إن وتيرة وحجم التغييرات الطارئة التي يجب التعامل معها اليوم نقلت صناعة ثقافة الابتكار من الكماليات إلى الضرورات الملحة في أي مؤسسة تسعى للنجاح. لم يعد الابتكار العرضي أو المرتبط بظروف معينة كافيا للحفاظ على القدرة التنافسية والبقاء في الأسواق على المدى الطويل.

إن تعزيز هذا النوع من الثقافة يجعل الابتكار أولوية تنظيمية مما يمنع القادة والفرق من الانغماس في الوضع الراهن وفقدان الفرص التي تأتي مع التغيير.

يتطلب تعزيز ثقافة الابتكار مواءمة القيم والسياسات والإجراءات بهدف التحسين المستمر إنه جهد يبذل داخل المؤسسة أو المنظمة يتعاون من أجله الجميع ويشتمل على مستويات تنظيمية ووحدات تشغيلية ووظائف متعددة.

 وفيما يلي سبع طرق تؤدي إلى صناعة ثقافة الابتكار :

البداية من التوظيف

تبدأ صناعة ثقافة الابتكار من آليات لتوظيف. يحذر الخبراء من السماح للتحيزات اللاواعية التي تفضل التأثير المألوف على قرارات التوظيف. ويمكن أن تؤدي الميول إلى توظيف أشخاص لديهم اهتمامات وخلفيات مماثلة للقائمين على شؤون التوظيف فيستقطبون نسخ مطابقة لهم لديها نفس أسلوب التفكير الجماعي مما يعتبر عاملا معاكسا للإبداع.

وجهات النظر المتنوعة ضرورية لعمليات الابتكار وفقا لخبير الابتكار أليكس غونزاليس حيث يعتبر أنه من الخطأ “عدم استقطاب الأصوات المتنوعة والقيم وآليات التفكير والاحتياجات وأنظمة المعتقدات المختلفة إلى مواقع الابتكار”.

تستخدم العديد من المؤسسات طرقا مجربة لمنع أشكال من التحيز غير المقصود من التأثير على قرارات التوظيف. وأفضل الممارسات لهذا الغرض توحيد معايير الاختيار لتوفير تجربة قابلة للمقارنة بين جميع المرشحين ، وتقييم السير الذاتية بطرق تضمن المساواة والابتعاد عن المؤثرات، وإجراء لجنة متنوعة الأفكار والاتجاهات لمقابلات المتقدمين.

التعلم المستمر

يمكن لفرق التعلم والتطوير أن تلعب دورا رئيسيا في خلق ثقافة الابتكار من خلال تطوير أداء جميع الموظفين وتدريبهم وإكسابهم المهارات اللازمة والتواصل وتعزيز التحسين المستمر كقيمة مشتركة في جميع أنحاء المؤسسة حيث تظهر الدراسات أن المؤسسات الحاصلة على جرعات عالية من التدريب والتعليم هي الأكثر عرضة للابتكار بنسبة 92٪.

يجب على الموظفين أيضا تعلم مهارات كيفية الابتكار، وتشمل هذه القدرات: حل المشكلات ومهارات التفكير وتحليل البيانات ومهارات التواصل. بالإضافة إلى ذلك ، يمكن أن يوفر للقادة التدريب على استراتيجيات تعزيز بيئة السلامة النفسية وتوفير بيئة خلاقة مما سيدفع باتجاه تشجيع فرق العمل إلى القيام بالتجارب والمخاطرة دون الخوف من الفشل.

توسيع الحلم

صادف المراسل الحائز على جائزة بوليتزر تشارلز دوهيج مئات الأمثلة أثناء دراسته لعلم الإنتاجية والتي توضح “الأهداف الممتدة” هي أساس الابتكار المرتفع. على سبيل المثال ، بعد الحرب العالمية الثانية كلف رئيس نظام السكك الحديدية في اليابان المهندسين ببناء قطار يمكن أن يقطع 120 ميلا في الساعة ، أي أكثر من ضعف أسرع قطار حتى الآن. في مواجهة هذا التحدي ، كان على المهندسين التفكير بشكل مختلف جذريا عما كانوا عليه في السابق. عمليات الابتكار تحدث عندما يتم تشجيع الموظفين على الحلم بأكبر صورة ممكنة مع تحديد أهداف عالية معقولة التحقيق.

وضع حد للإدارة التفصيلية

يلعب الرؤساء التنفيذيون أو مدراء المراحل المتوسطة في المؤسسات والمنظمات دورا أساسيا في خلق ثقافة الابتكار. يجب أن تكون أدوراهم مساندة وميسرة لعمليات الانتاج وتساهم في خلق مساحات للموظفين، والابتعاد عن أسلوب الإدارة التفصيلية.

غالبا ما يميل هؤلاء التنفيذيون إلى استخدام مناصبهم للتحكم في كيفية إنجاز العمل، وخلق اختناقات غير ضرورية ، والتركيز على الشكليات ونقاط ضعف الموظفين وإخفاقاتهم، وكل ذلك له تأثير سلبي على الإنتاجية والعمل الجماعي.

ويجب أن يتعلم هؤلاء التنفيذيون مهارات تمكنهم من التعرف على مهارات فرق العمل، ومكافأة جهودهم وإنجازاتهم. ومقاومة إغراء الإدارة التفصيلية، ومنح الثقة باستقلالية أكبر. وعندما يتم تمكين الموظفين من التوصل إلى حلول جديدة فإنهم غير ملزمين بالطريقة التي تمت بها الأمور في الماضي. ومن المرجح أن يطلقوا العنان لإبداعهم ، ويتبادلون الأفكار ، واختبار هذه الثقة الممنوحة التي تأتي من معرفة احترام مساهماتهم.

حواجز التسلسل الهرمي

على المستوى التنظيمي تشمل الحواجز الرئيسة التي تحول دون خلق ثقافة الابتكار الطبيعة الهرمية الصارمة للعديد من الشركات والإدارات التي تتعارض مع التدفق الحر للمعرفة. ومع ذلك ، فإن معظم الابتكار يقف بسبب السلاسل الرأسية للمؤسسات مما يتطلب تعاونا أفقيا. إزالة هذه الحواجز يبدأ من القمة. يقترح الدكتور وجيه إسحاق – كبير التقنيين في شركة كورنينج للأبحاث والتطوير – “يمكن للقائد تعزيز الفوائد الثقافية لتربية الابتكار من خلال فتح مساحة تنظيمية تسمح للمبتكرين بتجاوز الحواجز والتسلسلات الهرمية التي غالبا ما تعيق الإبداع .

الإنصات المقصود

يتطلب خلق ثقافة الابتكار التواصل مع العالم خارج الجدران الأربعة للمؤسسة. يجب أن تتعلم فرق المنتجات والتسويق مهارة الانصات المتقن والمقصود بهدف الاستماع إلى صوت العميل وتحديد تحدياته واحتياجاته بدلا من وضع افتراضات متخيلة، كذلك على العاملين بالقرب من الجمهور وجود آلية تتيح مشاركة هذه المعلومات مع مجموعات أخرى داخل المؤسسة.

على سبيل المثال ، تصف أمازون كيفية قيادة الشركة عمليات الابتكار المستمرة من خلال البقاء على مقربة من عملائها ، وحل المشاكل التي يواجهونها ومواكبة تطور الاحتياجات بمرور الوقت.

تعزيز الانتماء

لا يمكن أن تنشأ ثقافة الابتكار إلا في مناخ ينظم آليات القبول والانتماء بصورة واضحة، وسيعد الابتكار نتيجة ثانوية طبيعية. ووفقا لمركز القيادة الإبداعية عندما يشعر الناس باستمرار بأنهم منتمون داخل المؤسسة ويتملكهم شعور بالانتماء في مكان عملهم ، فحتما ستتولد لديهم طاقة للتحمل والعمل بأعلى درجات الشفافية.

ويعزز عامل الانتماء عقلية الابتكار التي تتميز بالفضول وهو جزء لا يتجزأ من بيئة العمل الآمنة نفسيا. في هذا النوع من البيئات ، يكون للتعاون بين فرق العمل عاملا مهما للأسبقية والمنافسة وتوضع جميع وجهات النظر على قدم المساواة.

أفكار أخيرة

يتطلب خلق ثقافة الابتكار أبطالا ومشجعين على كل مستوى وفي كل وظيفة داخل المنظمة. يتمثل دورهم في قيادة واستدامة التغييرات الثقافية التي تدعم التدفق الحر للمعلومات ، وتمكين الموظفين ، والتظافر من أجل إيجاد حلول للمشكلات ، والمبادرة المؤدية إلى الابتكار وجعل بيئة المنظمة ديناميكية ومرنة وسريعة الاستجابة وقابلة للتكيف.

على حد تعبير الرئيس التنفيذي لشركة والت ديزني بوب إيجر ، “إن أخطر شيء يمكننا القيام به هو الحفاظ على الوضع الراهن”.

من المؤكد أن عدم الالتزام بأعلى المعايير في جميع أنحاء المنظمة وتهيئة الظروف المعززة للابتكار يعتبر مؤشرا على مخاطر مهددة لها في المستقبل.