صدرت الطبعة الأولى من كتاب تجديد الوعي بنظام الوقف الإسلامي، للباحث الأستاذ الدكتور إبراهيم البيومي غانم في عام 2016، عن دار البشير للثقافة والعلوم في القاهرة، وهذه هي الطبعة الثانية. يقع الكتاب في 416 صفحة موزعة على عشرة فصول؛ وخاتمة؛ وخمسة ملاحق عبارة عن مشاريع أعدها المؤلف. والمقصد الأساسي من الكتاب هو أن يسهم في تجديد الوعي بنظام الوقف الإسلامي ومقاصده العامة، من زوايا معاصرة.
منهجية الكتاب لم تلتزم بموضوع واحد ينغلق عليه الكتاب من أوله إلى آخره، وإنما تخير د. غانم من الموضوعات أهمها وأكثرها تأثيراً في تكوين الوعي وإعادة توجيهه بشأن “الأوقاف” ومؤسساتها وقضاياها الرئيسية.
أصل وضع الوقف الشرعي هو عبارة عن صدقة جارية، أي مستمرة، سنها رسول الله ﷺ بعد هجرته من مكة إلى المدينة. والمراد منها استدامة الثواب والقرب من الله تعالى، عن طريق تثبيت أصل منتج من أصول الثروة كمنزل، أو أرض زراعية، أو أسهم… وتخصيص ما يدره هذا الأصل من ريع، أو ربح، أو عائد، أو منفعة ما، للإنفاق في وجوه البر والخيرات.
أوضح د. غانم أن هذا الكتاب لا يعود إلى مسألة تعريف الوقف، ولكن اكتفى بالتأكيد على أن عقد الوقف عقد فريد إذا قورن بعقود التبرعات التي عرفتها الحضارات المختلفة، لأنه عبارة عن تشريع لإلزام الذات لمصلحة الغير. و”فقه الوقف” هو ترجمة أساسية “تفصيلية” لجانب أساسي من جوانب مفهوم “السياسة المدنية” ذات المرجعية الإسلامية، تلك التي تنظر إلى “السياسة” على أنها تدبير لأمور المعاش بما يصلحها في الدنيا، وبما يؤدي إلى الفلاح في الآخرة، لا على أنها صراع حول القوة، وبالقوة. ونظام الوقف هو قاعدة صلبة من قواعد بناء “مؤسسات المجتمع المدني”، وقد تجلى دوره من خلال موقعه في بنية التنظيم الاجتماعي والسياسي للمجتمعات الإسلامية، خاصة في بناء “مجال مشترك” بين المجتمع والدولة وأسهم في تحقيق التوازن بينهما.
تكشف عناوين العشرة الفصول للكتاب وملاحقه على شموله وأهميته؛ حيث يحتوي على تفاصيل؛ عبارة عن معلومات ومعارف وقضايا كثيرة ومتنوعة؛ ولكي يتم الاستفادة منها يجب مطالعتها؛ ويصعب تلخيصها في صفحات قليلة، وهذه المراجعة للكتاب عبارة رؤوس موضوعات.
يتناول المؤلف في الفصل الأول علاقة الوقف بالمقاصد العامة للشريعة، حيث أن من أهم شروط فاعلية نظام الوقف أن يكون خادماً للمقاصد العامة للشريعة. ولبيان أوجه العلاقة بين نظام الوقف فقهاً وتطبيقاً من ناحية، ونظرية مقاصد الشريعة الإسلامية من ناحية أخرى، اختار د. غانم ثلاث مسائل رئيسية:
أولاً: فقه الوقف وعلاقته بالمقاصد العامة للشريعة (الحاجة إلى المقاصد في التأصيل الشرعي للوقف): أوضح أن الفقهاء بذلوا جهوداً مضنية لوضع أصول البناء المؤسسي لنظام الوقف على النحو الذي يحافظ على حرمته، وضمن له استمرار النمو والعطاء اللذين يكفلان تحقيق الغاية منه في خدمة الترقي الاجتماعي العام.
ثانياً: ضبط شروط الواقفين بمقاصد الشريعة؛ قاعدة ” شرط الواقف كنص الشارع”. ويتساءل المؤلف: ما الضابط للشروط السائغة في الشريعة، ومن ثم في الو قف محل اهتمامنا؟ وتناول نقطتين هما: ضبط شروط الوقف بالمقاصد الضابط الشرعي للشروط، ونقد قاعدة “شرط الواقف كنص الشارع” بمعيار المقاصد.
ثالثاً: اسهام الوقف في تحقيق مقاصد الشريعة، وخدمة الوقف للضروريات الخمس:
– حفظ الدين.
– حفظ النفس (مثل مقاومة الأمراض)؛ (التكايا والملاجيء)؛ (المستشفيات).. البيمارستانات، وثمة حكمة بالغة كامنة في طوايا حرص الواقفين على توفير الغذاء والكساء والعلاج والمأوى وغيرها من الضروريات التي تحفظ حياة الفئات العاجزة أو التي ضربها الفقر.
– حفظ النسل (حفظ النوع الإنساني بالتناسل).
– حفظ العقل (حد الخمر)، والتعليم (العلم والمعرفة والتحرير من الخرافة والجهل)، وأوضح المؤلف أن حد السُكر أضعف أنواع حفظ العقل.. كما أن حد القصاص أضعف أنواع حفظ النفس.
– حفظ المال.
وللإجابة على سؤال؛ كيف تفتح المقاصد آفاقاً جديدة في مجال الوقف؟ يرصد د. غانم أن أهم ما لفت نظره: أن فاعلية الوقف في الواقع ارتبطت بمقدار إسهامه في تحقيق المقاصد الشرعية. ولكن وقائع التاريخ ومساراته توضح أن هذه الفاعلية لم تكن موجودة على الدوام. ويطرح سؤال رئيسي وهو: كيف يمكن تطوير نظام الوقف في الواقع الراهن لمجتمعاتنا الإسلامية من منظور المقاصد الشرعية، وكيف تفتح المقاصد آفاقاً جديدة في هذا المجال؟
في الفصل الثاني وعنوانه التكوين التاريخي لنظام الوقف ومؤسساته، حيث أن الدرس الثاني الذي يتعين تجديد الوعي به هو أن من عوامل فعالية نظام الوقف: انفتاحه على جوانب الحياة الاجتماعية، واستيعابه لمختلف المرافق، والمؤسسات الخدمية. يتناول د. غانم المقصود بـ “التكوين التاريخي” لنظام الوقف؛ وهو كل ما تلى التوجيه القرآني والهدي النبوي (قولاً وفعلاً وتقريراً) بشأن الصدقة الجارية التي حملها العلماء على معنى الوقف من تطبيقات عملية، وممارسات اجتماعية إيجابية وسلبية، واجتهادات فقهية، وفتاوى شرعية، وأحكام قضائية، وأبنية مؤسسية، وممتلكات وأموال موقوفة، وأنظمة إدارية، وتشريعات قانونية، وتقاليد وظيفية؛ شكلت في مجملها الإرث التاريخي لنظام الوقف. وقد تناول المؤلف في هذا الفصل ثلاثة عناصر أولها: السيرورة التاريخية لتشريع الوقف: من الفقه إلى القانون. وثانيها التكوين الاجتماعي والاقتصادي للوقف ومشكلاته، وثالثها البناء الإداري المؤسسي ومشكلات تطوره.
في الفصل الثالث وعنوانه تحولات نظام الوقف في العصر الحديث – مائة عام من الهدم والإصلاح. والدرس المستفاد من الفصل أن أغلبية الجهود الحكومية لإصلاح نظام الوقف وتفعيله في التاريخ الحديث للمجتمعات الإسلامية؛ لم تنجح في تجديد فاعليته. بين المؤلف أهم التحولات في نظام الأوقاف خلال القرن الرابع عشر الهجري / العشرين الميلادي، وذلك من جراء محاولات تقويض أركانه؛ وهدم بنيانه في بعض البلدان العربية والإسلامية، كما كان حقلاً لتجارب الإصلاح وجهود التجديد في البعض الآخر. وقد اقتصر على تجارب ثلاث دول هي مصر (مثلها العراق، وسوريا، ولبنان، والأردن، والسودان، وليبيا، والجزائر)، والمغرب (مثلها السعودية، واليمن قبل ثورتها في الستينيات، وعدد من دول الخليج)، ثم إيران (خصوصية مذهبية شيعية).
أولاً: ما جرى للأوقاف في مصر: كانت نقطة البدء في جهود إصلاح نظام الوقف في مصر في عهد محمد علي باشا، ثم توالت في سياق عمليات بناء الدولة الحديثة من جهة، ومقاومة الاحتلال البريطاني من جهة أخرى، وسياسات ما بعد ثورة يوليو سنة 1952م من جهة ثالثة. تناول المؤلف ثلاثة عناصر: تجديد الإطار التشريعي / القانوني، وإصلاح البناء المؤسسي / الإداري، والفاعلية الوظيفية للأوقاف المصرية. وتساءل؛ كيف انعكس الإصلاح القانوني / المؤسسي لنظام الوقف في مصر على أدائه الوظيفي وعلى فاعليته في المجتمع؟ أشار المؤلف إلى أن نظام الوقف قد اتسم تاريخياً بالتلقائية وباللامركزية في أدائه الوظيفي، أما فاعليته في الأداء فقد ارتبطت بمدى استقلاليته عن سلطة الدولة من جهة، وبمدى سلامته من عوامل الفساد الإداري والأخلاقي من جهة ثانية، وبدرجة الازدهار الاقتصادي، وبالاستقرار السياسي في المجتمع، وبارتباطه بمقاصد الشريعة العامة من جهة ثالثة.
ثانيا: ما جرى للأوقاف في المملكة المغربية: تناول المؤلف جهود الإصلاح التشريعي والقانوني في المملكة المغربية، ومحاولات الإصلاح المؤسسي والإداري، والفاعلية الوظيفية للوقف في المجتمع المغربي. وأوضح أن الفاعلية تجلت في عدة جوانب أهمها: الجانب الديني، والجانب التعليمي. وخلص المؤلف إلى أن واقع الأوقاف في المغرب لا يختلف عن واقعها المعاصر في معظم الدول الإسلامية، من حيث تراجع دورها العام واقتصاره على تمويل النشاط الديني المتمثل في رعاية المساجد، وطباعة المصحف الشريف، وسذلك لعدة أسباب.
ثالثاً: جهود إصلاح الأوقاف في جمهورية إيران: أوضح المؤلف أن الوقف قد شكل عنصراً مهماً في بروز رجال الدين في إيران كطبقة اجتماعية مستقلة عن الدولة، وخاصة في الثورة الإسلامية في عام 1399هـ – 1979م، وزاد مع الثورة مكانة الأوقاف في المجتمع. وتناول ثلاثة عناصر أساسية هي الإصلاح التشريعي القانوني، والتطور المؤسسي والإداري، والفاعلية الوظيفية لنظام الوقف.
يشير د. غانم إلى أن حَب الحصيد للحالات التي تناولها (مصر والمغرب وإيران) تؤكد على أن ثمة عدداً من المشاكل التي تعاني منها الأوقاف في عالمنا الإسلامي يرجع في بعضها إلى قلة الاهتمام بها في مراحل تاريخية سابقة، والبعض الآخر يرجع إلى أسباب قانونية وإدارية واقتصادية. ويؤكد المؤلف أنه رغم ذلك فإن أنظمة الأوقاف في عالمنا الإسلامي لا تزال على قيد الحياة، ولا تزال قابلة للبقاء والعطاء ويمكن تطويرها وفق أحدث الأساليب والنظم الإدارية؛ وذلك باعتماد مبادئ الشفافية والمحاسبة والرقابة والتخطيط العلمي وإشراك المؤسسات الأهلية في ذلك؛ وغيرها من الوسائل.
في الفصل الرابع وعنوانه تحيزات الدولة الحديثة ضد نظام الأوقاف. والدرس المستفاد هو أن كثافة تدخلات الدولة الحديثة في قطاع الأوقاف بالطرق المختلفة، أدت إلى تقويض الفعالية الاجتماعية، وأفقدته أهم وظائفه وهي تحقيق التوازن بين المجتمع والدولة، وبناء مجال مشترك بينهما. ويتناول المؤلف في هذا الفصل الإجابة على سؤال رئيسي من منظور “فقه التحيز” هو: تحت أي نمط من التحيز يمكن لنا أن نصنف السياسات التي طبقتها الدولة الحديثة تجاه نظام الأوقاف ومؤسساته الموروثة والمستحدثة؟ وأشار إلى أن الإجابة المختصرة على هذا السؤال تكمن في نمط “التحيز ضد الذات”، والهدف هو تحليل ما يطلق عليه “مركب التحيز” ضد الذات على مستويين: مستوى المفهوم، ومستوى النموذج. وفي سبيل ذلك تم مقارنة نموذجين:
– النموذج الإسلامي في العمل الخيري؛ وأنواع السياسات للدول “العربية” الحديثة تجاه نظام الوقف.
– النموذج الغربي من خلال التعرض لتشريعات بعض الدول الغربية الخاصة بالمنظمات غير الربحية “أو غير الحكومية”
وتناول المؤلف في هذا الفصل أربعة عناصر:
أولاً: أبعاد التحيز ضد الذات في مفاهيم الوقف والعمل الخيري على مستوى المفهوم، وعلى مستوى النموذج.
ثانياً: نماذج لتحيز المفاهيم الغربية في العمل الخيري: 1- اسبانيا، 2- الاتحاد الروسي، 3- إنجلترا، 4- السويد، 5- الولايات المتحدة.
ثالثاً: نماذج لسياسات تحيز الدول العربية تجاه نظام الأوقاف: سياسة الإصلاح الجزئي، وسياسة التهميش بالإهمال، وسياسة التصفية والإلغاء. كما أوضح المؤلف أن سياسة إسرائيل تمثل حالة صارخة للتحيز العدواني ضد الذات الحضارية.
رابعاً: حصاد التحيز ضد الذات ومقترحات للإصلاح. أوضح المؤلف مقترحات الإصلاح في ثلاثة عناصر أولها: تطوير التشريعات القانونية للوقف. ثانيها: إنشاء هيئة علمية تعليمية مختصة بشئون الوقف والعمل الخيري. ثالثها: تطوير المؤسسات الوقفية وتأهيل العاملين بها.
في الفصل الخامس وهو بعنوان تحديث التشريعات الوقفية في البلاد العربية، يقارن المؤلف في هذا الفصل بين نماذج من التشريعات الحديثة الخاصة بالأوقاف في البلدان العربية ابتداءً من نهاية النصف الأول من القرن العشرين، ويوضح أن تلك التشريعات قد اتفقت تقريباً على أمر أساسي: هو توسيع ولاية الجهات الحكومية على الأوقاف، وتقليص ولاية الجهات الأهلية: أفراداً كانوا أو جمعيات ومؤسسات نفع عام.
وركز المؤلف المقارنات على ما يلي:
أولاً: تعريف الوقف: تناول عشرة دول: في القانون السوداني، والليبي، والقطري، والأردني، والجزائري، واليمني، والعماني، والمغربي، والتونسي، والمصري. وأشار د. غانم أن التشريعات الوقفية العربية تداخلت في تعريفها لما هو الوقف؟ وإن كانت اتفقت على أن جوهر الوقف هو أنه عمل من أعمال البر الذي يقصد به تحقيق منفعة عامة أو خاصة، ويبتغي به صاحبه وجه الله تعالى. والفرق الأساسي الذي يبدو في تلك التعريفات هو في تمسك بعضها بفكرة تأبيد الوقف، كما في القانون اليمني والجزائري والأردني، بينما ذهبت قوانين بلدان أخرى مثل القانون السوداني، والليبي، والقطري، والمصري إلى عدم النص على شرط التأبيد؛ الأمر الذي يعتبر مرونة في هذه القوانين؛ ويترك للواقف حرية التأبيد أو التأقيت بمدة زمنية معينة.
ثانياً: المعاملة الضريبية للأوقاف: وقسمها المؤلف إلى ما يلي: سياسة عدم الاعفاء من الضرائب؛ ومن ذلك قوانين الوقف في مصر وسوريا والعراق والكويت، وسياسة الإعفاء الجزئي من الضرائب؛ كما في القوانين الليبية والأردنية والسودانية والجزائرية والمغربية، وسياسة الإعفاء الشامل من الضرائب؛ كما في قانون الوقف القطري.
وفي رأي د. غانم أن ثمة حاجة إلى إصلاح تشريعات الأوقاف في جميع البلدان العربية والإسلامية على نحو يضمن سياسة الإعفاء الضريبي جزئياً أو كلياً للأموال الوقفية، وللواقفين كذلك، كعامل مساعد ومحفز، لذوي النوايا الحسنة في التنافس في المبادرة بإنشاء وقفيات جديدة.
ثالثاً: الشخصية المعنوية للوقف: أشار المؤلف إلى أن جمهور الفقهاء قرر أن الوقف يكتسب صفة الشخصية المعنوية بمجرد تأسيسه، وقاسوا ذلك على وقف المسجد، وعتق العبد، وأكد أن قرار الشخصية الاعتبارية للوقف يمثل حماية قانونية؛ وفرصة للاستقرار والنمو، وأنه بالرجوع إلى قوانين الوقف في بعض البلدان العربية اتضح أنها في أغلبها لا تنص صراحة على أن للوقف شخصية اعتبارية مستقلة، فيما عدا قوانين كل من الجزائر، وقطر، والأردن.
ويشير المؤلف إلى أن قوانين الوقف في البلدان التي تم ذكرها لم تتضمن نصوصاً لتنظيم علاقة مؤسسات الأوقاف بغيرها من المؤسسات، خاصة تنظيم علاقة الأوقاف بمؤسسات المجتمع المدني فلا توجد لها نصوص، وأن ذلك من أوجه النقص التي يجب تداركها في الإصلاحات التشريعية التي تحتاجها قوانين الوقف في أغلب البلدان العربية.
في الفصل السادس يتناول المؤلف إصلاح قوانين الوقف والعمل الخيري (مقارنات بين مصر، وتركيا، وإيران، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية)؛ حيث أن مؤسسات العمل الخيري تدخل ضمن التكوين المؤسسي للمجتمع المدني بمفهومه المعاصر. وهناك ثلاثة معايير تميز – مجتمعة – مؤسسات العمل الخيري عن غيرها من مؤسسات المجتمع المدني هي: المعيار القانوني، والمعيار الاقتصادي، والمعيار الاجتماعي. والعمل الخيري وفقاً لرؤية المؤلف ليس مرادفاً للعمل “الديني” بالمعنى الضيق ولكن العمل الخيري هو بالأساس عمل إصلاحي، وتحرري، وتنموي، بل وإبداعي أيضاً، من حيث أنه يطرح الطمأنينة والصفاء في الأنا الفردية، والأنا الجماعية، ويستثير الهمم من أجل المنافسة والسبق في إدراك “النفع المشترك” أو “المصلحة العامة”, والمصلحة بهذا المعنى هي مقصد جامع لمقاصد الشريعة.
ويكشف المؤلف من المقارنة بين قوانين العمل الخيري والأوقاف في مصر من جهة، وكل من الدول المُشار إليها في هذا الفصل من جهة أخرى؛ عن عدد من النتائج.
في الفصل السابع وهو بعنوان علاقة الوقف بمؤسسات المجتمع المدني، والدرس من هذا الفصل وما يليه أن فرض السيطرة الحكومية على نظام الأوقاف في أغلب البلدان الإسلامية، وتفكيك أصوله المادية، وتشويهه في الوعي الاجتماعي العام؛ أدى إلى فصل النظام عن مؤسسات المجتمع المدني، وتجفيف منابع تمويله المحلي، وفتح الباب إلى التمويل الأجنبي لكثير من مؤسسات المجتمع المدني. وتناول المؤلف ثلاثة عناصر:
أولاً: حالة نظام الوقف والمجتمع المدني في مصر؛ من النواحي: الإدارية، والقانونية، والسياسية، وتعدد أبعاد الأزمة وتمددها، وأوضح أن إصلاح نظام الوقف شرط للنهوض بالمجتمع المدني.
ثانياً: حالة نظام الوقف والمجتمع المدني في الكويت، من حيث الجمود القانوني والمرونة الإدارية والوظيفية، والإصلاح المؤسسي الإداري: أ- مرحلة الإدارة الأهلية (1921 – 1948 م) ب- مرحلة الإدارة الحكومية (1948 – 1960 م) ج- مرحلة الوزارة (1962 – 1990م) د- مرحلة الأمانة العامة للأوقاف (نوفمبر 1992م……)، وأشار إلى ملامح إصلاح الوقف الكويتي وأثره على المجتمع المدني؛ من حيث: صرف الريع، والصناديق الوقفية، والمشاريع الوقفية، ولجان التنمية المجتمعية، ولجنة الوفاء، والاستثمار وتنمية الموارد البشرية؛ حيث يمثل العائد على الاستثمار أحد أهم معايير كفاءة المؤسسة الاستثمارية وقفية كانت أو غير وقفية. إلا أن الاستثمارات الوقفية تستلزم بعض الاشتراطات الخاصة.
ثالثا: التحديات التي تواجه الوقف والمجتمع المدني: وهي تدني فاعلية نظام الوقف في الواقع المعاصر، وقصور أساليب الاستثمار، وشيوع صورة سلبية عن الأوقاف في الوعي الاجتماعي العام، وغياب التخطيط العلمي لقطاع الأوقاف.
في الفصل الثامن وهو بعنوان الأبعاد الوطنية والإنسانية لنظام الوقف، يشير د. غانم إلى أن السجل التاريخي لنظام الوقف الإسلامي يكشف عن كثير من الأبعاد المدنية والإنسانية التي استهدفت الممارسات الاجتماعية عبر مختلف العصور؛ وقد انطوت تلك الممارسات من الناحية العملية (اسهامات الوقف في عمومه من منظور وظيفي) على نمطين: تفاعلات تعاونية (الأبعاد الإنسانية)، وتفاعلات صراعية (الأبعاد الدولية التي كانت لها خلفيات دينية في كثير من الأحيان).
أولاً: التفاعلات التعاونية (حالة وقف سكة حديد الحجاز)؛ حيث اعتمد المؤلف في هذا الجزء الخاص بوقف سكة حديد الحجاز على أحد الكتب هو كتاب الشيخ محمد المكي الناصري، الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية (المملكة المغربية، وزارة الأوقاف، 1421هـ – 1992م).
ثانياً: التفاعلات الصراعية حول الأوقاف وحركات التحرر الوطني: كيف أسهم الوقف في دعم الكفاح الوطني من أجل الاستقلال، ومن ذلك لجوء الأهالي وديوان عموم الأوقاف إلى إدخال الأراضي الزراعية والعقارات المبنية في دائرة نظام الوقف إبان الاحتلال البريطاني لمصر كان عملاً يعبر عن مظهر من مظاهر فعاليات الحركة الوطنية ضد السيطرة الأجنبية؛ في المجالين الاقتصادي والتشريعي / القضائي. وذلك بجانب الدوافع الأخرى للوقف وأهمها عمل الخير والتقرب إلى الله، والاهتمام بالشأن العام، ولا يبتعد الجانب الوطني عن هذه الدوافع، بل هو واحد في جوهره، ومصدر من مصادر ابتغاء الثواب والقرب إلى الله تعالى. كما تناول د. غانم كل من: أوقاف البوسنة والهرسك والصراع في البلقان، وأوقاف فلسطين.
في الفصل التاسع وهو بعنوان إسهام الوقف في إدارة المياه وحماية البيئة. والدرس المستفاد أن فقه الوقف الموروث لا يزال يختزن الكثير من الأخلاقيات والمبادئ العلمية التي تسهم في إدارة المرافق الحيوية مثل مرفق المياه والمحافظة على البيئة. ويشير د. غانم أنه نظراً لأهمية المياه قررت الشريعة الإسلامية أن ملكية المياه يجب أن تكون عامة، وحرمت احتكار المياه. وأن مصادر الفقه الإسلامي تحفل بكثير من التفاصيل المتعلقة بتنظيم المياه، وتطهيرها والتطهر بها، ومراعاة الاعتبارات البيئية والمحافظة عليها. وتناول المؤلف موضوع اسهام الوقف في موضوع المياه بمناقشة ثلاثة عناصر هي: أولا: فقه ملكية المياه؛ حيث أن فقه المعاملات في المياه استقر على مبدأ أساسي: “حق الانتفاع من الماء أوسع بكثير من حق ملكيته”، ثانيا: علاقة نظام الوقف بمصادر المياه وإدارتها، ثالثاً: فقه اقتصاديات المياه الموقوفة وإدارتها.
في الفصل العاشر وهو بعنوان وقف يوسف عبد اللطيف جميل لدعم التعليم والمعرفة – الجوانب الشرعية والقانونية لحجة الوقف، والدرس المستفاد؛ أن بالإمكان تطوير نماذج وقفية تستند إلى ما تم تقديمه، وما قدمه أخرون، حيث تلقى الكاتب رسالة من رئيس اللجنة العلمية لمؤسسة وقف يوسف جميل بالمملكة العربية السعودية (ومرفق به مسودة حجة تأسيس الوقف). وتضمنت الرسالة دعوة د. غانم بالمشاركة بإبداء الرأي حول ما يجب أن تشتمل عليه حجة التأسيس، وبخاصة من الناحيتين الشرعية والقانونية. وقد طرح أفكاره بشأن هذا الموضوع في بندين وخاتمة، البند الأول عناصر النموذج الأساسي لحجة الوقف. البند الثاني الحماية الشرعية والقانونية للوقف.
اختتم د. غانم الكتاب بخاتمة عنوانها القصد والإنصاف في تجديد الوعي بالأوقاف؛ وأوضح أن غياب الوعي بنظام الوقف الإسلامي كان الخطوة السابقة مباشرة على تدهوره إلى حد الاندثار في بعض البلدان الإسلامية، ويؤكد أن عملية تجديد الوعي يستلزم القيام بجهود ثقافية وتشريعية وإدارية واستثمارية ومجتمعية وإعلامية. كما خلص إلى أن حالة التدهور في نظام الوقف تقتضي معرفة أسباب انخفاض كفاءته، وحدد أربعة أسباب هي: غياب ثقافة الوقف، وحرمان الوقف من الحماية الدستورية بنص صريح، وازدواجية البيروقراطية الحكومية في مجال العمل الاجتماعي التضامني، وضعف مستوى الأداء في القطاع الرسمي . وذكر طرق العلاج لكل سبب من هذه الأسباب.
اسم مؤلف الكتاب: د. إبراهيم البيومي غانم
عنوان الكتاب: تجديد الوعي بنظام الوقف الإسلامي
دار النشر: القاهرة – دار البشير للثقافة والعلوم.