متى حال الحول على المال الذي بلغ النصاب أو حصد الحصاد فإنه وجب إخراج الزكاة على وجه المأمور به شرعا وعلى الفور، ولا يجوز تأخير إخراجها ولو بيوم إلا للمصلحة الراجحة، وقد كان للصحابة رضوان الله عليهم موسم محدد اعتادوه في إخراج جميع أموال الزكاة – خاصة النقدين وعروض التجارة -، ولعل هذه العادة تفهم من قول عثمان بن عفان رضى الله عنه حيث قام خطيبا على منبر رسول الله ﷺ يقول:” هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤد دينه، حتى تحصل أموالكم، فتؤدون منها الزكاة.”[1]
ما هو شهر الزكاة عند الصحابة؟
قيل: هو شهر رمضان، لأنه موسم الطاعة الذي يضاعف فيه الأجر، وقيل: شهر المحرم كي يطابق مع بداية السنة الهجرية، وقيل غير ذلك، والصحيح أنه شهر منسي وغير مذكور فيما يبدو، لقول الإمام الزهري راوي الأثر: “ولم يسم لي السائب الشهر ولم أسأله عنه”[2]، والمقصود أن للصحابة رضوان الله عليهم وقتا معينا في السنة لإخراج زكاة جميع أموالهم ما عدا زكاة الزروع، ولا ريب أن هذا المسلك هو الأيسر والأريح للمزكي من حيث تحديد يوم معين ثابت في كل سنة يزكي فيه جميع ما لديه من الزكاة، ولكن هناك خطوات يجب أن يراعيها المسلم الذي يريد إخراج الزكاة أثناء الأداء، وهي كما يأتي:
ما هي الخطوات الأربعة لإخراج الزكاة؟
والعد هو إحصاء الموجودات الزكوية للمزكي في يوم جوب الزكاة، وهذا يشمل جميع الأثمان التي يملكها المزكي من الذهب أو الفضة والأموال النقدية على اختلاف أنواع العملات، وهذه الأثمان قد تكون في جيبه أو في بيته أو في البنك ونحوه، والمهم أن تكون النقود في ملكه، بالإضافة إلى الأموال المعدة للتجارة، أي جميع الأموال التي يقصد بها البيع والتربح حالا أو مآلا، سواء كانت من العقارات أو غيرها من الأمتعة والأطعمة والألبسة والحيوانات ونحوها، وأي سلعة تم اقتناعها بقصد التجارة فإنها داخلة في ماهية الموجودات الزكوية، وأما الأشياء المادية مثل الأراضي والمباني والمحلات والسيارات والمعدات والأثاثات ونحوها مما لا يقصد بيعها أو در الدخل أو المتاجرة وإنما اتخذت من أجل التشغيل والاستخدام فإن الحكم الشرعي فيها عدم الزكاة في أعيانها.
الخطوة الثانية: التقويم
تأتي مرحلة التقويم بعد تحقيق المزكي من الموجودات الزكوية المتوفرة لديه، حيث يقوم بعد ذلك بتقويم تلك الموجودات تقويما عادلا، وخاصة السلع التجارية بأنواعها المختلفة مثل: الملابس، والعقارات، والمجوهرات، والأسهم، والسيارات، وغيرها وتضم بعضها إلى بعض، ويكون تقديرها بقيمة نقدية التي توافق سعر البيع الحالي، أي بسعر السوق لا بحسب السعر اشتريت به البضائع، ومثلا: السيارة المشتراة بسبعين ألف لغرض التجارة، ثم عند حلول الحول هي تساوى مئة ألف حسب سعر السوق، فتقويمها النقدية يكون على مئة ألف الذي هو سعر البيع ولا يلتفت إلى سعرها الأصلي.
وإن كان المزكي ممن يبيع بضائعه بالجملة، فإنه يقومها بحساب الجملة، ويقومها بالتجزئة إن كان ممن يبيعها بالتجزئة، وتكون العبرة بالأكثر إن كان ممن يبيع بالجملة والتجزئة معًا، ويعمل على غلبة الظن والاحتياط في حال الالتباس والاختلاط بين السلع المبيعة، ويضم القيمة النقدية للأنشطة التجارية إلى نقوده الموجودة- من الذهب والفضة والأوراق النقدية- فتصير نقودا واحدة.
يقول إبراهيم النخعي:” يقوِّم الرجل متاعه إذا كان للتجارة، إذا حلّت عليه الزكاة فيزكيه مع ماله”[3].
الخطوة الثالثة: الحساب
بعد ضم عروض التجارية النقدية مع الأثمان (ويكون كله بالعملة الواحدة)، كأن يكون لدى المزكي عشرين ألف ريال، وقيمة عروض التجارة بعد التقويم ثلاثين ألف ريال، ويكون مجموع الموجودات الزكوية التي حال عليها الحول خمسين ألفا، وبعد معرفة هذا الناتج النقدي، فإنه سيبقى النظر في الديون التي للمزكي على الناس والتي للناس عليه ثم يتم حساب الزكاة على ضوء ذلك.
وأما الدين الذي للناس على المزكي فإنه لا يخلو من حالتين:
- الحالة الأولى: أن يكون الدين حالّاً يلزم سداده في وقت وجوب إخراج الزكاة، وهذا النوع من الدين يخصم من الموجودات الزكوية ولا يدخل في الحساب على مذهب الجمهور القائلين بتأثير الدين على الزكاة، ومن أمثلة ذلك: القرض الذي حان قضاؤه، وأجرة العمال التي يجب دفعها، ومبلغ إيجار المحلات أو المبنى، والرسوم الدراسية الحالة، والأقساط البنكية ونحوها، والفواتير…. وتخصم هذه الديون من الموجودات الزكوية إذا جاء أجلها سويا مع أجل إخراج الزكاة على الصحيح من أقوال أهل العلم.
- الحالة الثانية: أن يكون الدين مؤجلا في الذمة لم يلزم سداده في وقت إخراج الزكاة، ومثل هذا الدين لا أثر له في الزكاة ولا يجوز خصمه من المال الزكوي، ومن كان عليه القرض أو الأقساط أو الرسوم الدراسية أو الإيجار وغير من ذلك من الديون المؤجلة فإنه يزكي ماله دون اعتبار مثل هذه الديون.
ما هي الديون التي لا تضم إلى الزكاة؟
1. الدين الذي عند المدين المعسر، أي الفقير الذي ثبت فقره ولا يقدر وفاء الدين الذى عليه، أو يصعب عليه القضاء، وهذا المدين المعسر لا يطالب بقضاء الدين أصلا وهو في هذه الحالة، بل يجب إنظاره لقوله تعالى:{وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280]، ومن ثم لا يحسب هذا الدين من الموجودات الزكوية.
2. الدين الذي جحده الجاحد، وإذا أنكر المدين المكابر الحق الذي عليه، فإنه يعتبر من الدين الذي لا يرجى أداءه، ولا يحسب مثل هذا من الزكاة، ولا يطالب المزكي بزكاته.
3. الدين الذي بيد المدين الملئ المماطل، وإذا لم يمكن للمزكي أخذ دينه من مدينه المماطل بعد المحاولة فإنه لا يجب عليه زكاة ذلك الدين
ويلحق بهذه الديون الثلاثة؛ الدين الذي يكون بين المزكي ووالديه ونحوهما مما لا يرجى الأداء في الغالب لوجود الحرج والحياء في المطالبة، ولكن في أي وقت قبض المزكي دينه الذي بلغ النصاب وحال عليه الحول فإنه يزكيه لعام واحد فقط على الصحيح من مذاهب أهل العلم.
يقول الحسن البصري رحمه الله:” إذا حضر الشهر الذي وقت الرجل أن يؤدي فيه زكاته، أدى عن كل مال له، وكل ما ابتاع من التجارة، وكل دين إلا ما كان ضمارا لا يرجوه[4]
الخطوة الرابعة: كيفية إخراج الزكاة
تذكيرا بمسألة نصاب الأوراق النقدية التي نالت النقاش الواسع بين العلماء المعاصرين في تكييفها وماهيتها، ثم انتهى الامر إلى أن الأوراق المالية نظير الذهب والفضة من حيث الاستقلال الذاتي في الثمنية، ويعتبر كل ورق نقدي جنسا مستقلا بنفسه، فعملة ورقية الريال مثلا جنس، وكذا يكون النظر في بقية أجناس العملات الأخرى.
ويكون حكم الأوراق المالية حكم الذهب والفضة، فنصابها نصابهما، وأقل نصاب الذهب: (85) جراماً من الذهب، وأقل نصاب الفضة: (595) جراماً من الفضة، على اختلاف بين العلماء المعاصرين في أي النصابين يختار، منهم من رجح نصاب الفضة لأنه أنفع للفقراء والمساكين، ومنهم من ذهب إلى اعتبار الذهب لعدم تغير قيمته في الغالب كما هو حال بقية أنصبة الأموال الزكوية، ومنهم من نظر إلى أكثرهما رواجا.
ولكن نسبة الزكاة المطلوبة من الوعاء الزكوي النقدي في كل حال، هي اثنان ونصف في المائة (2.5%) بالضرب، أو بتقسيم جميع الأموال على أربعين فيكون الواجب فيه هو جزء واحد من الأربعين، وفي نهاية الحساب يحصل مقدار ربع العشر.
ولتوضيح المسألة بالمثال، لو كان الوعاء الزكي بمبلغ خميسن ألف ريال (50,000 ريالا) فإنه ممكن إخراج النسبة منه عن طريق ضرب مجموع الوعاء في (2,5) فيكون الناتج هو حق المال الواجب (ربع العشر من عموم المال) يعني:
(50.000 ريالا × 2,5= 1,25ريال)
ويمكن إخراجها عن طريق التقسيم على الأربعين (40) فيخرج بنفس النتيجة هكذا:
( 50000 ريالا ÷ 40 = 1،25 ريالا)
وكل ما تقدم من البيان فإن مجمله في كلمة ميمون بن مهران التابعي التي عبر فيها بكل بساطة قائلا:” إذا حلت عليك الزكـاة فانظر ما عندك من نقد أو عرض للبيع فَقَوّمهُ قيمة النقد، وما كان من دين في مـلاءة فاحسبه ثم اطـرح منه ما كان عليك من دين ثم زك ما بقي[5]
تخصيص يوم لإخراج جميع الأموال الزكوية – غير الثمار- بعد تمام الحول على أصل النصاب هو هدي الصحابة كما سبق، دون اعتبار تباين الأزمنة الحاصل بين الأموال في الامتلاك، لأن هذا المسلك أنفع للفقراء والمساكين وأيسر على المزكي في البراءة من العهدة، ولكن لا مانع من تحديد لكل مال أجله مستقل عن آخر، فيزكي كل واحد على حدة إذا حال عليه الحول، وفي كل خير.
[1] رواه مالك (873)
[2] السنن الكبرى للبيهقي (7607)
[3] الأموال، ص: 893
[4] الأموال، ص: 892
[5] الأموال، ص: 918