ثمّة حالة من الدهشة والتبلّد والذهول يعيشها الكثير من الشباب المسلم كلّما طلَّ علينا حكواتي متفاصح متعالم ليُصدِّع رؤوسنا بأنّه قد اكتشف تفسيراً جديداً لبعض آيات القرآن، يتصادم بشكل فجّ مع اللغة والفقه والتاريخ والفهم المتواتر للقرآن والسُنّة…

فمرّة يطلع علينا أحدهم ليقول بأنّ الجمَل ليس حيواناً، بل هو شيءٌ بخلاف الإبل والبعير؛ وأنّ تفسير لفظ “الجمل” في الآية «حتَّى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياط» هو “الحبل الغليظ”…

ثم تأتيك التعليقات من بعض الشباب الباحثين عن التسلية بالأقوال الغريبة والأخبار الطريفة دونما أيّ تحقق وتثبُّت من صحّة هذه المقولات:

– لا حول ولا قوة إلا بالله، لم نكن نعرف هذا، لقد بتنا لا نفهم لغة القرآن! انشروا هذه المعلومات وصحّحوا مفاهيمكم!

والصواب هو أن ألفاظ “الجمل” و”البعير” و”الإبل” و”الناقة” كلها تعني نفس الحيوان، ولكن بحالات مختلفة… أما الحبل الغليظ فهو “الجُمَّل”، بضمّ الجيم وتشديد الميم.

 

خالِفْ تُعرَفْ!

وتارة يقول لك هذا الشخص بأنّه قد اكتشف في تفسير الآيات أنّ الحوْل غير السّنة؛ فالحوْل – بزعمه – هو عشرة أشهر ونصف، أما السّنة فهي اثنا عشر شهراً؛ وأنّه ينبغي على المسلم – بناءً على ذلك – أن يدفع زكاة ماله إذا مضى على امتلاكه للمال عشرة أشهر ونصف…

والصواب هو أنّه لا يختلف اثنان من علماء اللغة والشرع على أنّ الحوْل هو سنة قمرية هجرية: اثنا عشر شهراً.

وتارة أخرى تجده يثرثر عن الفرق بين الصوم والصيام، فيزعم أنّ الصوم هو الامتناع عن الكلام، بينما الصيام هو الامتناع عن الطعام…

ويكفيك أن تستحضر حديث أركان الإسلام الشهير، الذي يحفظه الصغير والكبير، لكي تدرك أنّ صوم رمضان هو نفسه صيام رمضان، أي أنّ الدلالة الشرعية لكلٍ من الصوم والصيام واحدة:

عن عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله يقول: “بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصوم رمضان”. (رواه البخاري ومسلم).

الكلام المدهش لجذب الجمهور

ينشرون عن “شيخ” مجهول أنّ الرسول لم يكن أُمّيّاً، بل إنّه كان يقرأ ويكتب بــ 73 لغة! تصوّر! ويقولون لك: انشر هذه المعلومة لكي لا يموت المسلمون وهم لا يعرفون قيمة نبيّهم!

سبحان الله!

بغضِّ النظر عن أنّ هذا الكلام يتعارض مع القرآن والسُّنة والمنطق، أوليس عين الإعجاز هو أن يتلو هذا النبيّ الأمّيّ – الذي لا يقرأ ولا يكتب – على العالمين، القرآن الكريم، الذي هو قمّة في البلاغة والفصاحة، ودِقّة النظام، وحُسن التعبير؟

فالقرآن هو معجزة نبيِّنا الباقية والخالدة؛ والإعجاز أنّه لا يقرأ ولا يكتب، لكنّه – لكونه رسول الله -، فإنّ الله هو من يعلّمه لكي يعلّم الناس.

شخص آخر تفشّى كلامه في مواقع التواصل يقول لك بأنّه، بعد دراسته المُعمَّقة للعقيدة الإسلامية الصحيحة، اكتشف أنّه لا يجوز إطلاق لفظ “الأديان السماوية” على اليهودية والنصرانية، فهي ليست أدياناً وإنّما شرائع، ويدعونا لتصحيح عقيدتنا!

والصواب هو أنّ هذا المصطلح – أي وصف اليهودية والنصرانية بأنّها أديان سماوية – لا حرج فيه، فمعناه أنّها – في أصلها ومنشئها وأساس التوحيد الذي بُعثتْ به – ليست من إحداث البشر، بل هي نازلة من السماء من عند الله، وإنْ كان البشر حرّفوها وزادوا فيها ونقصوا؛ بَيْد أننا نجزم ونعتقد بأنّ جميع الأديان السماوية منسوخة بالدين الإسلامي، وأنّه لا يجوز لأحدٍ اليوم أن يتعبّد الله إلا بالإسلام: “ومَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسلامِ ديناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخاسرين”.

المزيد من الإنجذاب والإندهاش. ما هذا يا شباب؟

مؤخّراً ظهرت امرأة حسناء ذات عينين متلوّنتين: مرّة خضراوين فاتحتين، وتارة خضراوين غامقتين، وتارة أخرى بُنيّتين – بحسب مقتضى الحال -، تتقمص شخصية الواعظة المكتشفة للجديد، فتتدلّع علينا في مقطع مصوّر تقول فيه بأنّ الناس في كندا يسألونها بمناسبة عيد الأضحى عن هذا الظلم وتلك القسوة: إذ كيف يهمّ إبراهيم – عليه السلام – بذبح ابنه؟

وهنا تعلن لنا أنّها، بعد مراجعة الآيات وتفسيرها، اكتشفت أنّ الله تعالى – بخلاف ما تعلّمناه منذ الصغر – لم يأمر إبراهيم – عليه السلام – بذبح ابنه؛ هو رأى رؤيا فحسب، ولم يأتهِ الأمر بالذبح! فظنّ ظنّاً أنّ الله يأمره بذبح ابنه، ولم يدرِ ما يفعل! فعرض الأمر على ابنه: “قال يا بُنَيَّ إنّي أرى في المنَامِ أنّي أذبحُكَ فانظُرْ ماذا ترى”.

لقد فات “الداعية” الشابّة المغناج أنّ رؤيا الأنبياء وحي، وأنّ كُلّاً من الأب وابنه قد فهم الأمر الإلهي بوضوح. فإسماعيل – عليه السلام – قال: “يا أبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجدُني إن شاءَ اللَّهُ منَ الصَّابرين”.

والمصيبة أنّك تجد الكثير من متابعينها فاغري الأفواه قد سال لعابهم عند رؤيتها، مستسلمين لطريقة شرحها. منهم من يقول: ما شاء الله، هذا هو الحق! ومنهم من يطلبها للزواج؛ ومنهم من يسألها إن كان لها صلة بحور العين! وتُعلّق إحداهن: جمالك بهرني وشغلني عمّا تقولين. إذا أنا بنت وفُتنت بكِ، فما حال الشباب؟ الله يعينكم يا شباب!

فعلاً، تساؤل في محله، لأن “الأخت” تصوّر مقاطعها وهي ترتدي ثياباً ملفتة للنظر، وتدهن وجهها بالمساحيق المختلفة لكي تبدو فاتنة، ثم تخرج علينا تتصنّع البراءة واللطافة، لتحدّثنا عن اكتشافها… ويقوم الشباب – أسرى الجَمال المندهشون – بإعادة نشر المقطع المُصَوّر حيثما اتّفق، لدرجة أنني شاهدته منشوراً مِن قِبَل أحد الأطباء – على ما أذكر – في موقع “لينكد إن” المتخصِّص بالعمل؛ وقد حصد المقطع في موقع “فيسبوك” على أكثر من 30 ألف إعجاب! ويا للعجب! ليسَت النّائِحةُ الثكلى كالنّائحةِ المُستأجَرة!

في الفترة الماضية، شاعت في وسائل التواصل الإجتماعي مقاطع مصوّرة تحت عنوان “مذيعة بي بي سي تتحدث عن معجزة القرآن”، في برنامج باللغة الإنجليزية اسمه “ذير إز نو كلاش” أي (ليس ثمّة صِدام)، والمقصود أنّه ليس ثمّة صِدام بين العلم والقرآن. تُقدّمُ البرنامج مذيعة الـ “بي بي سي” السابقة، البريطانية الشقراء، “كلير فوريستر”. وتُحدّثنا فيه عن الإعجاز العلمي في القرآن؛ وهي لا تعدو عن كونها مذيعة تقرأ ما يُكتب لها لقاء أجر مادي. وبغضّ النظر عن محتوى الحلقات، يُلحُّ في ذهني السؤال: أليس من الأجدى أن يُعهَد إلى شخص مسلم مقتنع بما يقول ليُقدّم للناس هذه المعلومات؟ إذ كيف تتوقع من الجمهور أن يقتنع بكلامٍ أنت لا تُقِرُّه ولا تُطبِّقُه في حياتك؟

انترنت محموم مجنون؟!

لا أدري إذا وصلكم الخبر الخطير التالي أم لا. تفضلوا:

انتقام الله.. مِن غير استخدام أيّة أسلحة أو عتاد أو جنود أو تكلفة، انفجار روسيا النووي، حسب “نتيرفا” الأوكرانيّة: 19 ألف مصاب، بينهم 4600 قتيل، والباقي في العناية المركّزة، و50 مفقود تلاشت أجسادهم، ومقتل أفضل علماء الذرة عندهم، و 200 ألف شخص مُهدّد بالإصابة بالسرطان… سبحانك يا ربّي المنتقم الجبار!

طبعاً الخبر كاذب، ولا توجد وكالة أخبار أوكرانيّة اسمها “نتيرفا”؛ وخبر خطير مثل هذا، لم تتناقله أيّة محطة إعلام عالمية، ولم ينشره أيّ موقع إخباري محترم، لم يعرف به سوى شخص مجهول قام بتخيُّله وإشاعته في مواقع التواصل… ثم أتى شخص آخر فأضاف إلى الإشاعة بهارات “إسلامية” بطريقة غبيّة لِكيْ يصدّقها المسلمون ويتناقلوها فيما بينهم، وهكذا كان!

بعض الصفحات الإلكترونية التي تدّعي نشر الثقافة والمعرفة، والارتقاء بالمجتمعات العربية… هي نفسها – مع الأسف – في أمسّ الحاجة إلى ألِفباء التثقيف.

تشترك في صفحة تدّعي أنّها متخصصة في التاريخ الإسلامي، فتتفاجأ بأنّها تُتحفك بالمواعظ الدينية.

صفحات تزعم أنّها علمية ومعرفية يتابعها أعداد هائلة من المتعلمين تنشر سخافات لا أساس علمي لها تنسبها إلى عالِم بريطاني أو طبيب ألماني أو معهد أمريكي… الخ، ويطلبون من القرّاء نشر هذه المعلومات لتستفيد البشرية! والناس يُصدّقون أيّ كلام!

“واتس اب” مليء بالمنشورات السطحية المقزِّزة: أخبار كاذبة، صور مفبركة، فوتوشوب رديء؛ وقليلٌ جداً من الناس من يبذل جهداً للتأكد من صحة المعلومات التي ترده: دينية كانت، أم طبيّة، أم اجتماعية، أم سياسية… بينما الغالبية العظمى – مع الأسف – تنطلي عليهم الإشاعات والفبركات والأكاذيب؛ ويقومون – بلا أيّة مبالاة أو تأنيب ضمير – بإعادة نشر كل هذه السخافات إلى الآخرين، وبدون أيّ شعور بالمسؤوليّة.

كلمة السِّر: المسؤوليّة!

نعم، والمسؤوليّة هي التزام المرء بما يصدر عنه قولاً أو عملاً. قال الله تعالى: “إِنَّ السَّمْعَ والبَصَرَ والفُؤادَ كُلُّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْئُولاً”.

ما أجمل أن يستشعر كلٌّ مِنّا عِظَم المسؤوليّة المُلقاة على عاتقه، فيراقب الله في كلّ ما يقوله ويفعله… وإنّه لا يليق بالمسلم المُتعلّم الأريب، كلّما كتب أحدهم كتابات سُفسِطائيّة، أو أذاع أفكاراً هُلاميّة، أن يتشتّت فكره، أو تتزعزع ثقته بنفسه، أو يتخلخل فهمه لثوابت دينه.

إنّ القراءة النقدية فِعلٌ حضاريّ رائع، قمينٌ بنا أن نعتمده في حياتنا، ونُدرِّب أولادنا عليه.

إقرأ بعين الناقد الواعي، الذي يُحلّل النصّ، فيَقبل صحيحه ويدَعُ سقيمه، لا بعين التابع المستسلم التائه الخاضع.

وعندما يصلك أي منشور تأكّد مِن أنّه قد ذُيّل بإسم كاتبه.

لا تقبل بأن يحوز منشور مجهول المصدر على حيّز من دماغك وتفكيرك. ففي الرسائل المعلومة المصدر، مندوحة لك عن ذلك.

ثُمّ قبل أن تتعجّل في إعادة إرسال هذا المنشور أو ذاك، تثبّتْ مِن صحّة المعلومات التي يحتويها. استخدم – من أجل ذلك – محرِّكات البحث الرائعة على الشبكة العنكبوتيّة. وإن تعذّر عليك هذا الأمر، فاسأل من تثق في علمه وثقافته، ولا ترسل أيّ شيء قبل أن تتيقّن من صِحّته، فهذه مسؤوليّة في عنقك أمام الله. ولا يعفيك منها إضافة كلمة “منقول” التي يروق للكثيرين استخدامها بخِفًة عند إعادة نشر الرسائل عبر مواقع التواصل.

منقول عمًن يا أخي؟ عن عفريت غير مرئيّ مثلاٌ؟ أم عن مصدر سرّي؟ أم عن مركز أبحاث يرفض ذكر اسمه؟ بالطبع لا.

إذنْ لطفاً كن مسؤولاً أميناً وأخبرنا اسم الشخص أو الصفحة الإلكترونيّة أو الكتاب أو الجريدة أو الوسيلة الإعلامية التي تم نقل المنشور عنها.

 

كن واعياً! كن مسؤولاً .