خلق الله سبحانه وتعالى الذكر والأنثى، وجعل لكل منهما خصائص من أجل التناسل والتعاون على عمارة الأرض، وتعقيم واحد منهما معناه جعل الرجل أو المرأة عقيمًا لا يلد ولا يُولد له، ويتم ذلك بوسائل متعددة، كان منها في الزمن القديم سل الخصيتين من الرجل، وفي الزمن الحديث ربط الحبل المنوي، أو جراحة أو إعطاء دواء يمنع إفراز الحيوانات المنوية أو يبطل مفعولها، وتعقيم المرأة يكون بتعطيل المبيضين بجراحة أو دواء يمنع إفرازات البويضات، أو بسد قناة فالوب، أو استئصال الرحم أو غير ذلك من الوسائل.
وإذا جاز من الناحية الصحية أو غيرها تأجيل الحمل مدة معينة، مع بقاء الاستعداد للقدرة على الإنجاب عندما تتاح الفرصة، فإنه لايجوز مطلقًا تعطيل الجهازين تعطيلًا كاملًا عن أداء وظيفتهما، إلا إذا دعت إلى ذلك ضرورة قصوى. ففي ذلك مضادة لحكمه خلق الله للنوعين، مع ما ينتج عنه من فقد كل من الرجل أو المرأة بعض الخصائص المميزة لهما في الصوت والشعور والإحساس وتأثير ذلك على السلوك ولو إلى حد ما .
ومن هنا نهى الإسلام عن خصاء الرجل لما في حديث البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ حيث سأل النبي ـ ﷺ ـ أن يُرخص له في الخصاء لعدم وجود ما يتزوج به وهو شاب يخاف على نفسه الوقوع في الإثم . وكما في حديث أحمد في النهي عنه للغزاة الذين ليس معهم زوجاتهم، وفي قول النبي ـ ﷺ ـ لرجل استأذنه في الخصاء، ” خصاء أمتي الصيام والقيام ” رواه أحمد والطبراني .
وتعقيم المرأة كالخصاء للرجل في الحكم وهو الحُرمة، وقد قرَّر المختصون أن عملية الحمل ضرورية لتوازن الحيوية في المرأة، والوقوف ضدها عناد للطبيعة، وبهذا يكون ربط المبايض حرامًا كما قاله جمهور الفقهاء، ومن كانت عندها أولاد تريد الاكتفاء بهم فتعقم نفسها، هل تضمن تصاريف القدر بالنسبة لهؤلاء الأولاد، مع أن هناك وسائل لتأجيل الحمل لا لمنعه، فيها مندوحة عن التورط في أمر يكون من ورائه الندم حيث لا ينفع، وإذا كان الإمام أحمد أجاز شُرب المرأة الدواء لقطع دم الحيض فلعله لغرض آخر غير التعقيم، ومع ذلك لا يصح أن يُلجأ إليه إلا عند الضرورة القصوى كتحقق الوراثة لمرض خبيث أعيا الطب علاجه، والضرورة تقدر بقدرها.
الشيخ عطية صقر