“القارة المظلمة”..تلك التسمية التي أطلقها الأوروبيون على أفريقيا، فالغربيون عندما لا يعرفون شيئا ينعتونه بصفة سلبية، فإذا كان التفاف البرتغاليين حول أفريقيا في القرن الخامس عشر الميلادي بدد بعضا من المجهول المعرفي عن القارة، فإن رحلة الحج التي انطلق بها إمبراطور مالي “منسا موسى” عام 1324م، قاطعا آلاف الأميال من مملكته إلى البيت الحرام والأراضي المقدسة في الحجاز نبهت الأوروبيين إلى ثروات القارة السمراء.

والحقيقة أن الإسلام هو من اكتشف أفريقيا السوداء، ودعاته هم من توغلوا في عمق أراضيها، واختلطوا بسكانها تجارة وزواجا ومصاهرة، وهو ما يؤكده المؤرخ الفرنسى ألفونس جوللى Alphonse Gouilly في كتابه:” الإسلام في غرب إفريقيا الفرنسية” L’Islam dans l’Afrique Occidentale Française من أن “العصر التاريخي لأفريقيا السوداء لم يبدأ إلا مع ظهور الإسلام، وأن السود بالإسلام لغة وحضارة تقدموا وبلغوا شأوا كبيرا في المدنية”.

امبراطورية مالي

كانت “مالي” من أعظم الممالك وأغناها في غرب أفريقيا في الفترة الممتدة ما بين 1235م حتى العام 1464م، ويصفها “فيلب وولني”  Philip Wolny في كتابه “اكتشاف امبراطورية مالي” Discovering the Empire of Mali بأنها “واحدة من أكبر الإمبراطوريات التي عرفها العالم على الإطلاق” في العصور الوسطى.

و”منسا موسى” هو الملك العاشر لـ”مالي” تولى الحكم عام 1312م، وكلمة منسا تعني: الملك، أو السلطان، في لغة مالي القديمة، وتولى الحكم عقب فقدان أخيه الملك “أبو بكر الثاني” الذي خرج بأسطول بعد عام من توليه السلطة لاستكشاف المحيط الأطلنطي، ونشر الإسلام في البلاد التي تقع خلف ذلك الماء الضخم، لكنه لم يعد من رحلته، وتذهب بعض الآراء أنه وصل إلى شواطيء أمريكا قبل كولومبوس بمائتي عام[1]، وأن السكان الأصليين في أمريكا تعلموا منه صهر الذهب.

يحكم “منسا موسى” مالي من عام 1312م حتى العام 1337م، وخلالها كانت مالي واحدة من أغنى الممالك في أفريقيا، وكان هو من أغنى أغنياء العالم، وامتدت أراضي مملكته عبر أجزاء واسعة شملت: أجزاء من مالي المعاصرة والسنغال وغامبيا وغينيا والنيجر ونيجيريا وتشاد وموريتانيا وبوركينا فاسو.

وجاءت شهرته الواسعة في التاريخ عبر رحلته للحج التي انطلق بها عام 1324م، مصطحبا معه حوالي ستين ألفا من مملكته وجيشه وحاشيته يحملون كميات ضخمة من الذهب، في رحلة قطع خلالها أكثر من أربعة آلاف ميل، واستغرقت قرابة العام، وعاد محملا بالكتب التي حولت تمبكتو إلى عاصمة للفقه والثقافة والعلم في غرب أفريقيا، أما طريق شهرته الثاني فجاء من كميات الذهب الضخمة التي كانت تنتجها مملكته، والتي قدرها البعض بنصف الانتاج العالمي من الذهب، وحقق ثروات ضخمة جعلته أغنى رجل عرفه تاريخ الإنسانية[2]، وقدرت ثروته بـ(400) مليار دولار.

وقد ذاع صيت “منسا موسى” مبكرا بسبب رحلته للحج، والذهب الذي حمله خلالها، ووصلت أخباره إلى أوروبا، فأظهر “الأطلس الكاتالوني”[3] الصادر عام 1375م منطقة غرب أفريقيا يهيمن عليها “منسا موسى” جالسًا على العرش، وممسكًا بقطعة ذهبية ضخمة في يده، ومنذ ذلك الحين أصبحت شخصيته أقرب للأسطورة التي نسج الخيال حولها كثيرا من القصص والحكايات، لذا جاء المثل الإنجليزي الشهير: “حتى جواهر منسا موسى، لا تستطيع إسعاده”[4].

منسا موسى..غربيا

 وقد أغرى “منسا موسى” خيال الغربيين حتى الوقت الحاضر للكتابة عنه، سواء باستعراض سيرته وتاريخ مملكته، وانجازاته طوال سنوات حكمه، أو رحلته للحج والمقادير الهائلة من الذهب التي أنفقها، أو باستلهام شخصيته في مجال الرواية وأدب الأطفال، فقد كانت عاصمته “تمبكتو” تفوق لندن ثراءا واتساعا، هذا ما يؤكده “جيمس أوليفر” James Oliver في كتابه “منسا موسى وإمبراطورية مالي” Mansa Musa and the Empire of Mali، فيؤكد أن “منسا موسى” قاد إمبراطوريته إلى العصر الذهبي”، وكان الحج هو الذي لفت انتباه العالم والأوروبيين إلى أفريقيا، وذهبها وثرائها الكبير.

وفي كتابها ” منسا موسى: زعيم مالي” Mansa Musa: Leader of Mali تقدم ” ليزا زاموسكي” Lisa Zamosky، سيرة مصورة وممتعة عن ذلك الملك مدعومة بالخرائط التي تثرى خيال الأطفال وتشجعهم على  القراءة، وتحدث الكتاب عن رحلته للحج، وعن مكة المكرمة، أما كتاب “منسا موسى أغنى ملك أفريقي” Mansa Musa The Richest African King فهو كتاب مصور للأطفال من خمسين صفحة، يقدم قصته مدعومة بمعلومات حقيقية، لكن في أسلوب ممتع، وكان الهدف من الكتاب تقديم شيء واقعي وشيق يشجع الصغار على القراءة ويثري خيالهم، وكذلك جاءت قصة “منسا موسى: أغنى رجل في التاريخ” Mansa Musa: The Richest Man In History لـ “مايك ماكرو “Mike McCraw وقد استثمر المؤلف الحياة الثرية لذلك الامبراطور ليقدمه للأطفال في صور مشوقة، ليكشف جانبا من ثراء الأفارقة المسلمين، وربما تساهم مثل هذه القصص في تحطيم الكبرياء والعنصرية لدى كثير من الغربيين، الذين ينظرون باستعلاء إلى الثقافات الأخرى.

أما خيفرا بيرنز Khephra Burns ، فألفت كتابا بالتعاون مع آخرين قبل عشر سنوات،  كان عنوانه “منسا موسى: أسد مالي” Mansa Musa: The Lion of Mali”، وفي كتاب ” منسا موسى وتمبكتو: تاريخ رائع من البداية إلى النهاية” Mansa Musa and Timbuktu : A Fascinating History from Beginning to End، فيحكي قصة ذلك الامبراطور، ويذكر الكتاب أن ثورته تقدر بـ(400) مليار دولار، وأن مناجم الذهب في إمبراطوريته كانت تزود بريطانيا وبقية أوروبا بالذهب، وأشار الكتاب إلى أن ذلك الإمبراطور، رغم المناطق الصحروية الجافة التي امتدت عليها مملكته الواسعة في غرب أفريقيا، إلا أنه اهتم بالتعليم والثقافة من خلال مدينة “تمبكتو” Timbuktu الشهيرة بالتعليم والثقافة، فكانت منارة للعلم، وتحدث الكتاب عن رحلته للحج، والتي وصفها الكتاب بأنها “أعظم ما شهده العالم” بعدما انضم للرحلة ستون ألف شخص، يحملون كميات ضخمة من الذهب، الكتاب تناول الحج والتعليم والتجارة والذهب، وخصص فصلا عن الحج عنوانه” أعظم حج في التاريخ“.

أما كتاب”منسا موسى: أشهر مسافر أفريقي إلى مكة المكرمة” Musa: The Most Famous African Traveler to Mecca، فتقدم فيه “باربرا كراسنر” Barbara Krasner سيرة معلوماتية عن ذلك الإمبراطور ورحلته للحج، ودوره في إنشاء “تمبكتو كمركز للثقافة في غرب إفريقيا، أما كتاب “قوافل الذهب ، شظايا في الزمن: الفن والثقافة والتبادل عبر أفريقيا جنوب الصحراء في العصور الوسطى[5] فتستعرض فيه كاثلين بيكفورد بيرزوك Kathleen Bickford Berzock قوافل الذهب التي كانت تنطلق في العصور الوسطى من مالي إلى أوروبا، وكيف حملت الإبل الذهب في قوافل عبرت الصحراء وعادت محملة بالبضائع والكتب والتوابل، الكتاب يقدم دليلا على الدور الرئيسي الذي لعبته أفريقيا في تاريخ العصور الوسطى، وتناول الكتاب، كذلك، رحلة الحج الذهبية لـ”منسا موسى” .

وفي كتاب “منسى موسى: الملك الذهبي لمالي القديمة” Mansa Musa: The Golden King of Ancient Mali لمؤلفه “أكبر علي السبحاني” Akbar ali Thobhani فيقدم سردا ممتعا لحياة “منسا موسى”، وكذلك كتاب “منسا موسى، أنت تملك! Mansa Musa, You Reign!: فيقدم مؤلفه ماركيز جايثر Marques Gaither، سردا تاريخيا لقصة ذلك الملك، ودوره في تعزيزه العلاقات التجارية بين مالي والعالم الخارجي، وتناول رحلته للحج، أما  “ذهب منسا موسى” The Gold of Mansa Musa، تاليف  رينولد جاي Jay Reynold فيحول حياة “منسا موسى” ورحلته للحج لقصة ممتعة.


[1] يشير بعض المؤرخين أنه عندما اكتشف كولومبوس الاميركتين وجد أشخاصا سودا يشبهون الأفارقة، ويؤكد الباحث “ايفان فان سيرتيما” في كتابه “جاءوا قبل كولومبوس: الوجود الأفريقي في أمريكا القديمة” They Came Before Columbus, the African Presence in Ancient America ، أن الأفارقة اكتشفوا الأمريكتين قبل كولومبوس، واستند إلى ما كتبه كولومبوس نفسه في مذكراته ليوم الأحد 22من أكتوبر 1492م أنه رأى” أناس سود معهم حراب وبضائع من الفضة والذهب للمقايضة” ويسخر منهم كولومبوس  بزعمه أن هؤلاء القوم ظنوا أن كولومبوس وقومه قدموا من الجنة لأنهم لم يروا قوما بيضا قبلهم .

[2] في عام 2012 ، نشر موقع  Celebrity Net Worth قائمة بأغنى 25 شخصًا في العالم عبر التاريخ ، وكان منسا موسى أغناهم، بثروة قدرت بـ400 مليار دولار، حيث سبق عائلة “روتشيلد” الشهيرة  التي احتلت المرتبة الثانية، وقلت عنه بحوالي 50 مليار دولار.

[3] الأطلس الكاتالوني Catalan Atlas‏: خريطة وضعها الإسبان، وهي أهم خريطة في فترة العصور الوسطى، رسمت هذه عام 1375، وكتبت باللغة الكاتالونية، وهي لغة منطقة كتالونيا التي تقع في شمال شرق إسبانية

[4] Even all of Mansa Musa’s moolah couldn’t bring him happiness” المثل باللغة الانجليزية

[5] اسم الكتاب باللغة الانجليزية Caravans of Gold, Fragments in Time: Art, Culture, and Exchange across Medieval Saharan Africa