إذا كانت مظاهر التوحد التي تظهر على الطفل عادية أو من ضمن الفروقات الفردية فبها ونعمت، أما إذا كان هناك شك في شيء آخر فإن الاكتشاف المبكر هو أحد أبرز وسائل المساعدة لهؤلاء الأطفال.
سيدتي.. إن النصيحة الذهبية التي أوجهها لجميع الآباء والأمهات هي عدم التراخي والتعلق بالآمال، فليس كل تأخر في الكلام هو تأخر طبيعي.
نعم، إن تأخر الكلام قد يكون أول إشارة لموضوع أكثر أهمية وجدية. وليس هنا مجال للشرح أو إعطاء بعض الأمثلة. ولكنني سأنتقل مباشرة لموضوع السؤال، وسأوضح بعض الأمور بداية:
الأول: إن أي تأخر في أي مظهر من مظاهر النمو يظهره الطفل عن أقرانه أو عن العمر الزمني له يجب ألا يتجاوز تجاهله ستة أشهر، وخلاف ذلك يجب وأكرِّر يجب عرض الطفل على اختصاصي، بل أكثر من اختصاصي إذا لزم الأمر؛ للوقوف على أسباب هذا التأخر وطبيعته (طبيعي أم مرضي).
الثاني:إن هناك بعض المظاهر التي لا يمكن تجاهلها أو اتباع أسلوب “لننتظر ونرى” (lets wait and see)؛ فالوقت الذي يمر هو من عمر الطفل، وكلما كان هناك تأخر بالاكتشاف كان هناك تأخر في تطبيق البرامج التدريبية المناسبة في الفترة الحرجة للتعلم من عمر الطفل.
أما بالنسبة لطفلك بشكل خاص، فإجابتي ببساطة أرجو ألا تكون قاسية. نعم إن المظاهر التي وصفتها هي من مظاهر التوحد، وما يتوجب عليكم هو التوجه وعلى عجل لاختصاصي نفسي، واختصاصي تربية خاصة، واختصاصي تواصل (نطق ولغة)، وطبيب عام أو طبيب متخصص بالتطور عند الأطفال؛ لإجراء تقييم شامل وتحديد درجة الإصابة والبدء بالتدريب.
وهنا سأستغل هذه العجالة لإعطاء فكرة مبسطة عن التوحد:
فالتوحد ليس اضطرابًا واحدًا، بل هو اسم جامع لمجموعة من الاضطرابات التي تنضوي تحت اسم واحد ويطلق عليه مجموعة خصائص التوحد (autistic disorder spectrum)، وهو اضطراب تطوري (أي يحدث خلال السنوات الأولى من حياة الإنسان) ويستمر مدى الحياة. ولتعدد أوجهه وأعراضه فإن تشخيص إصابة طفل ما بالتوحد هو عملية فعليًّا معقدة، وتتطلب تدخل العديد من المختصين الأكفاء.
وهو اضطراب نمائي أي يؤثر على النمو الطبيعي للطفل بشكل أو بآخر. وتؤثر الصفات التوحدية أساسًا على المهارات التواصلية للإنسان وعلاقته بالناس من حوله.
وتظهر لدى بعض الأشخاص مجموعة من الصفات والتي قد تختلف عن الصفات التي تظهر لدى إنسان آخر. وقد تختلف حدة هذه الصفات بين الأفراد وأحيانًا عند الإنسان نفسه خلال مراحل حياته المختلفة، بل إن بعض الأشخاص قد يمضون حياتهم دون إدراك أن ما يعانون منه هو من مظاهر التوحد، لكنهم يشعرون هم ومن حولهم أنهم مختلفون عن الآخرين لسبب غير واضح.
– والنواحي الأساسية التي تتأثر فعليًّا هي ما يسمَّى بالثالوث أو الاضطرابات الثلاثية، وهي:
1. التفاعل الاجتماعي: حيث يجد هؤلاء الأشخاص صعوبة في بدء أو استمرار علاقة اجتماعية، وعندما يقومون بذلك فإن علاقاتهم غالبًا ما تكون جافة وخالية من “الروح” التي تميز العلاقات الإنسانية.
2. التواصل الاجتماعي: حيث يكون لديهم صعوبات في التواصل اللفظي وغير اللفظي، فهم يجدون صعوبة في فهم دور اللغة كوسيلة لتبادل المعلومات والمشاعر وطلب الاحتياجات. وإذا تكونت لديهم مهارات لغوية فإنها غالبًا ما تكون جافة وحرفية، فمثلاً يجد الكثير منهم صعوبة في فهم أي معنى للكلام غير المعنى الحرفي، ويجدون صعوبة في فهم تعابير الوجه، أو نبر الصوت، أو النكات، أو الكلام المجازي.
3. التخيل: حيث يجدون صعوبة في تطوير مهارات اللعب التخيلي الضرورية للتعلم وفهم الحياة؛ ولذا تكون معظم نشاطاتهم أو ألعابهم نمطية ومكررة، وغالبًا يهتمون بتفاصيل جانبية للأشياء (غير مهمة) أكثر من فهمهم للصورة المتكاملة لشيء أو نشاط أو لعبة، وتصاحب هذه الاضطرابات الأساسية عددًا من السلوكيات النمطية والتي تختلف في الحدة والشكل من شخص لآخر، بل إنها قد لا تظهر جميعها لدى نفس الشخص، ولكنها جميعًا من المظاهر التي يتم الاعتماد عليها في تقييم شخص ما وتشخيصه بأن لديه صفات توحدية، ومن أمثلتها:
1 – أداء حركات مكررة ونمطية بالأيدي أو الأصابع أو الأشياء، مثل: لف الأصابع بطريقة معينة، أو اللعب بنفس اللعبة بشكل مكرّر ونمطي ليس فيه تجديد أو تخيل.
2 – الاهتمام بالأشياء المتحركة، مثل: المراوح أو عجلات السيارات.
3 – الاهتمام بتفاصيل الأشياء،مثل: الحفر على الأبواب أو نقاط في صورة أو حبة على الوجه، فيديمون النظر إليها أو تحسسها بدون الاهتمام بالتفاصيل الأكثر أهمية.
4 – الطرق أو الخربشة على الأبواب أو الأسطح بشكل متكرر.
5 – تحسس الأشياء أو شمها بشكل متكرر.
6 – تكرار حركات جسدية مثل اللف أو القفز أو الدوران أو المشي على شكل زوايا أو خطوط مستقيمة.
7 – إيذاء الذات أو الآخرين مثل العض.
8 – صك الأسنان أو تحريك الرأس.
9 – الصراخ أو إصدار أصوات معينة بشكل مكرر ونمطي.
10 – الارتباط غير المبرر بأشياء معينة، مثل: لباس معين أو أكل معين أو لعبة معينة، والاضطراب عند عدم وجودها أو محاولة استبدالها، مثل: جاكيت معين أو المفاتيح أو سيارة أو ركن بالمنزل.
11 – الاضطراب عند تغيير روتين معين مثل الانتقال من مكان لآخر (من المنزل للسوق أو من غرفة لأخرى) أو إعادة ترتيب سريره أو أثاث المنزل.
12 – الاهتمام غير المبرر بأصوات معينة، مثل: صوت تنقيط الماء أو صوت لعبة معينة.
13 – جمع أشياء بدون هدف مثل جمع العلب البلاستيكية أو المفاتيح وصفها في خطوط أو ترتيب معين.
14 – طقوس معينة عند النوم.
15 – تكرار أسئلة بعينها وكلام معين مثل نشرات الأخبار.
-ومن المظاهر المصاحبة أو اللافتة للانتباه:
1 – عدم الاستجابة للكلام رغم أن قدرتهم السمعية جيدة.
2 – عدم استخدام اللغة -إذا وجدت- بالشكل المناسب وبالطريقة المناسبة، وغالبًا ما يكون كلامهم تقليدًا -كالصدى- أو جامدًا مثل طلب الأكل أو شيء معين فقط.
3 – فرط أو قلة نشاط.
4 – استجابة غير ملائمة للاستثارات الحسية العادية، مثل الحساسية المفرطة للصوت أو رفض للمس.
5 – تغيرات مزاجية مفاجئة.
6-اضطرابات سلوكية، مثل: العدوان، أو الصراخ، أو الهروب.
7 – حالات نفسية، مثل: القلق أو الاكتئاب.
8 – ضعف التناسق الحركي، ويظهر على شكل حركات خرقاء غير متناسقة.
9 – ضعف التواصل البصري أو عدم مناسبته.
وكما ذكرت سابقًا فليس بالضرورة أن تظهر جميع هذه الأعراض عند جميع الأشخاص، كما أنها لا تظهر بنفس الحدة عند الجميع. وتختلف أيضًا القدرات الذهنية، حيث تتراوح من الطبيعي إلى الإعاقة العقلية الشديدة، وقد تظهر عند البعض صعوبات تعلم، وكذلك تختلف القدرات اللغوية والكلامية من الطبيعي إلى عدم الكلام إطلاقًا.
والمهم دائمًا هو الاكتشاف المبكر وعدم تجاهل أي مؤشرات أو مظاهر، حيث إن البدء بتطبيق برنامج للتدريب لا بد أن يبدأ بمجرد الاكتشاف؛ وقد أظهرت الدراسات أن الاكتشاف المبكر والتدريب المبكر لهم أثر واضح في التحسن وتحقيق أقصى ما يمكن للشخص، ويجب أن يتم التدريب في شكل برنامج متكامل يشمل أيضًا الأهل والمدرسة، مع الاختصاصيين الذين سبق ذكرهم.
أعانك الله تعالى، وأنا في انتظار أخبارك.