محمود شكري بن عبد الله بن محمود بن عبد الله بن محمد الألوسي. وهو أحد علماء أهل السنة في العراق ومن المتمسكين بمنهج السلف الصالح ومن أحد الشخصيات البارزة في العالم العربي والإسلامي، حبه لطلب العلم بدأ منذ صغره، وأخذ إجازات العلم من الكثير من علماء بغداد.

هو جمال الدين أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بهاء الدين بن أبي الثناء شهاب الدين محمود الحسيني الألوسي البغدادي رحمه الله، من سادات آل البيت ، ولد في رمضان 1273هـ ، وجده صاحب التفسير الشهير . تأثر بمؤلفات ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمـهما الله تأثراً بالغاً ، وإلى ذلك أشار كامل الرافعي بقوله: “لم أرَ أحداً يقدر مؤلفات ابن تيمية وابن القيم قدرهما مثلهما” (أي محمود شكري وابن عمه علي الآلوسي).

نزعته العقلانية سبب محنته!!

جاهد محمود شكري الألوسي في نشر الحق والرد على الباطل ، فشن غاراته على الخرافات المتأصلة في النفوس فكتب الرسائل وألف المؤلفات التي زعزعت أسس الباطل وأحدثت دوياً وإصلاحاً عظيماً . وارتفع صوته كمصلح ديني يدوّي في المطالبة بتطهير الدين مما لحقه من أو ضار البدع.

لكن نزعته السلفية العقلانية ومحاولاته الاصلاحية، ومحاربة الخرافات والبدع، وترويجه لمؤلفات ابن تيمية، أصطدمت بالحزب الصوفي المسيطر على الدولة العثمانية آنذاك، وكعادة المصلحين والمجاهدين يبتليهم الله بخصومة المشركين وأهل البدع والحاسدين ، فذهبوا يُشنعون عليه، ويرمونه بتهم شتى منها: أنه يبث فكرة الخروج على السلطان، ويؤسس مذهباً يناصب كل الأديان، وأن تأثيره سار بين الناس، فأغروا والي بغداد (عبد الوهاب باشا) …فصدر الأمر بنفيه وابن عمه ثابت نعمان الآلوسي والحاج حمد العسافي النجدي إلى الأناضول. فلما وصلوا للموصل قامت قائمة الموصليين لأن الذين أمر بنفيهم من أعلام العراق الكبار ، وأن في الموصل عدد كبير من العلماء وطلبة العلم السلفيين ، فطلبوا من السلطان الصفح . فصدر العفو عنهم وعادوا منصورين بعد أن مكثوا شهرين في الموصل . فكتب الشيخ عبد اللطيف بن ثنيان في صحيفته “الرقيب” “الحمد لله عاد الحق لأهله”.

كانت للألوسي مجالسا في مساجد بغداد للوعظ والأرشاد. خصوصا جامع الإمام الأعظم الواقع في الأعظمية، حيث أستمر إماما وخطيبا في جامع أبو حنيفة لمدة أربعين عاما، ولقد درس في مدارس بغداد وتخرج على يديه نخبة من العلماء، وممن تأثر بفكره وعلمه العلامة محمد بهجت الأثري، والشيخ رشيد حسن الكردي، والشيخ محمد القزلجي، والشيخ علي بن حسين الكوتي والشيخ الأمام أمجد الزهاوي وغيرهم من خيرة علماء العراق، وكذا تخرج على يده جملة من أدباء وشعراء العالم العربي منهم الشاعر معروف الرصافي، والكاتب واللغوي العراقي الأب أنستاس الكرملي.

أخذ محمود شكري بنزعة عقلانية عالية جعلته أقرب لدعاة السلفية الاصلاحيين في عصره مثل محمد رشيد رضا والأمام محمد عبده، وجمال الدين القاسمي .وقد وصفه رشيد رضا بأنه “ناصر السنة، قامع البدع، علامة المنقول ودراكة المعقول، دائرة المعارف الإسلامية، نبراس الأمة. عاش حياته بين التدريس و التأليف ، و ساهم بأنشاء و تحرير أول جريدة في بغداد أسمها “الزوراء”. كذلك ساهم في امداد المقالات والبحوث لمجلات مثل “المقتبس” و”المشرق” و”المنار” و”مجلة المجمع العلمي العربي”.

العالم الذي يخط مؤلفاته بخطه

كان محمود شكري يخط مؤلفاته بخطه، وهو خطاط بارع من أئمة الخط العربي في بغداد، وأخذ إجازة الخط من والدهِ وفي خطه روعة وجمال وكان يخط على قاعدة ياقوت المستعصمي، ومن آثاره كتب ومخطوطات كثيرة لا زالت في المكتبة القادرية، وقد تخرج على يديه الكثيرون من الخطاط.

ومن كتبه المهمة كتاب “غاية الأماني في الرد على النبهاني” ، وفيه يتناول المسائل المتنازع عليها بين دعاة التجديد السلفي ومعارضيهم، مع ميل للدفاع عن ابن تيمية كلما سنحت الفرصة. كما كان له فضل كبير في نشر مؤلفات ابن تيمية وابن القيم الجوزية نشرا وطبعا وتحقيقا.

ويعد محمود الألوسي بكل هذا النشاط واحدا من دعائم مدرسة التجديد السلفي. وكانت له صلة أيضا بجمال الدين الأفغاني، صاحب فكرة التجديد في الإسلام.

بعض من مؤلفاته

كانت كتبه الدينية الإصلاحية هي مدار دعوته وتميزه في بغداد، فقد سعى من خلالها للدفاع عن العقيدة الإسلامية أمام شوائب الشرك والبدع التي عمت العالم الإسلامي. وهذه بعض عناوين الكتب التي ألفها:

  • “غاية الأماني في الرد على النبهاني”.
  • “بلوغ الأرب في أحوال العرب” ( الذي حصل فيه على جائزة من ملك السويد، وهي نفس الجائزة المعروفة اليوم بجائزة نوبل).
  • “منهاج السنة” وبهامشه “بيان موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول”، وكلاهما لشيخ الإسلام ابن تيمية، طبع بمصر سنة 1321هـ.
  • جواب أهل العلم والإيمان” لابن تيمية، طبع بمصر سنة 1322هـ.
  • “تفسير سورة الإخلاص” لابن تيمية، طبع بمصر سنة 1323هـ.
  • مفتاح دار السعادة” لابن القيم، طبع بمصر سنة 1323هـ.
  • “شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل” لابن القيم، طبع بمصر سنة 1323هـ.
  • “تأويل مختلف الحديث” للإمام ابن قتيبة، طبع بمصر سنة 1323هـ.
  • تاريخ مساجد بغداد وآثارها.
  • عقوبات العرب في الجاهلية
  • “تاريخ نجد” الذي كتبه عقب زيارته لنجد بتكليف من الدولة العثمانية، عرف فيها بنجد وأهلها ودافع عن عقيدتهم وأنها عقيدة السلف الصالح وليس كما يدعي أعداؤهم وخصومهم
  • الدر اليتيم في شمائل ذي الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم.
  • “كنز السعادة في شرح كلمتي الشهادة”.
  • “الدلائل العقلية على ختم الرسالة المحمدية”.

“الألوسية” تعيد لبغداد مجدها العلمي

يقول الكاتب الأردني أسامة شحادة أن علامة العراق أبو المعالي أعاد وعائلته الألوسية لبغداد، عاصمة الخلافة، مجدَها العلمي الذي عرفته في أيام عزها، وذلك بدروسه المتميزة ومؤلفاته القيمة وتحقيقاته الثمينة، ولكن للأسف لم يلقَ أبو المعالي (وعائلته) ما يستحقونه من التكريم والتقدير، لا في حياته ولا بعد مماته، ومن ذلك أن سيرته لم تدوّن بشكل واف، ولا تزال بحاجة لمزيد من البحث والتنقيب وإظهار ما فيها من جهود مباركة في الإصلاح والتأسيس للصحوة الإسلامية”.

تعلم الألوسي اللغتين التركية والفارسية، وعددا من العلوم الدنيوية كعلم الهيأة (الفلك)، ولم يكتف بذلك بل قام بمطالعة مئات الكتب والمخطوطات الموجودة بمكتبات بغداد، فتكونت له معرفة موسوعية ظهرت في كتبه وتحقيقاته، وكانت أولى مظاهر موسوعيته كتابه العجيب “بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب”.

بدأ التأليف وعمره 13 سنة! و تصدى كذلك للتدريس مبكراً، فكان أول تصنيف لأبي المعالي الألوسي وعمره 21 عاماً وذلك سنة 1294هـ وهو كتابه “الروضة الغناء شرح دعاء الثناء”. ولم ينتظر أبو المعالى التكليف بالتدريس على عادة زمانه، فباشر بالتدريس متطوعا بدون راتب في داره وفي جامع عادلة خاتون، حيث درّس علوم اللغة والشريعة لجمع من الطلبة.

جائزة ملك السويد لـ”العرب قبل الإسلام”

يقول أسامة شحادة إنه في عام 1302ه/ 1886م تلقى الألوسي رسالة من أمين سر لجنة اللغات الشرقية عن مسابقة يرعاها ملك السويد والنرويج لتأليف كتاب عن تاريخ العرب قبل الإسلام، فتردد الألوسي في خوض التحدي خوفا من الاعتقاد بحرصه على الجائزة القيمة (1778 فرنكا ذهبيا)، لكن أصدقاءه حثوه على ضرورة إعلاء شأن العرب، فشمر عن ساعد الجد وصنف كتابه “بلوغ الأرب” الذي جاء في 3 مجلدات وأنهاه في عام 1304ه، وكان المميز في كتابه أنه جاء على غير مثال سابق ولا منهج مطروق مع صغر سن المؤلف الذي بالكاد كان في الثلاثين من عمره حين باشر بتأليفه!

وبرغم تقدم العديد من الشخصيات من بلاد مختلفة للمسابقة إلا أن التفوق والفوز كان من نصيب الألوسي حين أعلنت النتائج في عام 1307ه، فشاع ذكره وارتفع صيته، وتمت ترجمة الكتاب للتركية. وقد تفنن الألوسي فيه بجمع أخبار وعادات العرب قبل الإسلام مما يدل على شرف معدنهم وقوة أخلاقهم مما جعلهم مؤهلون لقيادة العالم تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث للعالمين كافة.

وقد فتح فوزه بهذه الجائزة عليه باب التواصل بالزيارة والمراسلة مع الكثيرين من العلماء وطلبة العلم من مختلف دول العالم والتي جمعها الألوسي في كتاب ضخم سماه “رياض الناظرين في مراسلات المعاصرين” وسبقه كتاب “بدائع الإنشاء” جمع فيه بعض رسائل أبيه، ثم بعض مراسلات العلماء والأمراء والأدباء له.

مرضه ووفاته

 أصيب الألوسي برمل في المثانة سنة 1337هـ فأهمله، حتى اشتد عليه في سنة 1341هـ فانقطع عن التدريس مدة، ثم عاود التدريس فهزل جسمه وتعب قلبه، وفي العشر الأواخر من رمضان سنة 1342هـ أصيب بذات الرئة، وبعدها بأيام توفي عند أذان الظهر وحوله كتب العلم، رحم الله الآلوسي وألحقه بالصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

وقد دفن بمقبرة الشيخ الجنيد وكانت له جنازة مهيبة، وصُلي عليه في نجد صلاة الغائب، ورثاه العلماء وأهل الفضل والدعاة الذين كانت له صلات مع كثير منهم، وقد رثاه العلماء والأدباء والشعراء:

رثاه الشاعر العراقي معروف الرصافي بقصيدة منها:

محمود شكري فقدنا منك حبر هدى

للمشكلات بحسن الرأي حلالا

قد كنت للعلم في أوطاننا جبلاً

إذا تقسّم فيها كان أجبالاً

ورثاه تلميذه محمد بهجة الأثري بقصيدة منها:

بغدادُ قد أقفرت من بعد مصرعه

فقلقل الركبُ عن بغداد أهبالا

هذي المدارس أضحت وهي باكية

من بعد شيخ بنى الآداب أطلالا