونات المودة، وتصر على استظهار كل الألوان في ملبسها ومأكلها..
عندما نقول إفريقيا تتداخل أمامك صور الفرق الراقصة بموسيقاها وآلاتها التقليدية، وهي تتمايل في أدغال لا حياة فيها، وطبيعة قاحلة لا ثمر ولا أهل فيها، إلا بيوت الأشجار التي تذكرك بمساكن الهنود الحمر في أمريكا.
عندما نقول إفريقيا، لا تنتظر أن تشاهد طالبا مرتب الهندام، يحمل محفظة متوجها إلى جامعة من الجامعات الراقية في مبناها، المتقدمة في مستى تعليمها. لا تنتظر أن ترى أستاذا جامعيا يتحدث بعلم غزير وبصيرة ثاقبة، أو عالما في الفيزياء أو الرياضيات وهو ينبئك بآخر إبداعاته وأفضل إختراعاته.
عندما نقول إفريقيا، تتجمع في ذهنك كل مظاهر الصراعات القبلية والتصفيات العرقية وتجارب الإبادة الجماعية، وتمر أمامك صور أناس، بسيوف وخناجر، وهم يهددون بالذبح والقتل والتنكيل.
الجزء الفارغ من الكأس
فهل هذه هي إفريقيا؟ أو بالأحرى هل هذه هي إفريقيا فقط؟ ألا تسود إفريقيا صور غير هذه في مخيلاتنا؟ لماذا لا ننظر –كما يقال- للجزء الممتلئ من الكأس؟ أم أن كأس إفريقيا فارغ ولا قيمة له تماما مثل كأسها للأمم في كرة القدم؟
هذه القارة التي نصورها بكل أشكال السواد، هي- للأسف- أغنى قارات العالم الحديث و القديم على السواء، من حيث العوامل الطبيعية التي تزخر بها، ولكنها من أفقر القارات على نحو الاستفادة من هذه الموارد، فدولة النيجر مثلا هي أفقر دولة في العالم بمعدل 78% من الشعب تحت خط الفقر، حسب آخر الإحصائيات للأمم المتحدة.
إفريقيا تقبع فوق أكثر من 50% من الثروات النفطية والمعدنية في العالم، بمعنى أن نصف ثروات هذا الكون موجودة في هذه القارة التي بها 95% من الماس في العالم و65% من الذهب و90% من البلاتينيوم وأكثر من 25% من اليورانيوم، ولا زالت تعاني من عدم وجود مياه صالحة للشرب. أفريقيا في الأصل بلد زراعي، لكن أكثر من نصف مليون طفل يموتون سنويا تحت سن الخامسة بسبب سوء التغذية.
كما أن المظاهر التي يعتقد الكثيرون إنها تطبع القارة في سلوكات سكانها، لم تعد في الحقيقة موجودة، فكثير من الدول الإفريقية تحوز الآن على مؤسسات عالمية في التسيير والانضباط، وبعض أنظمة الحكم في إفريقيا أصبحت أكثر ديموقراطية من أنظمة في قارات متطورة كأوروبا وأمريكا، بل أن الصورة النمطية السيئة للإفريقي في كثير من البلدان، قد زالت تماما بحكم عدم اختلافه عن أي مواطن آخر أوروبيا أوأمريكيا .
الإفريقي حصل على خمس جوائز من ست مجالات مختلفة لجائزة نوبل، أولهم الجنوب إفريقي ألبرت جون لوتولي عام 1960، وأشهرهم نيلسون مانديلا في 2013. نوبل الإفريقية أيضا هي الأديب الفرنسي ألبير كامو (المولود في الجزائر) 1957، والمصريان نجيب محفوظ 1988 وأحمد زويل 1999،والغاني كوفي عنان 2001، والكينية وانجاري ماثاي 2004 وهي أول إمرأه سوداء أفريقية تفوز بالجائزة، ثم الليبيريتين إلين جونسون سيرليف وليما غبوي 2011.
إفريقيا هي أيضا ستيف بيكو محرر الوعي وفرانز فانون الطبيب والفيلسوف، هي توماس سانكارا غيفارا إفريقيا، وباتريس لومومبا الذي مات مرفوع الرأس، وجوليوس نيريري رافع لواء الوحدة الإفريقية، وكوامي نيكروما لسان الحرية، وأحمد سيكوتوري النقابي الأسمر، وأحمد بن بلة وجه الحرية الجزائري، وهدى شعراوى زعيمة مصر النسوية، وميريام ماكيبا المغنية والناشطة فى مجال الفصل العنصرى. أفريقيا هي جمال عبد الناصر وهواري بومدين والحسن الثاني وهايلي سيلاسي وبطرس غالي، وهي أيضا جورج ويا و يايا توري وسامويل إيتو ورابح ماجر ومحمد صلاح، وهي أيضا -إذا أردنا- محمد علي ومارتن لوثر كينج وأوبرا وينفري وباراك أوباما وإدوارد سعيد وفاروق الباز..
قاطرات إفريقيا معطلة
لكن في إفريقيا أربعة دول كان بالإمكان أن ترفع القارة إلى مصاف القارات المتقدمة: جنوب أفريقيا الغنية التي تعتبر قريبة من العالم الغربي المتقدم مقارنة بالعالم الأفريقي المتخلف، في حين تعتبر نيجيريا والجزائر ثريتين بالنفط والغاز، إلا أنهما دولتان لا تعكس المؤشرات غنى الثروات لديهما، في حين تعتبر مصر الدولة الحضارة والتاريخ التي لا يستهان بها في بناء بلد ومجتمع متقدم.
لكن هذه الدول التي كان من المفروض أن تكون القاطرة التي تأخذ القارة إلى مصاف التقدم، أصبحت تشكل ثقلا عليها لتعدد مشاكلها الاقتصادية والأمنية والسياسية.
قد يقول قائل أن الاستعمار والأيادي الخارجية والمتربصين بإفريقيا، هو سبب تراجعها وبقائها أسفل درجات التقدم، لكن يوجد الكثير من البلدان في قارات أخرى لا تملك ثروات وسايرت الانتداب البريطاني والاحتلال الأوروبي في نفس الفترة التي استعمرت فيها أفريقيا، كدول جنوب آسيا وأمريكا الجنوبية، إلا أنه يوجد تقدم سريع مثلا في كوريا الجنوبية، وسنغافورة، وماليزيا، وفيتنام بدرجة أقل، وقد أصبحت من الدول الصناعية الكبرى في العالم، في حين ما زالت الجيوش والانقلابات والنزعات العسكرية هي المحدد الأول لتقدم وتخلف الشعوب في أفريقيا.
لذا فعدو أفريقيا ليس الاستعمار و نظريات التآمر الخارجية والهيمنة الغربية على الموارد الاقتصادية فهي عوامل تأتي في المرتبة الثانية بعد العدو الحقيقي وهو مجموعة الفاسدين الذين يقودون الركب إلى المستنقع الفاسد الخاص بهم ويضعون مدخرات الشعوب في أمعائهم المطاطية التي لا تشبع، فلا تصدق من ينعت بلادك أو قارتك بالفقيرة وهي ليست كذلك.