أحمد البهنساوي وهدى فايق

10/10/2005

صورة مقال تحفيظ القرآن.. تجارب ونصائح

إحدى الحلقات المسجدية لتحفيظ القرآن

لا يخفى على عاقل ما أعده الله لحافظ القرآن من فضل عظيم، ومكانة سامقة، بل إن هذا الفضل وهذه المكانة تتعديان الحافظ إلى من حفظه ويسر له ذلك، حتى تصيب والديه؛ ومن ثم تتعدد الفضائل التي تعود على المجتمع.

ومنذ القدم انتشرت مكاتب ودور تحفيظ القرآن الكريم، في القرى والنجوع والكفور في عدد كبير من البلدان العربية والإسلامية، فزاد عدد حفظة القرآن، وامتلأت بهم المساجد، وراحوا يتنافسون فيما بينهم في تزيين أصواتهم وتحبيرها بالقرآن. وكان المار من أمام مسجد أو مكتب لتحفيظ القرآن يسمع أزيزا كأزيز النحل.

غير أنه للأسف الشديد، ومنذ بداية الثمانينيات من هذا القرن، قل اهتمام الحكومات بمكاتب تحفيظ القرآن، فانحسرت دور التحفيظ، بل تحول بعضها إلى بوتيكات ومحلات للبيع والشراء، فقل الحفاظ، واتجه المحفظون للبحث عن وظيفة أخرى يعيشون منها، وخلت المساجد من حفظة القرآن إلا من رحم الله، وقليل ما هم. فانبرى عقلاء الأمة يطالبون بإعادة الكتاتيب، والاهتمام بحفظة القرآن، قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.

ورغبة منا في رصد بعض التجارب الناجحة لحفظ وتحفيظ كتاب الله. وفي الوقت نفسه رصد العوائق التي تواجه الحفظة والمحفظين؛ التقينا بعدد من حفظة ومحفظي والقائمين على دور تحفيظ القرآن الكريم فكان هذا التحقيق…

نحفظه ويحفظنا

“القرآن يصاحب من يصاحبه، فكل يوم تقرأ وتحفظ فيه تنفتح لك أسرار جديدة، وتشعر بأنه صديقك الذي يحلق بك في عالم مليء بالأسرار ليضع بين يديك منهاجا دنيويا وسيناريو أخرويا لكل إنسان خلقه الله”… بهذه الكلمات استهلت (هبة زكريا- بكالوريوس إعلام القاهرة) حديثها معنا.

وأضافت هبة التي تحفظ القرآن الكريم منذ صغرها: “بدأت حفظ القرآن وأنا في الثالثة من عمري بإحدى قرى المنوفية؛ حيث كُتاب القرية الذي كان البداية الحتمية لكل طفل يريد الذهاب إلى المدرسة، ثم انتقلنا مع الأسرة إلى القاهرة وأنا في الرابعة، فالتحقت بأحد كتاتيب القاهرة. وكان حفظ القرآن عندي متعة. وعندما ذهبت إلى المدرسة كنت أخرج منها للكتاب. وقد ساعدني القرآن كثيرا في إتقان اللغة العربية والتفوق في دراستي وفي حياتي عموما.

وتستطرد هبة تقول: “كما كان للشيخ الذي يقوم بتحفيظنا دور كبير في تحفيزنا ماديا ومعنويا. حيث كان يزرع داخلنا حب القرآن والتنافس الشريف على حفظه وإتقانه. ولكن واجهت صعوبة عندما كبرت في التعامل مع شيخي؛ كما كنت أتعامل معه في صغري. ولقد تيقنت فعلا أن القرآن يهجر من يهجره، كما أن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، والشيء الهام هو النية في حفظ القرآن”.

ويشير (أحمد السيد ـ مدرس لغة إنجليزية) إلى الدور الهام للأسرة في الاعتناء بطفلها وحثه على الاهتمام بحفظ القرآن الكريم في الصغر ومتابعته فيقول: “للأسف لم يوجهني أحد إلى حفظ القرآن في الصغر، ولهذا فقد واجهت صعوبة كبيرة في حفظ القرآن في الكبر، عندما بدأت أحفظه في مرحلة الكبر بعد التخرج. ولكنني أجاهد نفسي وقد فتح الله علي، وأحفظ الآن خمسة أجزاء ومستمر في الحفظ إن شاء الله”.

ويرصد أحمد الدروس التي خرج بها من تجربته في حفظ القرآن فيقول: أولها أن ملازمة القرآن في مرحلة الشباب أمر هام جدا؛ لأنها مرحلة خطيرة وحرجة. وعلى الشيخ الذي يقوم بتحفيظ القرآن أن يلعب دورا كبيرا في زيادة استجابة راغبي حفظ القرآن، فضلا عن الاعتناء بتعليمهم النطق الصحيح ومخارج الحروف؛ وهذا ما ساعدني على الاستمرار في حفظ القرآن.

 

وتذكر لنا (أسماء سيد- 20 عاما) قصتها مع حفظ القرآن فتقول: “بدأت الحفظ منذ 5 شهور تقريبا، بواقع مرة في الأسبوع. سمعت عن مسجد الحصري بمنطقة السادس من أكتوبر من صديقاتي، وبدأت الانتظام في حلقات الحفظ؛ لأني شعرت أنه يعلم القرآن على وجه صحيح، فالقائمات على التحفيظ به يمتزن بالقدرة على توصيل المعلومة بسهولة ويسر، وهو ما حببني في القرآن”.

وتضيف أسماء: “تشجعني المحفظة على الحفظ؛ فهي تتصل بي باستمرار، ولا تقبل تغيبي إلا لعذر قوي. وإذا تكرر غيابي تخرجني من مجموعتها لتدخل أخرى مكاني. كما أن الجو العام يساعد على الاستمرار؛ فكيف أجد العشرات من الفتيات والسيدات يرددن كلام الله عز وجل؛ ولا أغار وأتمنى أن أصير مثلهن؟”.

أما (أمل عبد الله – 32 سنة) فتحدثنا عن تجربتها مع القرآن فتقول: “كانت أمنية حياتي أن أحفظ القرآن؛ فبدأت الحفظ منذ 5 سنوات. وكنت قد حاولت قبلها أن أحفظ مع نفسي؛ فلم أتمكن. فسألت عن دار تقوم بالتحفيظ؛ فوجدت إحدى الدور، فالتحقت بها. ومن يومها وأنا ملتزمة بالحفظ، ولم يتبق لي سوى عام لأتم حفظ القرآن، ولأحقق أمنية حياتي).

وتضيف أمل: “لقد استفدت كثيرا من هذه الدار؛ لأنها تضع منهجا دراسيا شاملا للتجويد، وأحكام التلاوة. كما تُقسم حفظ القرآن على عدة سنوات. ولا يمكن للملتحق بالدار الانتقال من سنة دراسية لأخرى؛ إلا بعد المرور بامتحان شفوي وآخر تحريري، والحصول على نسبة معينة في درجات أعمال السنة، المقسمة على امتحانات شهرية، كما أن تطبيق نظام الحضور والغياب يدفعنا للالتزام والمحافظة والاجتهاد في الحفظ”.

ويحكي لنا (كريم أحمد- 16 سنة) قصته مع القرآن فيقول: “بدأت أحفظ القرآن في الكتاب منذ أن كان عمري 6 سنوات. وكان أبي– بارك الله في عمره – يتابع حفظي. ومنذ 5 سنوات التحقت بدار لتحفيظ القرآن. أخذني إليها خالي الذي كان ملتحقا بها هو أيضا”.

ويضيف كريم: كان أبي وأمي أول من نبهاني إلى أهمية حفظ القران. فقد كانا يغرسان في حب القرآن ويحفزاني لحفظه. وكانا دائما يضربان لي المثل ببعض الشباب من جيراننا وأقاربنا من حفظة القرآن، المتفوقين في دراستهم. بل وكانا يذكران لي قصص بعض أقاربنا من حفظة القرآن الناجحين في حياتهم العملية.

ويختم كريم كلامه قائلا: “يداعب أمنيات حياتي حلم كبير ألا وهو ختم القرآن، خاصة بعد أن منّ الله علي بحفظ 20 جزءا؛ فقد اقترب الحلم، وأسأل الله أن يحييني حتى أختم القرآن، وأستمتع بهذه اللحظة”.

وتقول (مروة محمد- 24 سنة): “أداوم على حفظ القرآن منذ سنتين في دار للتحفيظ؛ لكني للأسف لست نشيطة. فلم أحفظ حتى الآن سوى حفظ 8 أجزاء فقط. لكن ليس الأمر بيدي. فأنا أعمل صيدلانية وعملي يمتد على مدى اليوم، صباحا ومساء. ولهذا فحسب الوقت المتاح لي أذهب إلى المسجد.. وللحق فإن الفضل في استمراري في الحفظ رغم ضغوط العمل وقلة الوقت يرجع – بعد الله سبحانه وتعالى- إلى المحفظة، فهي تتابعني وتتصل علي وتحفزني  على المداومة وتتحمل كثيرا من تأخري عن الموعد، فجزاها الله عني خيرا.

أما (دينا أحمد -22 سنة) فتقول: “في البداية ذهبت مع أختي إلى دار لتحفيظ القرآن، على سبيل الزيارة، ولم يكن لدي نية التسميع( الاستظهار). ثم استمعت إلى دروس تتحدث عن أهمية حفظ القرآن وثوابه عند الله. فاشتاقت نفسي للحفظ، فقررت أن أبدأ.

وتضيف دينا: وبالفعل فقد بدأت في الانتظام في الدار، والحمد لله فقد حفظت 5 أجزاء ويتبقى لي 25 جزءا. وسأواصل بإذن الله حتى أتم القرآن كله. والحقيقة فإن أهم ما يميز الدار هو ارتباطي النفسي بالدار وبالمجموعة التي عرفتها في الدار، فهم سبب في استمراري”.

هكذا يُحفظون غيرهم

وعن دور محفظي القرآن في عملية التحفيظ، تحكي (أزهار موسى- محفظة قرآن للأطفال) تقول : “بدأت الحفظ من سن 5 سنوات حتى وصلت للصف الأول الثانوي؛ في كتاب بلدنا على يد الشيخ عبد العزيز رمضان. وكنت حريصة على مراجعة ما أحفظه حتى لا أنسى. ثم التحقت بمعهد متخصص لتحفيظ القرآن (بالمجان) منذ عام 2001 ؛ وسأختم بإذن الله هذا العام.

وتضيف أزهار: “ونظرا لأنني مقتنعة بأن من بين وسائل المحافظة على القدر المحفوظ من القرآن، حتى لا يتفلت من حافظه، أن يقوم هو بتحفيظه لغيره، ففكرت أن أقوم بتحفيظ القرآن لبعض الأطفال في المسجد”.

وحول الشروط الواجب توافرها فيمن يقوم بدور المحفظ، تقول أزهار:” لابد لمن يقوم بالتحفيظ أن يكون هو حافظا للقران، حفظا جيدا، وأن تكون لديه ملكة تلقينه لغيره. فعملية التحفيظ ليست سهلة، وتتطلب عددا من الصفات الشخصية منها: الصبر، وطول البال. فضلا عن أن الممارسة تكسب المحفظ خبرة؛ فأنا – على سبيل المثال- في البداية لم أكن بمثل مستواي الآن. فلقد تعلمت كيف أحبب الطفل في الحفظ؟، وكيف أجعله يقبل على القرآن برغبته؟.

وعن الصعوبات التي تواجهها في عملية التحفيظ تقول أزهار: أهم هذه الصعوبات هو ضعف مستوى الأطفال، وعدم قدرتهم على الاستيعاب بالشكل المطلوب، وتعسرهم في القراءة. على الرغم من أنني عند تعاملي مع الأطفال أكون على معرفة بأيسر الطرق التي تعطي أفضل النتائج. والحقيقة أن عالم الأطفال متباين فمنهم من لا يحفظ إلا بالضرب، ومنهم من هو ملتزم بالحفظ ولا يحتاج مني سوى التوجيه البسيط. ومن الطبيعي أن يكون لي صلة مستمرة مع أولياء أمورهم، لحثهم على الاهتمام بأطفالهم والقيام بالمراجعة لهم. وأحيانا أعقد جلسة مع بعض أولياء الأمور لتوجيههم إلى ما يجب عمله وأهمية المتابعة.

تقول ( سارة أحمد – محفظة قرآن بمسجد الحصري بالجيزة): “الشرط الأساسي في المحفظة أن تكون متقنة لأحكام التجويد، وتحفظ من ثلث إلى نصف القرآن على الأقل. فأنا إلى الآن لم أتم ختم القرآن. فقد بدأت بالانتظام في مسجد الحصري منذ 3 سنوات، وكانت تلك هي بداية التزامي. حيث ذهبت مع إحدى صديقاتي على سبيل التجربة. وقد كنت مندهشة جدا من عدد الحريصين على حفظ القران؛ وسألت نفسي: لماذا لا أكون واحدة منهم؟.

وتستطرد سارة : هذا السؤال جعلني أشعر بالخجل من نفسي؛ فاجتهدت في الحفظ بمعاونة شيخي الذي يصر على أن يذكرنا بأهمية حفظ القرآن في كل درس، كما يبين لنا فضل حافظ القرآن عند الله عز وجل، ودائما يذكرنا بحديث النبي : “خيركم من تعلم القران وعلمه.

وتضيف سارة: كان القرآن هو بداية طريقي للهداية؛ لأن فيه خير دليل للإنسان في كل مناحي الحياة من علم ومعاملة وأخلاق. وقد لمست أثر حفظ  القرآن في حياتي؛ فكان تقديري في كلية العلوم قبل الحفظ “مقبول” و”جيد”؛ لكن ما إن بدأت أحفظ القرآن حتى صارت تقديراتي “جيد جدا” و”امتياز” وهذا كله ببركة القرآن الكريم.

وعن أهم ما يجب أن يتميز به المحفظ، تقول سارة: أرى أن أهم ما يجب أن يميز المحفظة بخلاف مقدرتها العلمية على الحفظ والتجويد والتلقين؛ الصبر وسعة الصدر. فعندما أشعر أحيانا بأن صبري نفد وبدأت أضيق؛ أتذكر أن العلم كله مشقة، وأن ثوابي إن شاء الله كبير؛ فأستمر وأواصل.

وتقول سارة: أواجه مشكلة مع الأطفال لأنهم يلعبون كثيرا، ولا يدركون عظم ما هم فيه؛ رغم أنني أشجعهم كثيرا، وأحيانا أحضر لهم معي شيكولاتة وحلوى لأعطيها كجائزة لمن يحسن الحفظ. وفي الوقت ذاته؛ تلعب الكلمة الطيبة مفعول السحر؛ فعندما تجيد الفتاة الحفظ وأقول لها فتح الله لك؛ أو بارك الله فيك، وجعلك مثل عائشة ( بنت أبي بكر) ونسيبة ( بنت كعب)، أو ربنا يجعلك من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته. أشعر بنور يفيض من  وجهها. وأنا لا أؤمن بنظرية الضرب، ولكنني أعاقب من لا يحفظون باستخدام نظرية إظهار الغضب والخصام لدقائق”.

تجارب قرآنية

صورة مقال تحفيظ القرآن.. تجارب ونصائح

بنات يحفظن القرآن بإحدى الدور

ورغبة في استكمال الصورة، رصدنا تجارب بعض دور التحفيظ من خلال القائمين أو المشرفين عليها. الدكتور أحمد محمد عبد العال، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، رئيس دار تحفيظ الحرمين، حكى لنا تجربة داره فقال: “تتبع الدار جمعية الإمام علي للتوعية الدينية والمحافظة على القرآن الكريم، المنشأة في عام 1973. أما الدار نفسها فقد تأسست عام 2000، تحقيقا لهدف وشعار الجمعية ألا وهو تحفيظ القرآن الكريم.

وقد كلفتني الجمعية بالإشراف على الدار؛ وقمنا بانتداب أهل الاختصاص لذلك، وعلى رأسهم فضيلة الدكتور أحمد عيسى المعصراوي شيخ عموم المقارئ المصرية، رئيس لجنة المصحف بالأزهر الشريف، وأعضاء لجنة المصحف، وفضيلة الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف.

وتقوم الدار على تحفيظ القران الكريم للدارسين والدارسات مجانا خدمة لكتاب الله تعالى وللمسلمين وللإسلام. وتتبع الدار نظام منهجي لتحفيظ القرآن؛ حيث تم توزيع حفظ القرآن الكريم على 5 سنوات تم تعديلها إلى 6 سنوات؛ تخفيفا على الدارسين. وقد أتمت الدفعة الأولى حفظ القرآن الكريم كاملا بأحكام التلاوة. وكان عدد الخريجين الحاصلين على الإجازة ما يقرب من 100 دارس ودارسة أغلبهن من السيدات”.

وحول أسس اختيار المحفظين في المعهد، يقول الدكتور أحمد: “يقوم الاختيار على أسس الحفظ الكامل للقرآن الكريم والإجادة التامة لتلاوته وأحكام تجويده. ويتم اختبار المحفظ أو المحفظة على يد لجنة من كبار علماء الأزهر وأعضاء لجنة المصحف بالأزهر الشريف”.

وفي السياق نفسه، حكى لنا الشيخ محمود الطبلاوي، المقرئ بالإذاعة المصرية، تجربته فقال: “تجربتي كأي قارئ بدأت مع كتاب الله منذ الصغر. وبفضل الله أتممت حفظه وأنا في التاسعة من عمري. ثم أصبحت خادما للقرآن الكريم، وزاولت مهنة القراءة في العديد من البلدان؛ حيث كنت أقوم بالقراءة في المآتم وإحياء الليالي قبل أن أدخل الإذاعة. والفضل في ذلك يرجع لله أولا ثم أسرتي التي أصرت على أن أتم حفظ كلام الله وأنا في الصغر.

ويستطرد الطبلاوي يقول : كان أبي وأمي يتابعاني ليل نهار مع التحضير. وبصراحة عانيت في فترة طفولتي وشعرت أنها سرقت مني؛ لأني كنت أرى زملائي يلعبون ويمرحون. وإذا أردت أن ألعب معهم لبعض الوقت؛ كان والدي يعنفني لأعتكف على حفظ القرآن. إلا أني شعرت بأهمية ما فعله معي أبي بعدما أصبحت قارئا بالإذاعة المصرية.

وعن أهم العوامل التي ساعدته على الاستمرار في الحفظ، يقول الطبلاوي: “الشيخ الذي كان يعلمنا. إذ كان متمكنا من صوته ومخارج الحروف والأحكام، بالإضافة إلى اهتمامه الشديد بنا. وتساعد كثرة القراءة على الحفظ، فأختم القرآن قراءة كل جمعة”.

ويختلف الشيخ أحمد محمد السيد بدوي، الحاصل على العالمية في أصول الدين من قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر، مع كل ما سبق في التأكيد على دور الأسرة. فيرى  أن العامل الأول والأهم هو الحافز الذاتي، مشيرا إلى أنه حفظ القرآن بجهده الذاتي، وأتم حفظه في المرحلة الإعدادية. ويدلل على ذلك بأن هناك الكثير ممن يحفظون القرآن في الكبر. غير أنه يستدرك على كلامه فيقول: أنا لا أقلل من دور الأسرة في تحفيظ الطفل للقرآن في صغره”، إلا أنه ركز على ضرورة وجود حافز ذاتي لدى الشخص.

ويؤكد الشيخ بدوي على دور المسجد بديلا عن الكتاتيب التي اندثرت كمكان مناسب لحفظ القرآن والاستمرار فيه. ويشير إلى أن أهم صعوبات حفظ القرآن لديه كانت الانشغال بالعمل واللعب والمذاكرة، بالإضافة إلى الشعور في بعض الأحيان بالفتور والكسل. مشددا على ضرورة أن يكون الشيخ المحفظ قدوة حسنة لمن يعلمهم، وأن يكون قد حفظ القرآن في صغره؛ حتى يكون قد مر بالتجربة، وبالتالي يصبح قادرا على العطاء لمن يعلمهم.

وفي تعليقه على ما قاله حافظو ومحفظو القرآن الكريم، في هذا التحقيق، يشير الدكتور أحمد المعصراوي، شيخ عموم المقارئ المصرية، إلى أن الأسرة بمثابة نقطة الانطلاق أو البداية التي لابد منها لتحويل الطفل من البداية للقرآن الكريم عن طريق التحفيز والمتابعة والرعاية مع التشجيع. مشيرا إلى أن الأسرة التي تحفز أولادها لحفظ القرآن الكريم مع عدم المتابعة لا تؤتي ثمارها، ويكون طفلها غير ماهر في حفظ القرآن. فلا بد من الاثنين معا التحفيز والمتابعة.

صورة مقال تحفيظ القرآن.. تجارب ونصائح

د.أحمد المعصراوي

وعن الشروط الواجب توافرها في المحفظ لكي يؤثر فيمن يحفظه، يقول المعصراوي : يجب أن يكون المحفظ حافظا للقرآن حفظا جيدا، ضابطا للأداء، يتصف بالأخلاق الحميدة. على أن يكون قدوة حسنة بالإضافة إلى حبه لتعليم القرآن وإحساسه بأن هذا العمل لوجه الله وطلبا لمرضاته. وألا تكون نيته جمع المال أو اتخاذها وسيلة للتكسب فقط، فإن كانت نيته كذلك؛ فلن يخرج من تحت يديه حافظ ماهر للقرآن.

وعن الصعوبات التي تواجه عملية تحفيظ القرآن في مصر، يرى المعصراوي أن المكان من أهم هذه العوائق، فمن الضروري تيسيره أمام المحفظ ليمارس عمله بسهولة. ونحن نعاني في مصر من كل هذه الصعوبات خاصة في الأماكن الراقية. ولقد لعبت دور تحفيظ القرآن دورا رائدا في تحفيظ القرآن للمسلمين على اختلاف جنسياتهم. ومنها: دار الأرقم ابن أبي الأرقم في مصر الجديدة، ودار الحرمين في العمرانية، ومسجد الحصري بمدينة 6 أكتوبر، بالإضافة إلى معهد معلمي القرآن في العمرانية.

وأخيرا ينصح د. المعصراوي بأن يبدأ الطفل في حفظ القرآن من سن 3 أو 4 سنوات ليختمه في الثامنة من عمره؛ لأن ذهنه يكون خاليا من أي هموم أو مشاغل، فيسهل ملؤها بالقرآن؛ فيثبت معه طوال حياته.

ويحكي لنا الدكتور عبد الصبور مرزوق، عضو مجمع البحوث الإسلامية، عن تجربته في مجال حفظ القرآن حيث شكل لجنة لتحفيظ القرآن في قريته بمحافظة المنوفية، فيقول: “كنت أعطي للمحفظ 100 جنيه شهريا. كما أعطي مكافآت مادية وعينية للأولاد الذين يجتازون حفظ عدد معين من الأجزاء. وكان لديّ ما يقرب من 180 طالبا من الأولاد والبنات، من مختلف الأعمار. وأنوي إن شاء الله أن أنتقل من مرحلة الحفظ إلى مرحلة تعليم التجويد كمرحلة ثانية على أيدي أساتذة متخصصين في مجال تجويد القرآن الكريم”.

ويعدد عبد الصبور فضائل حفظ القرآن الكريم؛ قائلا: لا يمكن إحصاء هذا الفضل؛ لأن تقديره عند الله سبحانه وتعالى. ولكن أبرز ما يمكن الإشارة له في فضائل حفظ القرآن الكريم؛ أنه يمثل حفظ الأصول الأساسية للدين الإسلامي. وأود أن أؤكد أن هناك إقبالا على حفظ القرآن؛ وذلك على عكس ما يعتقد الكثير من الناس.

ويتفق الداعية الإسلامي الدكتور عبد الصبور شاهين، أستاذ علم اللغة بكلية دار العلوم بالقاهرة، الحاصل على درجة الدكتوراه في القراءات، يتفق مع ما قاله الدكتور مرزوق بخصوص تزايد إقبال الناس على تحفيظ القرآن الكريم. ويضيف: لكني قلق لأن التعليم العام لا يهتم بتحفيظ القرآن، والمفروض أن يكون القرآن أساسا للتعاليم الثابتة.

ويضيف شاهين: أتمنى أن يزيد الحرص على أن يكون للقرآن نصيب من التنشئة الاجتماعية؛ خصوصا في ظل عدم وجود الكتاتيب؛ ولذلك تكثر الآن حلقات تحفيظ القرآن في البيوت والزوايا والمساجد، مشيرا إلى أن ذلك يعوض إلى حد ما فقد الكتاتيب.

اقرأ أيضا:

  • سبع وصايا لحفظ القرآن
  • هل من دعاء لحفظ القرآن؟
  • أسس وقواعد تعين على حفظ القرآن