في الحقيقة هناك نوع من الأسئلة يبدو في ظاهره بسيطًا، ولكنه في غاية التعقيد وحتى أكون دقيقة أقول: إن التعقيد ليس في أصل العلاقة بين الرجل والمرأة داخل الأسرة، فالعلاقة بينهما في الأصل بسيطة جدًّا، وتتناغم مع الفطرة في كل فاصل منها.
ولكن هذا التعقيد حدث نتيجة للتغيرات التي أثرت على المجتمعات على مر العصور، والمفاهيم المغلوطة التي ألقت بها الحضارات القديمة تارة والحديثة تارة أخرى، والتي أثرت على نظر الرجل للمرأة ونظرة المرأة للرجل؛ فجعلت المرأة شيطانا وأصلا للخطيئة حينا، وجعلتها كالرجل سواء بسواء حينا آخر، فاختلطت الحقوق والواجبات والأدوار، وأصبحت العلاقة بين الزوج والزوجة لغزا يتطلب قدرًا عاليا من الوعي، فهما وتطبيقا، حتى تنجح الحياة الزوجة.
في الحقيقة نحن نحتاج إلى عشرات الصفحات لكي نجيب عن هذا السؤال، وربما لن يتسع المجال إلا إلى استعراض بعض العناوين العريضة؛ لعلها تفتح أبوابًا ندندن حولها فيما بعد.
وأول هذه العناوين أن العلاقة بين الزوجين مركب عقلي ووجداني وجسدي يتكون من عناصر عديدة، ويصعب تناول عنصر منها منفصلا عن العناصر الأخرى، فإذا كنا سنتحدث الآن عن الاحترام ومظاهره ووسائله فيجب ألا نغفل الحب أو الرحمة، وغير ذلك وتعالى نتجول معا بين مظاهر الاحترام:
التفاهم، وأن يعطي كل طرف مساحة للطرف الآخر في الحوار والقرارات خاصة القرارات المتعلقة بالأسرة، وكذلك عدم التجريح أو الإهانة سواء مباشرة أو بالإيحاءات والإيماءات والسلوك، والبعد عن الأفعال التي تغضب الطرف الآخر، وتفقد ما يرضيه ويسعده، والاهتمام به وبأهله وأصدقائه وضيوفه.
وإذا أردنا أن نتجول بين وسائل تحقيق هذا الاحترام سنتوقف عند أسس ضخمة أهمها:
– تحمل المسئولية: أهم مسئوليات الرجل هي القوامة، وهي رعاية الزوجة والأولاد وتوفير احتياجات الأسرة النفسية والمادية، أما أهم مسئوليات الزوجة فهي توفير السكينة لزوجها وأولادها في جو من الطاعة، ذلك المعنى البسيط الذي يخطئ الكثيرون في فهمه؛ فليس المقصود بالطاعة هو تحمل الاستعباد والقهر، ولكن المقصود هو اللين وعدم الاصطدام، وقد لا يعلم الكثيرون أن اللين يمنح أكثر بكثير مما تمنحه الندية والمناطحة.
من وسائل الاحترام كذلك الصدق والوضوح، فلا يكون طرف منهما لغزا بالنسبة للطرف الآخر، ولا يظهر طرف غير ما يبطن، فتكون النتيجة الطبيعية لذلك هي الثقة المتبادلة ويأمن كل طرف الآخر، ويرتبط هذا المعنى بمعنى آخر وهو حسن الظن والتماس الأعذار، وألا يتربص طرف بالآخر، وأن يشعر الطرفان أنهما في خندق واحد، ويقابل كل طرف خطأ الآخر بالشفقة والصبر، ولا يكون همه إقامة الحجة عليه وتصيد أخطائه.
من الوسائل الهامة أيضا فن المطالبة بالحقوق، فكل طرف عليه ألا يتهاون في المطالبة بحقه؛ لأن النفس جبلت على أن تأخذ كما تعطي، ولكن المهم أن تكن المطالبة بالحق في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب والابتعاد تماما عن وقت الغضب وعن العناد، وربما يكون التنازل عن الحق إلى حين أفضل من التسرع في المطالبة به في غير وقته فيضيع للأبد، ويكون ذلك في جو من العطاء وعدم الأنانية وحرص كل طرف على أن يقدم أفضل ما عنده تماما كحرصه على أن يحصل على ما له.
ومن الوسائل الهامة أيضا فن قبول الآخر، فكل طرف لا بد أن يقبل أشياء في الطرف الآخر بكل تواضع ولين، سواء كانت عيوبا أو طباعا مختلفة أو اختلافا في الرؤى، ويسأل نفسه سؤالين: هل أنا كامل؟ هل كل آرائي صحيحة بلا شك؟.
فإذا كانت الإجابة نعم، فهذه طامة كبرى، وهذا الشخص لا شك واقع في وهم كبير فالكمال للخالق وحده. أما إذا كانت الإجابة لا، فليحتمل كل طرف عيوب الآخر، كما يطالب الآخر بتحمل عيوبه، ولنتعاون ونتفاهم في ظل المساحة المشتركة الطيبة بيننا.
وأخيرا أكرر أن ما ذكرته ليس إجابة عن سؤالك، فالإجابة العملية ربما تحتاج إلى سلسلة من الدورات لتوضيح النماذج العملية والمواقف المختلفة التي تترجم هذا الكلام، وأرجو أن يتحقق هذا الأمل على هذه الصفحة في المستقبل القريب بإذن الله.
يمكنك الإطلاع على مشكلة بنفس الموضوع وهى
الزواج يحتاج إلى الحب.. وغيره
مع تحيات الدكتورة فيروز عمرو مستشارة صفحة مشاكل وحلول