بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فتوحيد الأذان ، بأن يعمم على المساجد عبر شبكة الكترونية، بحيث يستغنى عن المؤذنين في المساجد بصوت شيخ واحد أو شيخين ، لا يجوز، لأنه قضاء على شعيرة الأذان ، ويمكن الاستعاضة عن هذه الفكرة بعمل اختبارات للمؤذنين، أما توحيد الأذان بالطريقة المعروضة فلا يجوز .
يقول مسعود صبري الباحث الشرعي بكلية دار العلوم :
توحيد الأذان أمر مستحدث في أمر من أمور العبادات، وقد استحسنه البعض، ورفضه آخرون، ولكل من الفريقين حجته.
ونناقش هنا توحيد الأذان كفكرة ناشئة، ومدى مواءمتها لطبيعة شعيرة الأذان، والهدف من ورائها.
فهذه الفكرة نشأت من وزارة الأوقاف المصرية، والسبب وراءها ألا ينزعج الناس من بعض الأصوات التي تؤذن، والتي لا تتناسب مع شعيرة الأذان، فبعض الناس أصواتهم مزعجة، مما قد يؤثر سلبا على الأذان في نفوس الناس حسب من يرون فكرة توحيد الأذان.
ولكن في الحقيقة هذا استدلال لا محل له، فهل الأذان هو الوحيد الذي يزعج صوت الناس، أليس منبهات السيارات تعمل ليل نهار؟ رفع صوت المذياع بالأغاني وغيرها ألا يحدث إزعاجا للمريض والمذاكرين وغيرهم؟ فلم الأذان تحديدا هو الذي يمنع، ولم لم تتقدم وزارة الأوقاف بطلب للدولة لعلاج مشكلة الإزعاج الصوتي؟
وبالنظر لطبيعة الأذان، فهو إعلام بدخول وقت الصلاة، وهذا يتحقق مع حالة توحيد الأذان، والناس سيعرفون أن وقت الصلاة قد اقترب، وأنهم سيستمعون إلى صوت ندي، مثل صوت الشيخ محمد رفعت، أو الطبلاوي أو غيرهما من الشيوخ أصحاب الأصوات الندية.
ولعل أصل الفكرة من استحسان أصوات المؤذنين وجد منذ عصر النبي ﷺ، حيث جاء عبد الله بن زيد إلى رسول الله ﷺ يحكي له الرؤيا التي رآها، وأن أحدا جاءه وقص عليه ألفاظ الأذان، يقول عبد الله بن زيد: “فلما أصبحت أتيت رسول الله ﷺ فأخبرته بما رأيت, فقال: إنها رؤيا حق إن شاء الله, فقم مع بلال, فألق عليه ما رأيت, فليؤذن به, فإنه أندى صوتا منك, فقمت مع بلال, فجعلت ألقيه عليه, ويؤذن به”، والحديث حسن صحيح، رواه الترمذي وأبو داود.
ففكرة أن يُنتقى من المؤذنين أندى الناس أصواتا فكرة محمودة، لما في الأذان من أثر عند سماعه على الناس، فليس الأذان مجرد كلمات تسمع، وإنما يجب أن يعيش المسلم بحسه وشعوره وقلبه مع معاني الأذان، وحين يؤذن أصحاب الأصوات غير الندية، فإنه يفقد الأذان حلاوته.
غير أن هذا لا يكون بتوحيد الأذان بصوت شيخ واحد، فنختار أذانا الكترونيا مسجلا، يعمم على مئات بل آلاف الناس، وربما بعد ذلك ملايين المساجد، لأن هذا يخالف روح شعيرة الأذان، وذلك لما يلي:
1- أن الأمر في الأحاديث جاء بأذان واحد من كل جماعة، وليس أذان واحد لكل جماعات المسلمين، فقد قال النبي ﷺ: {إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم}، ولعل النظر إلى قوله ﷺ: ” فليؤذن لكم” فيها دلالة على قيام رجل بالأذان حيا، لا الكترونيا.
2- أن توحيد الأذان يمنع عشرات من المسلمين من ثواب هذه الشعيرة، فقد حث الشرع على التسابق إلى الأذان، ففي الحديث الذي رواه الإمام البخاري:” عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: ”لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا”، وعند توحيد الأذان، نكون قد منعنا فضلا من الله تعالى لعشرات، بل لمئات من المسلمين. وقوله ﷺ فيما أخرجه الإمام مسلم: “المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة”، فهل يجوز لنا أن نحصر هذا الفضل في شخصين أو عشرة أشخاص أو غيرهم من العدد المحدود، أم نترك الأمر للمسلمين حتى يتسابقوا لنيل هذا الفضل من الله تعالى.
وقد روى الإمام الترمذي في جامعه عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال: “من أذن سبع سنين محتسبا كتبت له براءة من النار”. وعلق الإمام المناوي على هذا الحديث بقوله: “لأن مداومته على النطق بالشهادتين والدعاء إلى الله تعالى هذه المدة من غير باعث دنيوي صير نفسه كأنها معجونة بالتوحيد والنار لا سلطان لها على من صار كذلك”.
بل إن مد الصوت بالأذان من الأمور الموجبة لمغفرة الله تعالى، فكيف نمنع طريقا لمغفرة الله لعباده، فقد روى الإمام الترمذي بسنده عن البراء بن عازب
أن نبي الله ﷺ قال: “إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدم، والمؤذن يغفر له بمد صوته ويصدقه من سمعه من رطب ويابس وله مثل أجر من صلى معه” .
وأخرج النسائي وأبو داود عن أبي هريرة, قال: “قال رسول الله ﷺ: {الإمام ضامن, والمؤذن مؤتمن, اللهم أرشد الأئمة, واغفر للمؤذنين}. وفي رواية لأبي داود بسنده عن عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول: “يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل : انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة” . فكيف لنا أن نمنع هذا الصلة بين المؤذن وربه سبحانه وتعالى ؟!!
3- أن توحيد الأذان بصوت واحد، ولو كان صوتا نديا يفقد الأذان حيويته، فإن سماع الصوت الحي غير سماع صوت المذياع، وإن النفوس البشرية لها مداخل مختلفة للتأثير، فلكل مؤذن طريقته التي يزيد الأذان حلاوة وجمالا، فيصادف مدخل المؤذن قلوب البعض دون الآخرين، مع المحافظة على نداوة صوت المؤذن، وأن يكون صوته محببا للناس في الأذان غير منفر.
4- أنه يمكن تطوير فكرة توحيد الأذان في غير الصوت الواحد، فربما قد يتفق أهل قرية أو مدينة على لفظ من ألفاظ الأذان، كأن يكون هناك توحيد في التكبير الأول، هل يكرر مرتين أم أربع، أو غير ذلك من الإفراد والتثنية، أو غير ذلك، على ألا يكون ذلك في كل المدن، فروح الإسلام في التنوع من محامد الشرع وليس من مذمة له، ومادام الاختلاف اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، فلا باس بالعمل بكل ما ورد، أو اختيار أحدهم.
5- أن الدعوة إلى توحيد الأذان تدعو إلى التكاسل عن الذهاب مبكرا إلى المساجد، وما في الذهاب المبكر من فضل كبير عند الله تعالى، بل نخشى أن يكون ذلك ذريعة لإماتة هذه الشعيرة بعد فترة من الزمن، كما قد يخشى أن يفكر في توحيد الصلاة، لأن صوت بعض الأئمة منفر!!
والذي ندعو إليه؛ أنه يجب ألا يقوم بالأذان إلا من توافرت فيه شروطه، وأن يوضع معها إحسان الأذان، وحلاوة الصوت، أما السعي لخفض صوت الأذان، فإنه يخالف ما شرع الأذان من أجله، فليس كل الناس يسمع الصوت الخفيض وينتبه إليه، وخاصة من يجلسون في المكاتب، ويغلقون حجراتهم، ويعملون بعض الأجهزة التي يكون لها صوت كالتكييف وغيره، ومن المعلوم شرعا أنه يستحب رفع الصوت في الأذان، على ألا يكون بشكل زائد عن حده، وإن كان الفقهاء يقولون بألا يرفع المؤذن صوته بنوع من التكلف حتى لا يؤذيه رفع الصوت، فإن رفع الصوت بشكل يخرج الناس عن الإحساس بالأذان غير محمود، مع الحفاظ على هذه الشعيرة وعدم المساس بها، بل يمكن القول: إن السعي لتوحيد الأذان بصوت شيخ واحد في مدينة أو أكثر، هو من البدع التي لا يجوز العمل بها، لأنها تتعلق بشيء من العبادات التوقيفية.
أما اختيار الأندى صوتا من الناس، فهذا شيء محمود لا شيء فيه.
والله أعلم
مجموعة من الباحثين