2005/05/26
القاهرة- إنتصار سليمان
الإصرار سر نجاح مشروع التلسكوب
منذ صغره نظر الشاب المصري مختار محمد عبد الفتاح إلى السماء وتطلع إليها كثيرا، بهرته النجوم والكواكب، وتمنى الاقتراب منها، والعمل بجوارها، ولكن عندما كبر فرضت عليه الحياة العملية التفكير بواقعية في مستقبله، فتخرج في كلية الحاسب الآلي، وعمل مبرمج كمبيوتر بجامعة طنطا (شمال مصر) عدة سنوات، ثم جاءته الفرصة للسفر إلى ألمانيا للعمل، ودراسة الميكرو كمبيوتر لمدة تصل إلى أربع سنوات.
وفي ألمانيا وقف أمام أحد المحلات التي تبيع التلسكوبات التي تستخدم في رصد الظواهر الفلكية وتصوير الإجرام والطيور وبعض المناطق البعيدة، فاقتنى أول تلسكوب في حياته، وهو ما أيقظ حلمه ورغبته في العمل بعلوم الفلك والبصريات، فدرسها جيدا وقرأ عشرات الكتب عنها، كما اشترك في دورات تدريبية حول البصريات.
وعند عودته إلى مصر بحث عن مصانع لإنتاج التلسكوبات، فلم يجد أي تلسكوب محلي الصنع، فقرر مختار العمل بمجال البصريات، وإنشاء أول مصنع مصري وعربي لتصنيع التلسكوب الفلكي، وعكف على دراسة الفكرة، وقام بتجارب على نطاق ضيق لتصنيع التلسكوبات لمدة جاوزت ثلاث سنوات.
بعد أن امتلك أسرار صناعة التلسكوبات، وتعرف على المواصفات العالمية المطلوبة في هذه النوعية من المنتجات، استقال من عمله كمبرمج -الذي استمر فيه لمدة 12 عاما- في جامعة طنطا عام 1996، ثم تقدم للصندوق الاجتماعي للتنمية في مصر للحصول على قرض بقيمة 50 ألف جنيه مصري ( الدولار= 5.8 جنيهات)، لإقامة مصنع صغير لإنتاج التلسكوبات الفلكية في طنطا.
وفي عام 1998 بدأ المصنع إنتاج أنواع أساسية من التلسكوبات طبقا للمواصفات العالمية، وبعد سداد القرض تقدم للحصول على قرض آخر، لتصل تكلفة المشروع إلى 125 ألف جنيه مصري.
الدعاية للمشروع
ولأن هذه النوعية من المنتجات تخاطب سوقا له طبيعة خاصة، ولم يتعود عليها الشعب المصري، فقد سلك الشاب مختار سبلا عدة لإعلان وتسويق مشروعه، ومنها:
– الدعاية المباشرة في الجرائد والمجلات.
– الاشتراك في المعارض الدولية والمحلية.
– الاتصال المباشر بنفسه مع الجامعات والمدارس والجهات المتخصصة مثل مرصد حلوان.
– الاشتراك في شبكة الاتصالات الدولية (الإنترنت) من خلال موقع وزارة التجارة الخارجية المصرية والصندوق الاجتماعي على الإنترنت.
وقد حققت هذه الوسائل قدرا مناسبا من الدعاية والتسويق للمنتج، فتوالت الطلبات على التلسكوب بمواصفات مختلفة تناسب الأغراض المطلوبة، فتم توريد تلسكوبات لكليات العلوم قسم الفلك، ولمرصد حلوان، ولأندية الرماية.
وكما يقول الشاب المصري فقد استفاد من الاتصال المباشر مع الجهات المختلفة في إيجاد فرص مختلفة لاستخدام التلسكوبات، فعلى سبيل المثال طلبت كليات الزراعة تلسكوبا بمواصفات معينة لمتابعة الطيور المهاجرة، كما طلبت وزارة البيئة تلسكوبات مختلفة المواصفات لعدة أغراض مثل رصد الظواهر البيئية ومشاهدة المحميات الطبيعية.
بالإضافة لذلك فقد أقبل طلاب الجامعات والمدارس على التلسكوبات والمناظير المختلفة، حيث مثل هؤلاء حوالي 40% من حجم الطلب على التلسكوب، بينما بلغ نسبة طلبات الهواة حوالي 30% من طلبات السوق، بحسب مختار.
مكونات المشروع
مختار عبد الفتاح يتوسط شباب يقوم بتدريبهم
ولا يتصور أحد أن صناعة التلسكوبات الفلكية تحتاج لمصنع كبير، فهو أداة بسيطة في منطقها حيث تستخدم لرصد الأهداف البعيدة عن طريق تجميع الضوء من خلال العدسات العينية والشيئية، وكلما زادت أحجام العدسات والمرايات المستخدمة نتج عن ذلك تجميع كمية أكبر من الضوء، وبالتالي القدرة على رؤية أشياء أبعد ومقتمة أكثر، وتحدد أحجام المرايات القدرة الاستيعابية ومدى الوضوح في الصورة.
ومن هنا يرى مختار أن تصنيع التلسكوب نموذج جيد للمشروع الصغير الذي لا يحتاج لمساحة كبيرة أو رأسمال ضخم، فالمصنع مقام على 150م فقط، ومقسم إلى قسمين أحدهما لتجهيز العدسات والآخر لتجهيز القاعدة وحوامل التلسكوبات والتي تتكون من الخشب أو البلاستيك أو الألمنيوم حسب نوع التلسكوب، كما يحتاج المصنع إلى عدد من الماكينات مستوردة الصنع مثل المخارط، وآلة التثقيب التي لا يتعدى ثمنها 30 ألف جنيه.
أما عن تكلفة المنتج نفسه فتختلف باختلاف نوع التلسكوب ومواصفاته، فهناك أجهزة تلسكوب يكون قاعدتها وحاملها من الخشب أو البلاستيك أو الألمنيوم، لذا يتم شراء هذه الخامات بكميات كبيرة وتقطيعها حسب المواصفات المطلوبة، وشراء المرايا والزجاج لصناعة العدسات، وأحيانا في حالة الطلبيات المستعجلة يتم شراء العدسات جاهزة من الخارج.
وكما يقدر مختار فإن جهاز التلسكوب الذي يستخدمه الهواة تصل تكلفته شاملة الكهرباء والعمالة والخامات إلى 225 جنيها، ويقدر سعره بـ 300 جنيه مصري، ويباع نظيره المستورد بـ99 دولارا.
ونظرا لعدم وجود هذه الصناعة ومكوناتها في مصر يقوم مختار بصناعة التلسكوب من الألف للياء، مما يجعل قوة إنتاج المصنع 100 – 200 جهاز تلسكوب مختلف المواصفات والمقاسات في العام، وهو عدد غير كاف لاحتياجات السوق المصري، مما جعله يفكر في توسيع المشروع. ولكنه لا يفكر في التصدير للدول العربية أو الأجنبية في الوقت الحالي؛ نظرا لأن السوق المحلي يبتلع كل منتجه ويطلب المزيد.
برامج للتدريب
في عام 2000 أتاح الصندوق الاجتماعي لعدد من أصحاب المصانع الصغيرة الحصول على دورة تدريبية في إدارة المشروعات الصغيرة وجودة الإنتاج بمعهد جلفادا باليونان، تلاها زيارة لبعض المصانع بإيطاليا، وكان للشاب مختار الحظ في الاشتراك في هذه الدورة، ليخرج منها بفكرة عمل برامج تدريبية للشباب المصري على صناعة البصريات وبصفة خاصة التلسكوبات.
وبالفعل اتفق مختار مع وزارة التربية والتعليم على إنشاء مركز متخصص تعليمي للحاسبات والبصريات يمنح الدارس شهادة معتمدة من وزارة التربية والتعليم تمكنه من العمل في هذا المجال. كما يجري حاليا الاتفاق مع وزارتي القوى العاملة والصناعة على تنفيذ برنامج دراسي لتدريب الخريجين في مجال الصناعات البصرية والحاسبات الآلية وتطبيقاتها لإنشاء مشروعات صغيرة ومتوسطة في صناعة الأجهزة البصرية.
ويهدف الشاب المصري من فكرة التدريب إلى إدخال صناعة جديدة في مصر يمكنها استيعاب أعداد كبيرة من الشباب، حيث يوجد حوالي خمس صناعات قائمة على مجال البصريات في العالم وهي التلسكوب، والميكرسكوب الفلكي، والميكروسكوب الجراحي، وأجهزة الرمد، والمكونات البصرية التي تستخدم في أغراض شتى منها المجال التعليمي والبيئي، وكلها صناعات مستوردة الصنع، ولا تنتجها البلاد العربية جميعا بما فيها مصر.
وأما الأهم كما يقول مختار هو إيجاد عمالة مدربة وماهرة في صناعة البصريات وهي مشكلة تؤرقه شخصيا، حيث يضطر إلى العمل بنفسه نظرا لعدم توافر هذه النوعية من العمالة، حتى مع خريجي المعاهد البصرية والتي تركز على صناعة النظارات الطبية والشمسية فقط.