توفيت السيدة فاطمة رضي الله عنها في الثالث من رمضان سنة 11 هـ وهي بنت رسول الله- ﷺ- وأمها خديجة بنت خويلد، ولدتها وقريش تبني البيت قبل النبوة بخمس سنين، وهي أصغر بناته –ﷺ- وتزوجها علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- في السنة الثانية من الهجرة في رمضان، وبنى بها في ذي الحجة، وولدت له الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم ومحسنًا ومات صغيرًا.
وكانت لها مكانة عظيمة عند رسول الله -ﷺ- وكان يناديها بأم أبيها لما كان فيها من الحنان والحب لرسول الله ﷺ.
وعن حياتها قال عامر الشعبي: قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه: لقد تزوجت فاطمة وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل، ونعلف عليه الناضح بالنهار، وما لي ولها خادم غيرها، وبلغها أنه جاءه رقيق فلم تصادفه فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة، قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال:”على مكانكما” فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني فقال:” ألا أدلكما على خير مما سألتماني؟ إذا أخذتما مضاجعكما أو أتيتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبرا أربعًا وثلاثين فهو خير لكما من خادم” أخرجه البخاري ومسلم.
وعن عائشة قالت: أقبلت فاطمة -رضي الله عنها- كأن مشيتها مشية رسول الله -ﷺ- فقال: مرحبًا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم إنه أسرّ إليها حديثًا فبكت، فقلت لها: اختصك رسول الله -ﷺ- بحديثه ثم تبكين؟ ثم إنه أسرّ إليها حديثًا فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحًا أقرب من حزن، فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سرّ رسول الله ﷺ.
فلما قُبِض ﷺ سألتُها فقالت: إنه أسرّ إليّ فقال: “إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل عام مرة وإنه عارضني في هذا العام مرتين، ولا أراه إلا قد حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحوقًا بي، ونعم السلف أنا لك” فبكيت لذلك، ثم قال:” ألا ترضين أن تكوني سيدة (نساء) هذه الأمة أو سيدة نساء المؤمنين؟” قالت: فضحكت لذلك” متفق عليه.
وروى البيهقي: لما مات رسول الله –ﷺ- سألت فاطمة أبا بكر عن الميراث فأخبرها أن رسول الله –ﷺ- قال: “لا نورث ما تركنا فهو صدقة”. فسألت أن يكون زوجها ناظرًا على هذه الصدقة، فأبى ذلك وقال: إني أعول من كان رسول الله –ﷺ- يعول، وإني أخشى إن تركت شيئًا مما كان رسول الله –ﷺ- يفعله أن أضل، والله لقرابة رسول الله –صلى الله عليه سلم- أحب إليّ أن أصل من قرابتي، فكأنها وجدت في نفسها من ذلك، فلما مرضت جاءها الصديق فدخل عليها فجعل يترضاها، وقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت، فرضيت رضي الله عنها.
ولما حضرتها الوفاة أوصت إلى أسماء بنت عميس – امرأة الصديق- أن تغسلها فغسلتها هي وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- وصلى عليها زوجها عليّ وعمه العباس ودفنت ليلاً، وذلك ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة، وقيل: إنها لم تضحك في مدة بقائها بعد النبي عليه الصلاة والسلام، وإنها كانت تذوب من حزنها عليه وشوقها إليه -ﷺ- رضي الله عنها وأرضاها.