قد يجد بعض الناس صعوبة في فعل الطاعات في رمضان، لأنه لم يتعود على ذلك، وإذا به يجد زخما من الطاعات، فالصيام الذي لم يكن تعود عليه طوال النهار، وقراءة القرآن جزءا على أقل تقدير في اليوم وهو الذي ربما كان تمر عليه الشهور ولم يكن يقرؤه، وصلاة التراويح كل ليلة في رمضان وهو الذي ربما كان يقصر في بعض الفروض، أو يقتصر على الفروض دون النوافل، أو كان يصلي أحيانا الفرائض في غير المسجد، وكذلك أذكار الصباح والمساء التي لم يتعود عليها، وكثرة الصدقات وغيرها من الطاعات الكثيرة التي قد تجد النفس صعوبة في فعلها.

إن مثل هذا الشعور قد يجعل الإنسان لا يقوى على إكمال تلك الطاعات في رمضان بأكملها، اللهم إلا أن يصوم الشهر ويصلي الفرائض، وهو بحاجة إلى محفزات تجعل تلك الطاعات في رمضان مع كثرتها محببة إلى نفسه؛ ليقوى عليها، ومن أهم تلك المحفزات:

أولا- الاستعانة بالله تعالى

لما كانت العبادة لله تعالى، فلا يعين العبد عليها إلا الله سبحانه، وكلما وجد العبد في نفسه مشقة لأداء طاعة من الطاعات، فعليه أن يتوجه إلى الله تعالى بالدعاء أن ييسر له فعل الطاعات، وأن يعينه على ذلك، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه أن يسألوا الله العون على طاعته، كما أخرج النسائي وأبو دواد  عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه -: «أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أخذ بيده، وقال: يا معاذ، والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ، لا تدعن في كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».

ثانيا- قصد الله بالعبادة

حين يتذكر الإنسان عند إقباله على الطاعة أنه يفعله لله تعالى فيسهل عليه أداؤها، وفرق بين أن يفعل الإنسان الطاعة لأنها واجب عليه أداؤها ، مثل أي عمل يجب عليه فعله، وبين أن يقصد به وجه الله تعالى، وأنه يتوجه بها لله رب العالمين، فساعتها يستشعر لذة في أداء الطاعة، لأنها تكون عن حب، فإن فعلها عن حب سهلت عليه، ولذا جعل الله تعالى من علامات محبته اتباع ما جاء به نبيه من الهدي، كما قال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [آل عمران: 31].

ثالثا- مجاهدة النفس

مما يعين على الطاعات في رمضان، مجاهدة النفس، لأن الإنسان إن ترك نفسه لهواها لا تصبر على طاعة، ولا تستمر على فضيلة، وحين تكون المجاهدة لله؛ يرزق العبد توفيق الله لطاعته، كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، ومجاهدة النفس نوع من السياسة، تحتاج إلى أن لا يترك الإنسان لنفسه الحبل على الغارب، ولا أن يشد عليها فتنفر من الطاعة، فهو يسوسها في فعل الواجبات والمستحبات وترك المحرمات، كما أنه لا يحرمها المباحات بالقدر الذي لا يخرجها عن طاعته، والنفس لها ميل وانهماك إلى الشهوات، كما أنها تحب الامتناع عن الطاعات، فالمجاهدة تكون بحملها على فعل الطاعة وترك الشهوة.

وقد جعل الإمام ابن القيم – رحمه الله- مجاهدة النفس على أربع مراتب في زاد المعاد في هدي خير العباد (3/ 9)، هي:

إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين.

الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.

الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه، وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه، ولا ينجيه من عذاب الله.

الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق، ويتحمل ذلك كله لله. فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه، فمن علم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماوات. الحقّ ويعمل به ويعلّمه، فمن علم وعمل وعلّم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السّموات .

رابعا- أداء الطاعات في جماعة

إن الإنسان كائن اجتماعي، يتأثر بمن حوله ويؤثر فيهم، وكثير من الناس يكون تبعا للغالب الموجود المنتشر في المجتمع، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فإن وجد الناس يحافظون على الطاعات كان معهم، وإن كان الغالب الشر ربما شاركهم في بعضه ، إن لم ينغمس معهم فيه، ولأن الجماعة من أهم وسائل عون الإنسان على طاعة الرحمن، كان خطاب الله تعالى للمسلمين بصيغة الجماعة، وهو كثير جدا في كتاب الله تعالى، وقد جاءت السنة النبوية تحث على العمل الصالح في جماعة، فالصلاة في جماعة، والصيام يكون في جماعة، والحج يؤدي في جماعة، حتى الزكاة فيها معنى الجماعة، وصلة الرحم جماعة، وغالب العبادات تكون في جماعة، فمن استصعب شيئا من الطاعات، فليجعل أداء تلك الطاعة في جماعة وصحبة؛ فيسهل عليه أداؤها.

وقد ورد في حلية الأولياء 4/291 عن محمد بن واسع – رحمه الله- أنه قال: ما بقي في الدنيا شيء ألذ من الصلاة في الجماعة، ولقاء الإخوان.

وفي الحلية 6/126 عن محمد بن المبارك أنه قال: كان سعيد بن عبد العزيز إذا فاتته صلاة الجماعة بكى، فما بالنا بمن يضيع الصلاة بالكلية!

وفي الحلية 2/163 عن سعيد بن المسيب قال: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة!

وفي كتاب الإخوان لابن أبي الدنيا:ص:50، سئل محمد بن واسع: أي العمل في الدنيا أفضل؟ قال: صحبة الأصحاب، ومحادثة الإخوان، إذا اصطحبوا على البر والتقوى.

خامسا- احتساب الطاعة بالوقت

فمن ثقل عليه أداء صلاة التراويح فليحسب كم تستغرق الصلاة من وقت؟ ومن ثقل عليه قراءة جزء من القرآن فلينظر كم يستغرق من الوقت؟ فإنه إن أدرك أن غالب صلاة التراويح أقل من نصف ساعة، وأن قراءة جزء من القرآن لا يستغرق نصف ساعة، ثم ليتذكر أن عمره كله هبة من الله تعالى له، هان عليه فعل الطاعات، كما أنه حين يقارن بين الوقت الذي يقضيه في الطاعة وبين الوقت الذي يقضيه في هوى النفس وشهواتها، وكم ينفق فيها؛ علم أن وقت طاعاته أقل بكثير من وقت هواه وشهوته؛ فيسهل عليه أداء الطاعات في رمضان.

وإن من توفيق الله للعبد أن يرزقه حسن الاستفادة من وقته، ومعرفة قيمته، فلا ينفقه إلا فيما أمر وشرع، ولهذا حرص السلف الصالح على الاستفادة من أوقاتهم، فقد أورد الذهبي في سير أعلام النبلاء:6/199 أن سليمان التيمي لم تكن تمر ساعة قط  عليه إلا تصدق بشيء، فإن لم يكن شيء صلى ركعتين.

وفي الحلية:8/303 عن أبي بكر بن عياش أنه كان يقول: إن أحدهم لو سقط منه درهم لظل يومه يقول: إنا لله، ذهب درهمي، ولا يقول: ذهب يومي، ما عملت فيه.

سادسا- استصحاب الثواب

إن مما يعين المسلم على فعل الطاعات هو استحضار ثوابها عند الله، وما أعد الله تعالى لعباده المؤمنين في جنته، وما لها من أثر صالح في حياته، فمن أهم فوائد عمل الطاعات أن يفوز المسلم بجنة ربه، وأن ينجو من عذابه، والطاعة علامة على صلاح العبد واستقامته، وهي تورثه الهداية في قلبه، والطمأنينة في نفسه، والطاعة تثمر محبة الله تعالى ورضاه، وما يكون لذلك من أثر طيب في حياته، وهي من علامات حسن الخاتمة، كما أنها مما يحفظ به الله تعالى على العبد أهله وذريته وماله، كما أنها دليل صدق اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.

سابعا- النظر إلى الطائعين

فمما يسهل الطاعة على العبد المؤمن أن ينظر إلى إخوانه الطائعين الذين سبقوه في طاعة الله تعالى، وأنه ليس وحده في ميدان الطاعة، فمن ثقلت عليه الصلاة في المسجد، فعليه حين يدخل المسجد أن ينظر عدد المصلين فيه، وليحسب ترتيبه بينهم، فسيجد نفسه قد سبقه إلى الصلاة عشرات من الناس، ومن يصعب عليه قراءة القرآن، فليذهب إلى المسجد ولينظر إلى من يقرؤون القرآن، وأنه ليس وحده من يفكر في طاعة الله، بل هناك من سبقوه، فليسع إلى المنافسة التي دعا الله عباده إليها بقوله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران: 133، 134]

وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على المسارعة في الخيرات، كما أخرج الترمذي في سننه بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم: بادروا بالأعمال سبعا: هل تنظرون إلّا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا، أو الدّجّال، فشرّ غائب ينتظر، أو السّاعة فالسّاعة أدهى وأمرّ.

ثامنا- تذكر الآخرة

إن من أهم ما يعين المسلم على طاعة الله تعالى أن يتذكر آخرته، وأن ما يفعله في هذه الدنيا إنما هو لآخرته، خيرا فخير، وشرا فشر، وأن يتذكر الصراط والحساب، والجنة والنار، فمن استحضر تذكر الآخرة؛ هانت عليه الطاعة في الدنيا، وليتذكر الإنسان أنه ليس مخلدا في الدنيا، ففي تهذيب السير:2/563 عن الحسن البصري قال: ابن آدم. إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك.

وفي جامع العلوم والحكم لابن رجب، ص:503 قال أبو بكر المزني: إذا أردت أن تنفعك صلاتك؛ فقل: لعلي لا أصلي غيرها.

وقد يجد الإنسان في نفسه محفزات أخرى غير ما ذكر تعينه على طاعة الله، فليبحث عنها، وليستفد منها، حتى يستشعر لذة الطاعة ويسرها، ومن تعود عليها سهلت عليه.

وفقنا الله تعالى إلى طاعته، ورزقنا دوام ذكره وشكره وحسن عبادته.