أحمد لك الله على جهدك واجتهادك واهتمامك بمسألة حفظ القرآن الكريم، فـ”خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه” كما قال حبيبنا رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم)، ولحرص كثير من الآباء على أن ينالوا هذا الثواب العظيم، فهم يحرصون على تعلم أبنائهم القرآن الكريم وحفظه، وهذه غاية نبيلة وهدف سامٍ ندعو الله سبحانه أن ننال شرف الوصول إليه، وقبل أن أبدأ في الاقتراحات الخاصة بمسألة الحفظ أرجو منك أن تطلع -أولاً وقبل البدء في قراءة هذا الرد- على موضوعين لهما صلة وثيقة باستشارتك هذه، وهما: “المنهج السليم في حفظ القرآن الكريم”، والآخر “أطفالنا خلف لحفظة السلف”.
وبداية أود أن أقص عليك موقفًا طريفًا قد حدث معي، فقد ذهبت لزيارة إحدى الصديقات، فوجدت عندها زينة معلقة وآثار شموع ورقم (16) معلق على الحائط بطريقة مزركشة جميلة، وكأن هناك احتفالاً بيوم ميلاد أحد أبنائها، فبادرتها قائلة: “عقبال مية سنة”، فابتسمت قائلة المفترض أن يكونوا ثلاثين فقط، فاندهشت قائلة: ما من أم إلا وترغب أن يطيل الله عمر أبنائها إلى ما بعد المائة وأنت تقولين ثلاثين فقط، فقالت لم أقصد بذلك عمر ابني فأنا بالطبع أدعو له بطول العمر مع صلاح العمل، ولكن أقصد ما نحتفل به لا يزيد عن ثلاثين، ثم أوضحت قائلة بأنها بدلاً من أن تقيم حفل “عيد” ميلاد، فهي تقيمه بعد أن يحفظ ابنها جزءاً من القرآن الكريم، وتدعو في هذا الحفل كل أصدقاء ابنها، فتتركهم يحتفلون بالطريقة التي تحلو لهم ما دام في حدود اللياقة، وكانت هذه إحدى الطرق التي كانت ترغب ابنها وتحثُّه على الحفظ، فكلما فكَّر في هذا الاحتفال زاد حماسه للحفظ.
والآن تعالَ سويًّا لنضع الخطوط العريضة لبرنامج يحفز ابنك على الحفظ مع علاج موضوع الملل هذا.
قبل أن نبدأ في علاج المشكلة يجب أن نتعرف على عدة أمور تساعدنا في إيجاد الحل:
أولاً: اعلم أن ابنك ليس بدعًا من البشر، فالملل والفتور اللذان يعتريان الإنسان أمرًا فطريًّا طبيعيًّا؛ لذا يجب أن نتعامل مع الأمر بشكل يتناسب وطبيعته.
ثانيًا: المرحلة العمرية التي يمر بها ابنك لم تَعُد تلك المرحلة من الطفولة المبكرة التي إذا أمر فيها استجاب، ولم تَعُد جلّ اهتماماته أن يحاول إرضاء والديه حتى يحظى بالاهتمام، والأمن، والرعاية التي تمثل أهم خصائص المرحلة السابقة من عمره، فالأمر اختلف وأصبحت له اهتمامات أخرى وعلاقات أخرى، وهنا يبرز دور الأتراب؛ ولذا من الواجب الاطمئنان على اختيار الابن لأصدقائه، فالمرء على دين خليله كما قال (ﷺ).
ثالثًا: إن من أهم سمات هذه المرحلة أيضًا توحُّد الابن مع أبيه بشكل ملحوظ، بمعنى أن الابن يرى والده أفضل الآباء على الإطلاق، ويحاول أن يحذو حذوه في أمور كثيرة من حياته، ومن هنا يصبح دور الأب غاية في الأهمية ليس فقط في قضية حفظ القرآن الكريم، بل في أمر التربية كلها.
أما وقد عرفنا هذه الأمور، فيمكن أن نحاول حل المشكلة من خلال الأبعاد السابقة عن طريق:
أولا:ألا يحدد للابن وقتًا خاصًّا للحفظ فيه، بل يحدد فقط القدر المطلوب حفظه.
ثانيا:أما عن القدر المطلوب حفظه فهو القدر الذي لا يبعث على الملل، وليس على حسب قدرة الابن على الحفظ، وهنا أشير إلى مشروع الآيتين، وهو عبارة عن حفظ آيتين فقط في اليوم، مع قراءة الأربع عشرة آية في آخر الأسبوع غيبًا، ثم قراءة الستين آية في نهاية الشهر غيبًا.
ثالثا:في نهاية الأسبوع والشهر يُكافأ بمكافأة معنوية أو مادية، لكنها رمزية، مع ملاحظة ألا يُوعد الابن بأية مكافأة قبل الحفظ، وهذا الأمر غاية في الأهمية، فلا بد أن نعلِّم أطفالنا أن يأتوا بالأفعال المحمودة أو المرغوب فيها أولاً، ثم يثابوا بعد ذلك عليها، وليس بالضرورة أن تكون المكافأة مادية.
رابعا:أن يقوم الوالد بتسميع ما حفظ الابن في السيارة أثناء ذهابهما إلى نزهة مثلاً أو زيارة بعض الأصدقاء أو للتسوق، وليس شرطًا أن تكون هناك جلسة خاصة بالتسميع.
خامسا:بين الحين والآخر يمتدح الأب التزام ابنه بالحفظ أمام أصدقائه (أصدقاء الأب).
سادسا:أن يستعين الوالدان بشرائط القرآن الكريم، وتقوم الأم بتشغيل الجزء الذي يحفظه الابن دون أمره بالاستماع، بل يُدار الشريط على أساس أنها تحفظ هي الأخرى هذا الجزء من القرآن الكريم، وتفعل ذلك فعلاً، بل تقوم أحيانًا بالاستعانة بابنها ليتبادلا التسميع (ارجع مرة أخرى لموضوعَي “المنهج السليم في حفظ القرآن الكريم” و”أطفالنا خلف لحفظة السلف”.
سابعا:الاستعانة بـ(CD) لحفظ القرآن الخاص بالأطفال لوجود ألغاز وبعض الأسئلة الثقافية، وبعض الألعاب، وهو ما يثير الابن ويجعله يستمتع بعملية الحفظ.
ثامنا:إقامة حفل إن أمكن ذلك عندما ينتهي ابنك من حفظ جزء من القرآن الكريم، مع دعوة أترابه؛ ليكون لهم قدوة.
سابعا:وكما ذكرت أن الأصدقاء لهم تأثير قوي بعضهم على بعض في هذه الفترة؛ لذا يمكن للوالدين أن يتعرفا على أولياء أمور زملاء وأصدقاء الابن، ويتعاونا إن أمكن ذلك في البدء في مشروع الآيتين، على أن يكون هناك لقاء دوري بينهم جميعًا لعمل مسابقة بين الأبناء في هذا، وتشجيع الجميع، وتبادل الهدايا، وتنظيم رحلات (ينظمها الأبناء) كمكافأة على حفظ الجزء، وتلك الرحلات تكون بالتبادل مع الحفل.
-هناك عشرات من الأنشطة المختلفة التي يمكن للآباء أن يبتكروها، دون ضغط أو إلحاح يسبب للأبناء كراهية للحفظ أو للقرآن بوجه عام، كما أحب أن أنوِّه بأنه ليس شرطًا حفظ القرآن الكريم كله فهذا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) -وكلنا نعرف من هو عمر ومكانته في الإسلام- توفِّي ولم يتم حفظه، وكما نؤكد على الحفظ نؤكد على العمل بما نحفظ.
-وأود أن أشير إلى أن هناك بحثًا سوف يقدم عن القرآن الكريم قريبًا إن شاء الله، يتناول أمور عديدة تجيب عن أسئلة المهتمين بأمر حفظه، فادعوا لنا الله لإتمامه حتى يستفيد به أكبر عدد ممن يهتمون بهذه القضية.. أعاننا الله وإياكم لهذه المهمة النبيلة، وجعلنا جميعًا من حفظة القرآن الكريم قولاً وعملاً.
من فضلك انقري هنا لمطالعة الاستشارتين اللتين أشرنا إليهما:
المنهج السليم لتحفيظ القرآن الكريم
أطفالنا خلف لحفظة السلف
أ/عزة تهامي