هو شهاب الدين أبو الثناء الآلوسي، مفسِّر ومحدِّث وفقيه وشاعر وخطّاط وأديب من المجددين، شيخ العلماء في العراق في عصره، ونادرة من النوادر التي جادت بها الأيام، اشتغل بالتأليف والتدريس والإفتاء، وخلّف مكتبة زاخرة بالكتب القيمة أشهرها تفسيره الكبير “روح المعاني” الذي استغرق تأليفه 15 سنة.

من علماء القرن الثالث عشر الهجري، يلقب بـ “أبو الثناء” وبـ”الآلوسي الكبير” تمييزاً له عن باقي العلماء الآلوسيين الذين انحدروا من هذه الأسرة التي اشتهر أهلها بالعلم.  تلقى العلوم على شيوخ عصره، وكان شديد الحرص على التعلم ذكيا فطنا، لا يكاد ينسى شيئا سمعه، حتى صار إمام عصره بلا منازع. اشتغل بالتأليف والتدريس في سن مبكرة، فذاع صيته وكثر تلاميذه، تولى منصب الإفتاء وبقي فيه حتى سنة 1263هـ .

قام بعدة رحلات وزيارات علمية إلى الآستانة وغيرها امتدت إلى عدة سنوات. وقد خلَّف ثروة علمية كبيرة ونافعة، على رأسها تفسيره الشهير المسمى “روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني”، ويُعدُّ هذا التفسير موسوعة كبيرة جمع فيه الآلوسي خلاصة علم المتقدمين في التفسير، وقد ذكر فيه بعض إشارات الصوفية في التفسير.

جمع الآلوسي كثيرا من علوم المنقول والمعقول، وأحكم فهم علمي الفروع والأصول، وكان مع هذا وذاك مفسرا لكتاب الله لا يُبارى، ومحدّثا للسنة لا يُجارى. ومع أنه -رحمه الله- كان شافعيَّ المذهب إلا أنه في كثير من المسائل كان يقلد الإمام أبا حنيفة، عالما باختلاف المذاهب، ومطلعا على الملل والنحل، وكان في آخر حياته يميل إلى الاجتهاد، أو الأخذ بما قام الدليل عليه عنده.

وقد بين ذلك في مؤلفاته، وصرح بذلك ابنه نعمان الآلوسي، وحفيده محمود شكري الآلوسي، والمؤرخ العراقي محمد بهجة الأثري في تراجمهم له. وكان يقلد المذهب الحنفي في المعاملات مدة إفتائه، وعرف منه ميله إلى آراء الحنفية في كثير من المسائل الفقهية.

مولده ونشأته

هو محمود شهاب الدين أبو الثناء الحسيني الآلوسي (1217-1270 هـ)،(1803 – 1854م). يرجع نسبه إلى مدينة آلوس وهي جزيرة في وسط نهر الفرات في محافظة الأنبار، حيث فر إليها جد هذه الأسرة من وجه هولاكو التتري عندما دهم بغداد فنسب إليها. ويرجع نسب عائلته إلى سبط النبي محمد فهي عائلة علوية النسب. وآلوسية في الموطن وبغدادية السكن.

مجتهد، تقلد الإفتاء ببلده عام 1248هـ، بموجب الفرمان السلطاني العثماني ثم عزل فانقطع للعلم. وتصدر للتدريس في مدرسة الحاج أمين جلبي في رأس القرية، وفي المدرسة العمرية المعروفة في جانب الكرخ الواقعة باتصال جامع قمرية وفي مدرسة الحاج نعمان الباجة جي في محلة عمّار سبع أبكار.

تولى صدارة التدريس في المدرسة القادرية والمدرسة المرجانية وقد قصد إليه العلماء والفقهاء من سائر أقطار المعمورة، وكان له مجلس حافل في محلة العاقولية من جانب الرصافة يختلف إليه رواد العلم والمعرفة ومن رواد هذا المجلس الشيخ عبد الباقي العمري، والشاعر عبد الغفار الأخرس، والخطاط أحمد أفندي القايمقجي، وقد حفظت أخبار هذا المجلس في كتاب حديقة الورود للشيخ عبد الفتاح الشواف، وللشيخ محمود الآلوسي الأثر الكبير في إنعاش الحركة العلمية في بغداد في عصره، وسافر عام 1262هـ إلى الموصل وإسطنبول، ومر بماردين وسيواس فغاب 21 شهرا، وذهب إلى الباب العالي فأكرمه السلطان عبد المجيد.

ثم عاد إلى بغداد يدون رحلاته ويكمل ما كان قد بدأ به من مصنفاته.

مؤلفاته

اشتغل الآلوسي بالتأليف مدة طويلة من الزمن، فألف كتبا عديدة وخلَّف ثروة علمية كبيرة ونافعة وترك مكتبة غنية بالكتب القيمة والعظيمة الفائدة، في التفسير والفقه والمنطق والأدب واللغة نذكر منها:

  • روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني. والمعروف بـ (تفسير الآلوسي).
  • نشوة الشمول في السفر إلى إسلامبول وهو عن رحلته إلى الإستانة.
  • نشوة المدام في العودة إلى دار السلام.
  • غرائب الاغتراب.
  • دقائق التفسير.
  • الخريدة الغيبية.
  • كشف الطرة عن الغرة.
  • حاشية قطر الندى.
  • شرح سلم المنطق.
  • الفيض الوارد في شرح قصيدة مولانا خالد.
  • الرسالة اللاهورية.
  • الأجوبة العراقية.
  • البرهان في اطاعة السلطان.
  • الطراز المذهب في شرح قصيدة الباز الأشهب.
  • شهى النغم في ترجمة شيخ الإسلام وولي النعم.
  • النفحات القدسية.
  • حاشية الحنفية على مير أبي فتح.
  • الفوائد السنية.
  • رسالة في الجهاد.
  • المقامات الآلوسية.

وغيرها كثير من الرسائل والمؤلفات المخطوطة والمطبوعة.

تفسير الآلوسي “روح المعاني”

يأتي على رأس مؤلفات الآلوسي واحدا من التفاسير التي كان لها حضور في الثقافة الإسلامية وهو تفسير “روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني”، الذي استغرق تأليفه خمس عشرة سنة، ويُعدُّ هذا التفسير موسوعة كبيرة جمع فيه الآلوسي خلاصة علم المتقدمين في التفسير، وقد ذكر فيه بعض إشارات الصوفية في التفسير.

هذا التفسير قد أفرغ فيه مؤلِّفه وسعه، وبذل جهده، حتى أخرجه للناس تفسيرا جامعا لآراء السلف رواية ودراية، ومشتملا على أقوال الخلف بكل أمانة وعناية، فهو تفسير جامع لخلاصة ما سبقه من التفاسير. لكنه لم يكن مجرَّد ناقل فحسب، بل كان يُنَصِّب من نفسه حَكَمًا عدلاً على كل ما ينقل، ويجعل من نفسه ناقدًا مدقِّقًا وممحصًا لكل رأي وقول، ثم يبدي رأيه حرا فيما ينقل. وكان كثيرا ما يتعقب الرازي في العديد من المسائل الفقهية، ويخالفه الرأي فيها، لكن إن استصوب رأيا لبعض من ينقل عنهم انتصر له، ونافح عنه بكل ما أُوتى من قوة.

لكن مما يُؤخذ على الآلوسي أنه كان مترددًا في مسائل الأسماء والصفات بين مذهبي السلف والخلف؛ فهو أحيانًا يميل إلى مذهب السلف ويقرره وينسب نفسه إليه، حيث كان مترددا -رحمه الله- بين مذهب السلف والخلف، ولأجل هذا عدَّه بعضهم من أصحاب التفسير بالمعقول.

ويلاحظ من منهجه في تفسيره الأمور التالية:

  • استطراده كثيرا في المسائل الكونية التي ليس لها علاقة وثيقة بعلم التفسير.
  • وكان له استطراد أيضًا في ذكر المسائل النحوية، إذ كان يتوسع بها أحيانًا إلى درجة يكاد يخرج بها عن وصف كونه مفسِّرًا.
  • أما المسائل الفقهية فمنهجه فيها أن يستوفي أقوال أهل العلم في المسألة موضوع البحث، ومن ثَمَّ يختار منها ما يؤيده الدليل، من غير تعصب لمذهب معين، بل رائده في ذلك: أن الحق أحق أن يُتَّبع.
  • كانت له عناية ملحوظة بنقد الروايات الإسرائيلية، وتفنيد الأخبار المكذوبة التي ساقها بعض المفسرين السابقين له.
  • كغيره من المفسرين السابقين، يعرض للقراءات القرآنية الواردة في الآية الكريمة، بيد أنه لا يتقيد بالمتواتر منها، بل ينقل غير المتواتر لفائدة يراها، ولكن يُنبِّه عليه.
  • له عناية ملحوظة بذكر أوجه المناسبات بين الآيات والسور، مع تعرضه لذكر أسباب النزول لفَهْم الآيات وفق أسباب نزولها.
  • كان ميالا في تفسيره إلى التفسير الإشاري، وهذا ما أُخذ عليه، فهو بعد أن يفرغ من الكلام عن كل ما يتعلق بظاهر الآيات، تُراه يذكر لها تفسيرا إشاريا، أي يفسرها تفسيرا يخرج بها عن ظاهرها، وهذا فيه ما هو مقبول، وفيه ما هو مردود، لا يُوافَق عليه.

ومهما يكن، فإن تفسير “روح المعاني” يبقى موسوعة تفسيرية قيِّمة، جمعت جُلَّ ما قاله علماء التفسير المتقدمين، وامتازت بالنقد الحر، والترجيح المعتمد على الدليل، والرأي البنَّاء، والاتزان في تناول المسائل التفسيرية وغيرها، مما له ارتباط بموضوع التفسير.

نشاطه العلمي والأدبي

كان أبو الثناء ركنا من أركان النهضة الأدبية في إنتاجه وفي توجيهه فلم يكن فقيها فقط وانما أديبا أيضا قام بنفسه في تدوين كتب ومؤلفات أدبية خالصة وكان يعد في طليعة أدباء عصره من شعراء وكتاب وكان على علاقة جيدة بهم.

إذ كان له مجلس أدبي حافل في محلة العاقولية من جانب الرصافة من بغداد يختلف اليه رواد العلم والمعرفة والأدب ومن رواد هذا المجلس الشعراء عبد الباقي العمري وصالح التميمي وعبد الغفار الأخرس والمفتي عبد الغني آل جميل والخطاط احمد افندي القايمقجي وادباء الموصل مثل قاسم الحمدي وعبد الله المعروف بباش عالم وغيرهم ومن كربلاء كاظم الرشتى وقاسم الهر وفي النجف والحلة جماعة كبيرة والشيخ جابر السيد راضي القزويني ووالده صالح القزويني ومهدي القزويني وغيرهم.

كان لمجلس أبو الثناء وباقي المجالس الأدبية التي عرفتها بغداد وباقي مدن العراق دوراً مهماً وبالغاً في دفع الحياة الفكرية وإنضاجها، وعلى الرغم من المسحة الأدبية التي كانت تطغى على تلك المجالس، إلاّ أن روادها لم يكونوا بمعزل عن مناقشة المهم من الأمور المتعلقة بالأوضاع السياسية والاجتماعية. وعلى هذا فإن المجالس الأدبية مثلت وسيلة لها قيمتها البالغة في تحفيز المجتمع العراقي نحو الثقافة والعلوم.

لم يكن الإمام أبو الثناء الآلوسي فقيها مفسرا وأديبا فقط بل كان خطاطا ماهرا دوّن وخط معظم كتبه بخطه، وقد أخذ إجازة الخط من الخطاط “سفيان الوهبي” وهو أحد أشهر الخطاطين في بغداد، وفقا لما جاء في (البغداديون أخبارهم ومجالسهم) لإبراهيم عبد الغني الدروبي.

شيوخه وتلامذته

أخذ الآلوسي العلم عن فحول العلماء، منهم والده العلاَّمة، والشيخ خالد النقشبندي، والشيخ على السويدي، والشيخ علي الموصلي، والشيخ يحيى المروزي العمادي، ومحمد بن أحمد التميمي الخليلي المصري.

كما روى عن عبد الرحمن الكزبري، وعبد اللطيف بن حمزة فتح الله البيروتي، والشمس محمد أمين بن عابدين مكاتبةً، واجتمع في إسلامبول بشيخ الإسلام عارف الله بن حكمة الله، وأجاز كل منهما صاحبه، والشمس محمد التميمي الحنفي، وأخذ في العراق عن علاء الدين عليّ الموصلي، وعلي بن محمد سعيد السويدي، وعبد العزيز بن محمد الشواف، والمعمر يحيى المروزي العمادي، والشيخ عبد الفتاح شوَّاف زاده، وغيرهم.

كما أخذ عنه كثيرون، ونتصل بمروياته ومؤلفاته من طرقٍ منها: عن إبراهيم بن سليمان الحنفي المكي عن محمد بن حميد الشرقي مفتي الحنابلة بمكة المكرمة عنه، ومنها عن الشيخ أحمد أبي الخير المكي عن نعمان الآلوسي عن أبيه، ومنها بأسانيدنا إلى عارف الله بن حكمة الله عنه. ومن أشهر تلاميذه صالح بن يحيى بن يونس الموصلي السعدي، وغيرهم.

وفاته

توفي أبو الثناء الآلوسي في بغداد في 5 ذو القعدة عام 1270هـ/29 تموز عام 1854م. ودفن في مقبرة الشيخ معروف الكرخي.