د. طارق القطيبي *

من المترجمين الذين عرجوا على مدينة طليطلة وكانت لهم مشاركات في مجال الترجمة والنقل من العربية المترجم هرمان الألماني الذي لم يتم اكتشاف شخصيته إلا منذ قرنين فقط ، حيث كانت المعلومات عنه وعن أعماله نسج من الخيال، بيد أن الفضل في ذلك يعود للباحث فلوريس الذي أماط اللثام عن شخصيته وعن مساره الفكري وبالمقابل عن إسهاماته المتعددة في مجال الترجمة.

والواقع أن شخصية هذا المترجم المنتمي لمدرسة المترجمين بطليطلة التي كانت موضوع دراسات عديدة خلال السنوات الأخيرة، حيث أن المعطيات حوله كمترجم كانت مجهولة تماما حتى بدايات القرن الميلادي التاسع عشر، وكل المعلومات المتوفرة لحد الآن هي منصبة عليه باعتباره شخصية كنسية مرموقة حسب ما ينقله ب. فلوريس في كتابه “إسبانيا المقدسة”،  والذي أكد فيه أن هرمان الألماني رجل الدين الذي عاش في النصف الثاني من القرن الميلادي الثالث عشر هو نفسه مترجم أرسطو طاليس.

وإذا كان القرن الميلادي التاسع عشر قد أماط اللثام على جوانب متعددة من شخصية هرمان وزاد تأكيدا على كونه مارس الترجمة، فعلى الرغم من ذلك نجد أن جوانب خفية من شخصيته يكتنفها التضليل،  باعتبار أنه كان هناك لبس وغموض تام في ثلاث شخصيات من القرون الوسطى كلها تحمل نفس الإسم، وهو الأمر الذي جعل مؤرخي القرون الوسطى يدخلون في لبس كبير، حيث كان ينبغي الانتظار حتى أوائل القرن الميلادي العشرين حين عرف تسليط المزيد من الضوء والإيضاحات حول شخصيته، وهو الأمر الذي جعل باحثين ومؤرخين معروفين بدراساتهم المتخصصة في تاريخ القرون الوسطى يفشلون تماما في التعرف عليه بشكل كامل مثل شتاينشنايدر وهاسكينز وغيرهم….

بيد أن هذا المجهود تضاعف بشكل كبير انطلاقا من ثمانينيات القرن الماضي، بحيث أصبحنا نتوفر على معلومات وافية عن حياته وأعماله، وهنا يبرز بشكل واضح المجهود الجبار الذي قام به فيريرو أليمبارثي سنة 1983 م، في التعريف بشخصية هرمان الألماني ونفض غبار النسيان حوله ([1]).

وإذا كنا نجهل تاريخ ولادة هرمان الألماني إلا أن المعطيات التي نتوفر عليها تدفعنا دفعا لا رفق فيه ولاهوادة إلى الاعتقاد بأن تاريخ ولادته لا يمكن أن يكون بعيدا عن سنة 1200 م.

ذلك أن أول ترجمة أنجزها من العربية كانت  حوالي عام 1240 م عندما كان في عنفوان شبابه، كما أنه عرض عليه في عام 1266 م منصب ديني رفيع لكنه رفضه لكبر سنه، بيد أن البابا كليمونت الرابع أرغمه على قبول ذلك المنصب الكنسي، أما عن بلده الأصلي فلا نكاد نعرف شيئا كثيرا عن ذلك، إلا ما يمكن أن يستشف من إسمه ذي الطابع اللاتيني الصرف، والذي يشير إلى منطقة في أوروبا الوسطى لغتها جرمانية وإسمه العائلي “الألماني” وهو ما يشير ضمنيا إلى بلده الأصلي، والذي كان معاصروه يطلقونه عليه بعدما استقر نهائيا في قشتالة ([2]).

وقد أقام هرمان الألماني في طليطلة ما بين 1240 و1250 م، حيث اهتم بترجمة مصنفات أرسطو في الخطابة والشعر والأخلاق والسياسة، باعتبارها لا تشكل خطرا في العمق على العقيدة المسيحية، وذلك كي يتجنب الصراع الفكري الذي نشب بين أنصار الفلسفة العقلانية التي تزعمها ابن رشد وأنصار الكنيسة الذين رأوا في ذلك جنوحا تاما عن التعاليم المسيحية، علما أن هرمان الألماني كان من الشخصيات التي كانت تشغل مناصب كنسية عالية، كما أن هرمان الألماني اهتم بترجمة وشرح التلخيصات على نحو ما فعل مع مختصر الفارابي للخطابة وتلخيص ابن رشد للشعر وملخص للأخلاق الذي هو الشرح الأوسط لابن رشد، وهي أعمال سيحتفي بها فريدريك الثاني ملك صقلية الذي كان أكثر إعجابا بالفلسفة والحكمة والفلك ، باعتباره الحكام المشجعين على الغور والبحث في أصنافها ومضامينها العامة ([3]).

و إذا كانت كل الدلائل التاريخية والبيوغرافية التي نتوفر عليها تشير في الأساس إلى أن هرمان الألماني كان سينهي حياته العملية لا محالة كمترجم وأستاذ، إلا أن صديق دراسته في باريس “غيدو فولكودي” الذي تبوأ الكرس البابوي في روما بإسم البابا كليمنتي الرابع، أصدر مرسوما بتعيين هرمان الألماني رئيسا لأساقفة منطقة أستورغا(*) الإسبانية حيث لم يبق في هذا المنصب إلا ست سنوات حيث توفي بعدها سنة 1272م.

ومن المحطات الثقافية الكبرى في مسار هرمان الألماني والتي تدل على قوة نفوذه الكنسي نجاحه في العمل مدرسا بجامعة بالنثيا(*) التي أسسها الملك القشتالي ألفونسو الثامن وذلك بطلب من رئيس الأساقفة “ثيوتييزدي منيسس”،  حيث كان أحد أعمدة هذه الجامعة التي درس فيها ما بين 1263 و1266م ([4]).

والواقع أن هرمان الألماني لم يكن الشخص الوحيد الذي كان يتطلع إلى النهل من علوم العرب من أبناء جيله، ذلك أننا نجد في هذه الحقبة طائفة الشخصيات التي استهوتها الموضوعات التي تجمع بين الدراسة والترجمة والتعليم ، نجد من بينهم على الخصوص بطرس الجليقي وهو فرنسيسكاني من جليقية(*) الذي كان قد عرج على مدينة طليطلة التي تعلم فيها أصول اللغة العربية قبل أن يترأس أساقفة منطقة قرطاجنة ([5]).

* أكاديمي وإعلامي من المغرب


 [1]­ El Traductor Herman El Aleman Ramon Gonzalvez Ruiz, La Escuela De Traductores De Toledo Diputation Provincial De Toledo 1996, P :51

[2]­ El Traductor Herman El Aleman Ramon Gonzalvez Ruiz, La Escuela De Traductores De Toledo Diputation Provincial De Toledo 1996, P :53.

 [3]  أثر ابن رشد في فلسفة العصور الوسطى د. زينب محمود الخضيري، دار التنوير للطباعة والنشر التوزيع بيروت 2007، ص:49

.El Traductor Herman El Aleman Ramon Gonzalvez Ruiz, La Escuela De Traductores De Toledo Diputation Provincial De Toledo 1996, P:57-59.* ­ أستورغا: مدينة كنسية صغيرة في اسبانيا تابعة لإقليم قشتالة ليون. أخذت شهرة خلال القرون الوسطى حيث تضم بعض المعالم الدينية المسيحية التي جلبت لها شهرة باعتبارها شكلت ممرا للحجاج المسيحيين الذين كانوا يترددون على مدينة شنت يعقوب في منطقة جليقية.* ­ بالنثيا: مدينة اسبانية عاصمة مقاطعة بالنثيا بمنطقة قشتالة ليون. وهي غير بلنسية المدينة الأندلسية الشهيرة التي ينتمي إليها بعض أعلام الأندلس مثل الشاعر ابن خفاجة والقاضي ابن جحاف وغيرهم.

[4]Herman El Aleman Ramon Gonzavez Ruiz La Escuela De Traductores De Toledo Diputation Provincial De Toledo 1996, P:56-57.* ­

[5] – إقليم إسباني في الشمال الغربي للبلاد من أهم مدنها شنت يعقوب التي كانت مزارا للحجاج المسيحيين. Ibid, p:58.