عن عائشة رضي الله عنها قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل، قال: “إني لستُ كهيئتكم، إني يطعمني ربي ويسقين” (رواه البخاري (1964)).

قال العلامة ابن القيم: “وقد اختلف الناس في هذا الطعام والشراب المذكورين على قولين:

أحدهما: أنه طعام وشراب حسي للفم، قالوا: وهذه حقيقة اللفظ ولا موجب للعدول عنها.

الثاني: أن المراد به ما يغذيه الله به من معارفه، وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه، وتنعمه بحبه والشوق إليه، وتوابع ذلك من الأحوال التي هي غذاء القلوب ونعيم الأرواح وقرة العين وبهجة النفوس والروح والقلب بما هو أعظم غذاء وأجوده وأنفعه، وقد يقوى هذا الغذاء حتى يغني عن غذاء الأجسام مدة من الزمان كما قيل:

لها أحاديث من ذكراك تشغلها *** عن الشراب وتلهيها عن الزاد
لها بوجهك نور تستضيء به *** ومن حديثك في أعقابها حادي
إذا شكت من كلال السير أوعدها *** روح القدوم فتحيا عند ميعاد

ومن له أدنى تجربة وشوق يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الحيواني، ولا سيما المسرور الفرحان الظافر بمطلوبه، الذي قد قرت عينه بمحبوبه، وتنعم بقربه والرضى عنه، وألطاف محبوبه وهداياه وتحفه تصل إليه كل وقت، ومحبوبه حفي به معتن بأمره مكرم له غاية الإكرام، مع المحبة التامة له، أفليس في هذا أعظم غذاء لهذا المحب، فكيف بالحبيب الذي لا شيء أجل منه، ولا أعظم، ولا أجمل، ولا أكمل، ولا أعظم إحسانا إذا امتلأ قلب المحب بحبه، وملك حبه جميع أجزاء قلبه وجوارحه، وتمكن حبه منه أعظم تمكن، وهذا حاله مع حبيبه، أفليس هذا المحب عند حبيبه يطعمه ويسقيه ليلا ونهارا؟!” ا. هـ (“زاد المعاد” (2-32-33)).

وقال الحافظ ابن رجب: “والصحيح أنه إشارة إلى ما كان الله تعالى يفتحه عليه في صيامه وخلوته بربه، لمناجاته وذكره من موائد أنسه، ونفحات قدسه، فكان يرد بذلك على قلبه من المعارف الإلهية والمنح الربانية ما يغذيه ويغنيه عن الطعام والشراب” ا. هـ (“لطائف المعارف” (ص345)).

لذة الوصال.. يا لها من لذة

حلاوة الإيمان، لذة العبادة، لذة الوصال، الأنس بالله، مصطلحات معانيها متقاربة إن لم تكن متشابهة، كلها تدور حول معنى واحد هو: التلذذ بالطاعة وتحمل المشقة في رضى الله ورسوله وإيثار ذلك على عرض الدنيا.

إن المسلم عندما يتأمل في عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في صلاته، في صيامه، في جهاده، يتعجب من طول تلك العبادة، ويجعله يتساءل ما الذي يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاءه الوحي بعد الأربعين من عمره يقوم الليل ويصوم النهار فيما يتعب شبابنا اليوم، ما الذي يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم تتشقق قدماه من طول القيام، فلا يتألم ولا يشعر بها، ليس السر بالتأكيد في قوة الجسم ولا في صحة البنيان، ولكن السر في حلاوة الإيمان ولذة الوصال، إنها حالٌ ترقى بالإنسان إلى درجة أنه يتلذذ بالعبادة ولا يشعر بالألم، لو تفطرت القدمان لا يشعر بهما؛ لأن قلبه متصلٌ بالخالق، إن الجسد على الأرض وإن الروح في السماء، يطير في الملكوت الأعلى، قلبه تحت العرش، كيف يتألم من هذا حاله؟!

يقول الحافظ ابن رجب: “الإيمان له حلاوة وطعم يذاق بالقلوب كما يذاق حلاوة الطعام والشراب بالفم، فإن الإيمان هو غذاء القلوب وقوتها كما أن الطعام والشراب غذاء الأبدان وقوتها، وكما أن الجسد لا يجد حلاوة الطعام والشراب إلا عند صحته، فإذا سقم لم يجد حلاوة ما ينفعه من ذلك، بل قد يستحلي ما يضره وما ليس فيه حلاوة لغلبة السقم عليه، فكذلك القلب إنما يجد حلاوة الإيمان إذا سلم من مرض الأهواء المضلة والشهوات المحرمة وجد حلاوة الإيمان حينئذ، ومتى مرض وسقم لم يجد حلاوة الإيمان، بل يستحلي ما فيه هلاكه من الأهواء والمعاصي، ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) لأنه لو كمل إيمانه لوجد حلاوة الإيمان فاستغنى بها عن استحلاء المعاصي، سئل وهيب بن الورد: هل يجد طعم الإيمان من يعصي الله؟ قال: لا، ولا من هم بالمعصية. وقال ذو النون: كما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه كذلك لا يجد القلب حلاوة العبادة مع الذنوب” (فتح الباري” (1-50-51)).

صور من لذة الوصال

ذاك ثابت البناني يجد في الصلاة لذة تفوق لذات الدنيا كلها، حتى يتمنى أن تكون الصلاة رفيقة له في قبره، فيقول: اللهم إن كنت أعطيت أحدا الصلاة في قبره فأعطني الصلاة في قبري (سير النبلاء (5-222)).

وذاك آخر في مرض الموت، يجود بنفسه فيأبى إلا أن يخرج نفسه الأخير وهو في الصلاة، فقد سمع عامرُ بن عبد الله بن الزبير المؤذنَ وهو يجود بنفسه فقال: خذوا بيدي، فقيل له: إنك عليل. قال: اسمع داعي الله فلا أجيبه؟! فأخذوا بيده، فدخل مع الإمام في المغرب، فركع ركعة ثم مات (“سير النبلاء” (5-220)).

وآخرون كان لليلهم لذة تفوق أي لذة، قال بعض السلف: إني لأفرح بالليل حين يقبل، لما يلتذ به عيشي، وتقر به عيني من مناجاة من أحب وخلوتي بخدمته والتذلل بين يديه، وأغتم للفجر إذا طلع، لما أشتغل به بالنهار عن ذلك (“طريق الهجرتين” لابن القيم (ص321)).

وذاك شيخ الإسلام ابن تيمية يكون ذكر الله عز وجل والأنس به غدائه وقوته وحياته يقول ابن القيم: “وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفت إلي وقال: هذه غدوتي ولو لم أتغد هذا الغداء لسقطت قوتي، وقال لي مرة: لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر”. (الوابل الصيب (ص93)).

ويصف أحد السلف تلك اللذة فيقول: “إنَّهُ لتمرُ بالقلبِ أوقاتٍ أقولُ فيها إن كانَ أهلُ الجنةِ في مثلِ هذا إنَّهم لفي عيشٍ طيب”، ويجيبه آخر: “مساكين أهلِ الدنيا، خرجُوا من الدنيا وما ذَاقوا أطيبَ ما فيها، قالوا: وما أطيبَ ما فيها؟ قال: محبةُ اللهِ والأنسُ به، والشوقُ إلى لقائهِ والإقبالُ عليه، والإعراضُ عمن سواه”.

علامات لذة الوصال

لتلك اللذة التي تفوق لذات الدنيا، وتنقل الإنسان إلى حياة أخرى علامات من وجدها في نفسه فقد فاز بسعادة الدنيا ونعيم الآخرة، من تلك العلامات.

1- الإحساس بمرارة الكفر والفسوق والعصيان: قال ابن رجب: “إذا وجد القلب حلاوة الإيمان أحس بمرارة الكفر والفسوق والعصيان، ولهذا قال يوسف عليه السلام: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}. [يوسف: 33]، وسئل ذو النون: متى أُحبُّ ربي؟ قال: إذا كان ما يكرهه أَمرَّ عندك من الصبر. وقال بشر بن السري: ليس من أعلام المحبة أن تحب ما يبغضه حبيبك”. (فتح الباري (1-58)).

2- الثبات على دين الله: يقول ابن القيم واصفا حال الإنسان عند وصوله إلى مرتبة التلذذ بالأعمال الصالحة: “ولا يزال السالك عرضة للآفات والفتور والانتكاس حتى يصل إلى هذه الحالة، فحينئذ يصير نعيمه في سيره، ولذته في اجتهاده، وعذابه في فتوره ووقوفه، فترى أشد الأشياء عليه ضياع شيء من وقته، ووقوفه عن سيره”. (طريق الهجرتين (ص321)).

 3- النشاط في أداء العبادة: قال ابن القيم: “السالك في أول الأمر يجد تعب التكاليف ومشقة العمل لعدم أنس قلبه بمعبوده، فإذا حصل للقلب روح الأنس زالت عنه تلك التكاليف والمشاق، فصارت قرة عين له وقوة ولذة، فتصير الصلاة قرة عينه بعد أن كانت عملا عليه، ويستريح بها بعد أن كان يطلب الراحة منها”. (مدارج السالكين (2-354)).

4- طيب العيش في الحياة الدنيا: قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، قال الحافظ ابن كثير: “هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا، وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه، من ذكر أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وأن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله، بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة؛ والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت”. (تفسير القرآن العظيم: (4-601)).

ويقول ابن القيم: “والإقبال على الله تعالى والإنابة إليه والرضى به وعنه، وامتلاء القلب من محبته واللهج بذكره، والفرح والسرور بمعرفته، ثواب عاجل وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البتة. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة. وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي أنا جنتي وبستاني في صدري أنى رحت فهي معي، لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة. وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هذه النعمة. أو قال: ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير. ونحو هذا.

ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه، وقال: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ}. [لحديد: 13].

وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط، مع كل ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم، بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد، والإرهاق وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا، وأشرحهم صدرا، وأقواهم قلبا وأسرهم نفسا، تلوح نضرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه، فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة.

فبمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره والسكون إليه والطمأنينة إليه وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإرادته، هو جنة الدنيا والنعيم الذي لا يشبهه نعيم، وهو قرة عين المحبين وحياة العارفين، وإنما تقر عيون الناس به على حسب قرة أعينهم بالله عز وجل، فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه تقطعت نفسه على الدنيا حسرات”. (الوابل الصيب (93)، بتصرف).

الطريق نحو لذة الوصال

أما الطريق نحو لذة الوصال فتمر عبر عدة خطوات نجملها فيما يلي:

1- حلاوة الإيمان خطوة أولى نحو لذة الوصال: وردت عدة نصوص تبين عظيم ما في حلاوة الإيمان من اللذة، فقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار. (رواه البخاري (16) ومسلم (43)).

قال ابن رجب: “إذا رسخ الإيمان في القلب وتحقق به ووجد حلاوته وطعمه أحبه وأحب ثباته ودوامه والزيادة منه، وكره مفارقته، وكان كراهته لمفارقته أعظم عنده من كراهة الإلقاء في النار، قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}. [الحجرات: 7]”. (“فتح الباري” (1-56-57).).

2- القيام بالعبادة على وجهها: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حبب إلي من دنياكم: النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة” (رواه أحمد والنسائي).

قال ابن القيم: “الصلاة إنما تكفر سيئات من أدى حقها وأكمل خشوعها ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه، فهذا إذا انصرف منها وجد خفة من نفسه وأحس بأثقال قد وضعت عنه، فوجد نشاطا وراحة وروحا حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها، لأنها قرة عينه، ونعيم روحه، وجنة قلبه، ومستراحه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها فيستريح بها، لا منها، فالمحبون يقولون: نصلي فنستريح بصلاتنا، كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم: (يا بلال، أرحنا بالصلاة)، ولم يقل أرحنا منها، وقال: (جعلت قرة عيني في الصلاة)”. (الوابل الصيب (51-52)).

3- البعد عن المعاصي: قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم. ويقول ابن الجوزي: “قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني؟ فقيل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي.

فمن تأمل هذا الجنس من المعاقبة وجده بالمرصاد، حتى قال وهب بن الورد وقد سئل: أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ قال: ولا من هَمَّ.

“فرب شخص أطلق بصره فحرم اعتبار بصيرته، أو لسانه فحرم صفاء قلبه، أو آثر شبهة في مطعم فأظلم سره، وحرم قيام الليل وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك”. (صيد الخاطر:(51)).

4- غض البصر: يقول ابن القيم: “غض البصر عن المحارم يوجب ثلاث فوائد عظيمة الخطر، جليلة القدر؛ إحداها: حلاوة الإيمان ولذته، التي هي أحلى وأطيب وألذ مما صرف بصره عنه وتركه لله تعالى، فإن من ترك شيئا لله عوضه الله عز وجل خيرا منه، والنفس مولعة بحب النظر إلى الصور الجميلة، والعين رائد القلب، فيبعث رائده لنظر ما هناك فإذا أخبره بحسن المنظور إليه وجماله تحرك اشتياقا إليه، وكثيرا ما يتعب ويتعب رسوله ورائده، فإذا كف الرائد عن الكشف والمطالعة استراح القلب من كلفة الطلب والإرادة فمن أطلق لحظاته دامت حسراته…”. (إغاثة اللهفان: (1-57).).

5- مجاهدة النفس: قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}. [العنكبوت: 69].

ويقول ثابت البناني: كابدت الصلاة عشرين سنة، وتنعمت بها عشرين سنة (سير النبلاء: (5-224)).

قال ابن القيم: “وهذه اللذة والتنعم بالخدمة إنما تحصل بالمصابرة على التكره والتعب أولا، فإذا صبر عليه وصدق في صبره أفضى به إلى هذه اللذة، قال أبو يزيد: سقت نفسي إلى الله وهي تبكي، فما زلت أسوقها حتى انساقت إليه وهي تضحك”. (طريق الهجرتين: (ص321)).

6- تدبر القرآن والمعرفة بأسماء الله وصفاته: قال الإمام ابن تيمية: “كلما ذاق العبد حلاوة الصلاة كان انجذابه إليها أوكد، وهذا يكون بحسب قوة الإيمان، والأسباب المقوية للإيمان كثيرة… فإن ما في القلب من معرفة الله ومحبته وخشيته وإخلاص الدين له وخوفه ورجائه والتصديق بأخباره وغير ذلك مما يتباين الناس فيه، ويتفاضلون تفاضلا عظيما، ويقوى ذلك كلما ازداد العبد تدبرا للقرآن، وفهما ومعرفة بأسماء الله وصفاته وعظمته، وتفقره إليه في عبادته واشتغاله به، بحيث يجد اضطراره إلى أن يكون تعالى معبوده ومستغاثه أعظم من اضطراره إلى الأكل والشرب، فإنه لا صلاح له إلا بأن يكون الله هو معبوده الذى يطمئن إليه ويأنس به، ويلتذ بذكره، ويستريح به، ولا حصول لهذا إلا بإعانة الله، ومتى كان للقلب إله غير الله فسد وهلك هلاكا لا صلاح معه، ومتى لم يعنه الله على ذلك لم يصلحه، ولا حول ولا قوة إلا به، ولا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه”. (مجموع الفتاوى: (22-606)).

7- الإكثار من النوافل: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه”. (رواه البخاري.).

قال ابن رجب: “المراد بهذ الكلام أن من اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض، ثم بالنوافل قربه إليه، ورقاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله ومحبته وعظمته وخوفه ومهابته وإجلاله والأنس به والشوق إليه، حتى يصير هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهدا له بعين البصيرة” ا. هـ (“جامع العلوم والحكم” (2-273).).

8- الدعاء: عن رفاعة الزرقي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا يوم أحد بدعاء طويل، وفيه: “اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين”. ( رواه أحمد (3-424) والبخاري في “الأدب المفرد” (699)).

9- الحذر من تحول العبادات إلى عادات: قال الحافظ ابن رجب: “كثير من الناس يمشي على العوائد دون ما يوجبه الإيمان ويقتضيه، فلهذا كثير منهم لو ضرب ما أفطر في رمضان لغير عذر، ومن جهالهم من لا يفطر لعذر ولو تضرر بالصوم، مع أن الله يحب منه أن يقبل رخصته، جريا منه على العادة، وقد اعتاد مع ذلك ما حرم الله من الزنا وشرب الخمر وأخذ الأموال والأعراض أو الدماء بغير حق، فهذا يجري على عوائده في ذلك كله لا على مقتضى الإيمان، ومن عمل بمقتضى الإيمان صارت لذته في مصابرة نفسه عما تميل نفسه إليه إذا كان فيه سخط الله، وربما يرتقي إلى أن يكره جميع ما يكرهه الله منه، وينفر منه وإن كان ملائما للنفوس”. (لطائف المعارف: (289)).

* د.وليد نور