جواب حاسم.. أمر واضح يجيب على طلب قوم أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم في مسجدهم، وكالعادة أخذ بظاهر الحال، ووعد بذلك إن عاد من تبوك.

لكن جاء الأمر.. جوابا على طلب القوم.

وبدلا من الصلاة جرى إحراق المسجد، وإحراق وكر آخر كانوا يجتمعون فيه.

ما القضية..؟

البدء من الجذور يكشف الحقائق..، يوما ما في بدايات أيام المدينة، حينما كان كل شيء يخطو خطواته الأولى، المسجد، والمهاجرون المتوافدون ما زالوا يعانون من حمى المدينة..

جاء الراهب المدعو أبا عامر..، وجادل النبي صلى الله عليه وسلم في ما أتى به من عند ربه.. غرور الراهب منعه من قبول الحق، بل ودفعه للادعاء بأن نصرانيته هي حنيفية إبراهيم عليه السلام، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن ما معه هو الحنيفية بيضاء نقية.

انتهى الحوار بقول أبي عامر: أنت الكاذب.

فرد النبي صلى الله عليه وسلم بحزم: الكاذب أماته الله طريدا شريدا…

في المعمعة التي مضت فيها قريش محمولة على متون ثأرات بدر، ركب أبو عامر كبره وغروره، ومضى نحو المدينة مع قريش ليجذب قومه إليه..، وحاول هذا مدعيا أن له قدرا فيهم خاصة أن خمسين شابا من قومه كانوا قد مضوا معه إلى مكة…

ولكن رد القوم كان في غاية الإحباط له.. فانطلق وحفر حفرا ليقع فيها المسلمون..

ووقع النبي صلى الله عليه وسلم في إحداها…

وانزوى الراهب من مسرح الأحداث بعيدا في بيزنطة..، وعاش هناك، فلما لامست دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتاب ملك الروم برسالته إليهم، تحفز أبوعامر، وبدأ تخطيطه الملتوي، ورمى حباله فتلقفها ابن أبي بن سلول وزمرته.

ونبت مسجد.. أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ألا يقوم فيه أبدا.. لأنه ليس مستقيما.. إنما هو كفر وتفريق بين المؤمنين، وانتظارا ورصدا لأعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم…

وهكذا كان.

نظرة على الأمور تقول، إن الروم رغبوا في تدمير الدين الناشئ حديثا، وأما أبوعامر فسيقوم بالأدوار التالية:

بمجرد وقوع الهزيمة المفترضة للمسلمين يتحرك المنافقون من مسجد الضرار فيقومون بالتخريب وقتل البقية الباقية من المسلمين.

وأسمح لخيالي بأن الروم كانوا سيحولون المدينة ثم مكة لاحقا لمملكة أو اثنتين على غرار المملكة الغسانية أو أن تتبع المدينتان للغساسنة، وقد يبقون الوثنية العربية أو يمحونها لصالح النصرانية.

ما يحملني على هذا محاولات الغسانيين غزو المدينة وهي شائعة ظلت رائجة لوقت طويل عام تسع للهجرة، ومحاولتهم إغراء كعب بن مالك رضي الله عنه لما جرى له ما جرى.

لكن الروم لأمر ما –قد يكون أرضيا أو سماويا– لم يقاتلوا في تبوك، واشتروا سلامتهم مؤقتا، ووادع النبي صلى الله عليه وسلم حكام الحدود الشمالية للجزيرة، وعاد للمدينة فقضى على مسجد الضرار آخر محاولة حقيقية لتدمير الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

أما أبوعامر… فقد مات في نفس العام غما وهما.. ومن يدري ربما كان قيصر قد سممه للتخلص منه، إذ لا جدوى من منديل جرى استخدامه..، لقد مات غريبا طريدا وحيدا.. لم يرثه أحد إلا عربيان كانا في بلاط قيصر، واختصما على ميراثه فورث قيصر الحضري وأخرج البدوي من القسمة.. ربما كانت محاولة لشراء الرجل الوارث أو.. الكاذب يموت هكذا طريدا وحيدا شريدا.